-
(6)
كادت أن تسقط، لكنها تفادت السقوط بطريقة ما و هي تنظر إلي نظرة عميقة النظر. تفادت تلك السقطة القاتلة بكل خفة و هي تتعمق في النظر إلي شيئاً فشيئاً، تحدق بي بعينيها المدورتان الصغيران المتلألئتان، ويحها ما أبها و ما أدهش تلك العينان.
يا لروعة تلك النظرة التي تلقيها إلي، تلك التي تمنحني فرصة النظر و الاستمتاع بالنظر من خلالهما. عيناها عالم مفتونٌ مليء بالفتنة. ترى ما الذي تملكه في نظرتها تلك المصوبة نحوي لتتفادى كمثل تلك السقطة المميتة و هي تمارس النظر إليّ. ثم ما الذي جلبها لهنا في المقام الأول؟. مع كل هذا الزخم من الفراغ المعتم، قد أتت، و ملأت المكان شيئاً من اللألأة من عينيها، هي فعلاً تقف هنا، تحدق بي، تتأملي بي، تتشارك وجنتي الباردتين المحمرتين. تحدق بي و تحدق بي و لا زالت تحدق بي و هي تحدق بي. لابد من بد قادها نحوي للتحديق بي.
أنا أشعر بشيء جميل الآن، شيءٍ أشبه بالجمال الذي يتحدث عنه الشبه الجميلات و لا الجميلات. شيء لم يسبق لي و أن شعرت به في وقت مضى. هذا الذي أشعر به لابد و إن كان، كان بسببها، بسبب نظرتها المصوبة نحوي، بسبب تلك العينين اللتان لا تنفك عن التحديق بي، أأكد على ذلك من غير تكهن. ما الذي يجول بيننا. ما هذا الشعور الذي تمنحني إياه تلك النظرة الطفيفة التي بالكاد أن تلفت لك انتباهاً. آه أيتها الفراشة الصفراء كم تملكين من عينين وحيدتين مجاورتين لبعديهما. لما كل هذا؟ أخبرني أي شيء ذاك الذي دعاك للوقوف ها هنا، بهذا الفراغ المعتم تاركة خلفك كل كونيات الجمال. ما الذي تمنحينني اياه بهاتين العينين اللتان لا تزالان تحدقان بيّ بعمق أكثر فأكثر.
ويحكِ انتظري لا ترفرفي هكذا بجناحيك الصفراوتين، لا يزال المكان متسعاً لك. حدقي كما تشائين و لكن لا تبدئي بالترفيف الآن، لازلت أرغب بهذا الشعور، لا زلتُ لم أشبع منه بعد. انتظري لا تبتعدي، ثم أنكِ تذهبين في الإتجاه الخطأ، أعدك لن أجبرك على المكوث و لن أقيد حريتك لتحدقي بيّ فقط، لكن استمعي لما أقوله لكِ ليس إلا، أرجوكِ. ستصطدمين بالزجاج أمامك تمهلي قليلاً أيتها الفراشة تمهلي، ويحك لا تتسرعي. لا تموتي فتنطفئي. أرجوكِ لا تموت و تنطفئي.
ماتت الفراشة، سقطت و هي ميتة، لم تتفادى السقوط هذه المرة. ماتت و انطفئت، انطفئت و انطفئتُ بموتها أنا التي لم تشتعلُ غير بها.