[سعود القويعي]

الوشوشة ... الصناعية التلفزيونية ، والتي كانت تأتي فيما مضى ، وبعد أن يغلبنا النعاس انتظارا للمسلسل الليلي الذي لا يأتي أحيانًا ، إلّا بعد انتهاء ما كانَ احتفالا لا علاقة لنا به ولا يعني لنا أمره شيئًا ولا يعنيه أمرنا سوى استمرارية التصفيق للمواكب حتى ونحن قعود في خصوصية يغلفها نعاس العيون ــ

زمن اللون الواحد ، والمحطة الواحدة ، محدودة الإرسال ، والنمط ، والتوجه ، والعبارات ...وقبل أن يأتينا فيضان القنوات بكل خليط ، وضجيج ، ومكرر ، ومعاد ؛ حتى بات الأن واضحًا قَلب الأمور فاصبحنا نطلب النوم وهو لا ينام ... شتت أفكارنا ، وكسحنا وقرفصنا ، وأشحمنا ، وقطع صلة أرحامنا . ...
ملأ أدمغتنا وشوشة ، وشوش فيها تلك الوشوشة ، وروّضها ، وأرّضها.

ولم نعد نسمع تلك الوشوشة الصناعية ... رحمها ( الساتلايت ) ولا عزاء للمشغولين ، والفرحة للمتقاعدين ، والعاطلين والعانسين. ...
لكن من قال أنَّ الدنيا بسمة دائمة وضحكة سرمدية ؟
ما كدنا نفرح بدفن تلك الوشوشة ... وإركاز الشواهد على مكان دفنها الحزين بلا رجعة ...
حتى انتبهنا إلى أنَّ هناك وشوشة أخرى !!!


الوشوشة الآدمية التي تخرج من حُلُوقٍ لا تعرف سوى الأنا دستورها المكمّم والغير معلن مع صولجان القوة فقط !
تبدأ من أشخاص ولا تنتهي إلّا عند أعتاب الأمم
تتلذذ بسحق إرادة الآخر ، ويزعجها صوت الحق ، والحرية ، وتعتبره تمرّدًا وفرارًا من عباءة المألوف والمتعارف عليه ... هذه اللغة التي ألفناها وهزمت أنفسنا وملأتها بالخنوع واليأس وعلّمتنا أبجديّات البؤس ... بدأت فصولها الجنائـزية من البيوت وتدرّجت إلى المدرسة وما تلاها إلى الوظيفة والشارع وكلّ ما حكّم عليك من ظروف البيئة بالتعامل معه ...
فوقية وتنفيس عقد تختم لهم جواز المرور لإسكاتك بالوشوشة ، هي الوشوشة التي يعلو صديدها احيانا الى اصمت يا ( .... )

مسكين ذلك الكائن المظلوم الصبور المحتمل الذي نُنعت به احيانا في لحظة غضب عقيمة ،ولو نطق أحيانًا أخرى لضحك ما امتلأَ به شِدْقاه ، ثم بكى ... ثم تبرّأ ، ثم انتحر ...
احتجاجا أم هروبا ؟ أم قرفا ؟

لا أدري ... إذا نطق أسألوه !!


آه من الوشوشة ، قد سحقت حتى ضحكات العصافير ...وطعم الأناشيد وأصباح التغاريد ... فأفرزت ... بؤسا ويئسا ، ونحساً ، ومحسًا ... وضع قبل ( ســا ) ما شئت ؟؟

----------------------
هدية :

تعب كلها الحياة فما أعجب الا لراغب في ازدياد

ابو العلاء المعرّي