منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - أينَ أنتَ يا غسّان ؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-08-2013, 02:00 AM   #1
سارة النمس
( كاتبة جزائرية )

افتراضي أينَ أنتَ يا غسّان ؟




أينَ أنتَ يا غسّان ؟ لقد تعبت حنجرتي من عجن حرف " الغين " الذي يشبه عجينة صعبة المراس لا تتشكل بين أنامل الصوت هذه " الغين " التي لا تنضج أبداً كيفما ازدادت حرارة الشوق في حلقي كم عليّ أن أعض حرف السين من مرة ؟ كي تتذوق أذنك التي تدّعي الصمم، طعم الغصّة العالقة بين شفتيّ ، كم عليّ أن ألوك حرف النون كي تحضر من غيابك المفجع الذي أرهق إنتظاري و أنهك صبري . .

لقد انقطعت أخبارك عنّي منذ الأحداث الأخيرة بتونس ، كنتَ أحد الجنود على الحدود ، و يذاع في بيتي خبر اغتيالك كل ساعة و لكنني لا أصدق . . شيء ما بقلبي يخبرني أنّها إشاعة أو مؤامرة ، ربما فقط هذا الذي يتحدثون عنه رجلٌ يشبهك فحسب طويل كأنت ، يمتلك نفس سمرتك ، نفس بحة صوتك التونسية لكنه ليس أنت ، قلبي يخبرني أنه ليس أنت أنا الآن أحزم أمتعتي و أبحث عن جواز سفري بيدين مرتعشتين ، و بشفتين مشلولتين أحدثك بيني و بين نفسي ، قادمة إليك من قلب الجزائر ، لأبحث بنفسي عنك بقلب العاصمة التونسية بحيّ " باب الخضراء " الذي طالما وصفته لي ، الحيّ الذي أحفظه عن ظهر قلب رغم أنني لم أتواجد فيه بجسدي يوماً . . .

أراني أقف وسط الساحة الكبيرة أمام مسجد " براك الجمال" المسجد ذو البوابتين المقوستين ، ثم أدخل الحيّ من القوس الصغيرة بحثا عن العمارة المغروسة في الزقاق الذي يقابل محطة " علي البهلوان " ، سأدق الباب ثلاثة دقات كما فعلت بحلمي الذي حدثتك عنه ، و ستفتح لي والدتك السيّدة " سارة " تلك التي تحمل اسمي و سأطرح عليها و بلا مقدّمات ، بعد أن أسلمَ عليها سؤالي الوحيد : " أين هوَ غسّان ؟ "

قد تكون رحلتَ إلى إيطاليا دون أن تخبرني لتنقذَ ما تبقى من الحلم . . و شعرت بالخجل من أن تصارحني لأنك قد قطعت وعدا مُسّبقا ، أن أول بلد ستزوره إن خرجت من تونس سيكون الجزائر من أجل أن تطلب يدي . . و لأنك رجل تحترم " كلمتك" و لأنك اضطررت لأن تخلف وعدك رفضت أن تصارحني بعجزك لكنك لا تعلم :
" أنني قد أتقبل أي تصرف منك إلاّ أن تكون ميتاً ! "

فأنا لا أريد أن أكون أرملة و لم تزفني إليك بعد ، لا أريد أن تكون رجلاً أدفنه تحت ركام الكلمات و الورق ، لازلت بحاجة إلى حضورك في حياتي ، أحتاجك أكثر مما تحتاجك تونس ، أحتاجك و أنت تنجز كل المشاريع فوق الأرض و ليس تحتها ، إرحل أينما تشاء ، هاجِر و لكن إياك أن تموت قبل أن ننقذ ما تبقى من الحلم .

سارة النمس

 

التوقيع


لقد فهمتُ أخيراً معنى أن تتركَ وطنك لتكون في وطن الغير
الأمر أشبه بأن تترك بيتك و تمكث ضيفاً في بيت آخر
ستدرك أنك مهما مكثت ستظل ضيفاً و لست صاحب البيت !

من رواية " الحب بنكهة جزائرية "

سارة النمس غير متصل   رد مع اقتباس