(9)
أنا وحيدة، ما يعني أني وحيدة بغض النظر عن شعوري بالوحدة. حيث أن لا أحد حولي و لا… أوه، دعك من كل هذا الهراء.
لنعد أولاً لأصل الكلمة، الوحدة. ماذا تعني لغوياً؟ شيءٌ من قبيل الوحدات أو ما شابه ذلك؟ لا أدري حقيقةً، و أشعر بالجهل التام و الشناعة لأني لا أدري ما تعنيه كلمة الوحدة لغوياً! فكيف لي أن لا أعلم ما تعنيه تلك الكلمة و أنا أقول في بادئ الأمر أني وحيدة؟
مهلاً! انتظر لحظة، هنالك خطأ! أترى جيداً؟ أنا كنت أقول أني وحيدة؟ أليس كذلك؟ كن معي مركزاً و عاوني في أن أفهم ما يجري هنا. ألم أقل في بادئ الأمر أني وحيدة بغض النظر عن شعوري… إلخ، صحيح؟ إذ ما علاقة كلمة الوحدة بما يجري هنا؟ و ما علاقة معرفتي بما تعنيه لغوياً؟
هكذا كنت أقول في نفسي أنا الأخرى. هنالك لبسٌ في الأمر. و ها هو يتضح الآن، فأنا قد قلت أني وحيدة بغض النظر عن شعوري بالوحدة. أوه! لا! الوحدة مجدداً! شيءٌ خطير ما يحدث هنا. لنتبين من الأمر من جديد.
كون أني وحيدة، ما يعني ذلك أني حزينة، بائسة، منفرد بنفسي، لا أصدقاء لي كذلك. و ذلك قد اتضح لي من معنى كلمة وحيدة في احدى المعاجم العربية، و هذا لا يؤكد حقيقة ما جاء في معنى كلمة وحيدة. فأنا في حقيقة الأمر كنت أظن الأمر كذلك منذ البداية، حيث تعلم ذلك، أقصد معنى كلمة وحيدة، في إحدى مراحل الدراسة الابتدائية. لكن ما جعلني لا أصدق ما تعلمته حينها، هو مدى الاختلاف الواقع بين ما تعلمته و ما أعيشه! أعني، ما كنت أعيشه. فأنا لستُ حزينة، بائسة، منفردة بنفسي، و لي من الأصدقاء ما يزيد على عدد أصابع يدايّ. صدقاً! إذ كيف لي أن أصدق ذلك وهو ينافي ما أعيشه؟ أليس الحق أن أصدق ما أعيشه و أشعر به بدلاً عن ما أسمعه و أعُلم عنه؟ هو كذلك. أنا أيضاً قد كنت قلت في نفسي ذلك.
غير أن، هنالك أمرٌ ما. أمر ما يجعلني لا أثبت على تصديق نفسي. تصديق ما أعيشه و أشعر به عوضاً عن ما أدرسه، أعني ما سبق لي دراسته. فأنا لا أكذب، و لم أكن أكذب حين قلت في بادئ الأمر أني وحيدة. ففي الحقيقة أنا وحيدة، و هذا أمر لا جدل فيه بالنسبة لي. فحين يعلم أحدٌ من من يعرفون هويتي قولي، لا يصدقون حين أقول أني وحيدة. فأنا كما سبق و قلت أناقض معنى كلمة وحيدة للرائي. فالأصدقاء عديدون، و لا أنفرد بنفسي حزناً و لا يئساً. لكن، أنا وحيدة حتماً.
كيف لي أن لا أكون وحيدة و كل من حولي ينافون حضوري الفكري؟ كيف لا أكون وحيدة و أنا لا أجد صديق عقلٍ يشاركني حياة، دماغية ربما؟! كيف لا أكون وحيدة و أنا ذو رأسٍ نافرٍ في كل أمرٍ يطرح للنقاش في جلساتنا المسائية، أنا و الأصدقاء؟ كيف لا أكون وحيدة و رأسي ينفرد بنفسه، حزيناً بائساً لا أصدقاء له؟ كيف لا يكون لي أن أقول أنا وحيدة بغض النظر عن شعوري بالوحدة! فحقيقةً، أنا لا أشعر بالوحدة إلا في رأسي؛ و أشعر بالامتلاء من حولي من الأصدقاء القابلين للتحية و المصافحة الملموسة وحسب.
جال في نفسي سؤالٌ لم أعرف له جواباً لألمٍ شديدٍ ألمّ بي و أشعرني به. ما إن كنت أنا أشعر بالوحدة في رأسي، حيث أني لا أشعر بالوحدة إلا في رأسي كما أسلفت سابقاً، ترى ما مدى الوحدة التي يشعر به رأسي حين أنا لا أكون مع و من حوله؟ آلمني هذا السؤال الذي جال في نفسي بشد!.
دعك من كل هذا و حدثني، ماذا تعني لك الوحدة؟ ما أعنيه، متى تكون وحيداً و تشعر بالوحدة؟ حين تكون وحيداً جسدياً أم نفسياً؟ لا أعلم ربما عاطفياً؟ جنسياً محتمل أيضاً؟ أم أنك مثلي تصنف و كأنك من الكائنات التي أتت إلى الأرض من مكان بعيدٍ جداً يدعى أرض الحكايات، تشعر بالوحدة حين تفتقر إلى عقلٍ يشاركك الحياة، أي أنك و كيانك يشعر بالوحدة حين تكون وحيداً دماغياً مثلي؟ ماذا؟ حدثني، متى تشعر بالوحدة؟