وعلى صوت القذائف والهاون والصواريخ واهتزاز المنزل بجدرانه العتيقة كانت تفكر فيما آل اليه حالها وحال البلد واحبابها الذين تفرقوا كل منهم بمكان ,
نظرت الى السماء عبر سقف الاسمنت الذي اعتنت كثيرا بنظافته حتى سرقها العمر الذي مضى دون ندم وحتى اللحظة
وتمتمت بدعاء الحفظ وتنهدت بعمق
مازالت قطع الاثاث الذي اهتمت به ككل شىء عبر حياتها على حاله ومازالت الجدران صامدة كما هي - تسال الله الحفظ والصبر والبقاء بخير - لكم تحضَّرت لخروج مفاجىء ولكم قررت الخروج المدبر ولكن لاشىء من هذا قد حصل
الانتظار الذي لم يمنحها يوما اشارة نهاية لكل هذا القلق مازال يعدها بالمزيد منه
والاعتياد على اصوات الرصاص وصوت القذائف بات جزءاً من حياتها اليومية تتعجب عندما يهدأ وتتعجب اكثر عندما يعود
عليها ان تنظف اشياءها المعتادة وتطبخ ولكن حتى مواد الطبخ لم تعد متوفرة منذ زمن بعيد
ابتدعت اكلات غريبة وكانت تضع لمساتها لتصنع نكهة لذيذة فهذا الامر يهمها بالدرجة الاولى رغم انها لاتاكل كثيرا الا انه احدى نجاحاتها المتكررة والتي يراد لها التوقف والاندثار كما كل زاوية في هذا الوطن المسكين الذي وقع بأيد من لايرحم الجمال ولايعنيه بقاءه بالمطلق
قالوا لها ان الثورة تصنع الغد الاجمل ومنذ يومها الأول والثورة تمارس التخريب والهدم لكل جميل وعت عليه حتى تحول الوطن الى خرابة يرمي كل ذي مطمع قاذوراته ولايمضي ..!!
قالوا لها ان الدولة ستهزم اولئك الثوار وانتظرت يوما بعد يوم وعاما بعد عام ولاشىء يتغير في منطقتها تحديدا بل يتحول الى الأسوأ فالاسوأ - وعليها ان تصبر وتنتظر وتحتمل فقدان اساسيات الحياة لتحافظ على الحياة بمفردها
بمجهودها الخاص
بكل خبراتها التي وقفت امام مايحدث بذهول تام ..!!
روتين يومي يفرض نفسه عليها كما فرضه سابقا ولكن
بقسوة اكثر
وتفاصيل اصعب
وباتت تعلم جيدا ان الغضب لم يعد ينفع
والتململ لم يعد يدفع
والشكوى كغيرها لاتنفع ولاتدفع شيئا من المفروض عليها ان تحياه يوما بعد يوم
رفعت سماعة الهاتف الصامت منذ زمن وهي تمسح غبار القهر عنه وابتسمت وهي تعيدها عندما سمعت محادثاتها السابقة مع اخواتها وصديقاتها اللواتي كن يملأن فراغ يومها القليل وتمنت لو انها حادثتهم اكثر لتبقي لروحها المزيد من الذكريات الجميلة لجهاز اعلنوا وفاته في ظل ثورة وحرب لم تستأذنها بالهبوب كالريح العاتية لاتستأذن احد الا ان الريح تتوقف بعد حين
مالهذه الحرب تأبى التوقف والانتهاء...!!
(اوف
مللت حقا واجهدني التفكير- ليس لي سواك يالله )
هكذا انهت الهجوم المباغت للذكريات لتدخل المطبخ
وتفكر
في اكلة جديدة
بما تبقى لديها
من ادوات ....
منى مخلص