-أوراق الورد-
الرافعي
سبحانك اللهُمّ..
إنما هذه الأمراضُ أخلاقٌ أنت تُنشِئُ بها الرحمةَ في قلوبنا المتحجرة..
وتَصرِفُنا فيها إلى نفوسنا.. بعد أن نكونَ قد جهِلنا هذه النفوسَ في أعمالَ الحياة.. أو جهِلَتنا ..
وتُعلِّمُنا جميلَ صنعِكَ في تواتُرِ حِلمِك علينا.. مع قبيحِ صُنعنا في ترادُفِ عِصيانِنا لك..
وتنقُلُنا بها في خطوة سريعة من خطر الأزليةِ لنرى الدنيا من آخرها.. فلا نجدُ نعيمَها إلا معاني الهلاك.. ولا ملذاتها إلا أصبابا من الندم.. ولا غناها إلا فنوناً من الحسرة..
ثم لا ننظر في أجسامنا إلا أشكالاً قائمة من التراب..
ولا نعرف من أعمارنا إلا أنفاساً كانت تصعد من فم القبر..!
وإذا أذِنتَ بعدُ في شفائنا.. ومسَحتَ بيدِ العافية علينا.. كانت الأمراضُ وسيلةً من وسائل تجديد العمر..
وخرجَ المريضُ وكأنه مقبلٌ على الدنيا من ناحية لم تكن فيها..
فيَنسم من كل شيء رائحة الحياة..
ويرى على كل جمالٍ أثراً كأثر الحب ولذته وحنينه..
ويستقبل نفسَهُ الراجعةَ إليه في موكب الحواس القوية..
فلا يكون له إلا ما قد يكون مثله في الملك المخلوع أعادوه إلى العرش.. فجاؤوا بالتاج.. وأقاموا له الزينة،. وحشدوا له الحفل.. وقالوا سمعنا وأطعنا...