فعلتها التكنولوجيا وسلبتني إياكَ الليلة قبل أن أتمكن من توديعك بشكل لائق. حسنا لنا طريقتنا الخاصة في الاتصال ، أضئ قنديلا ضعيفا في غرفتك وابتعد عنه ، ثم أرسلني في أحلامك ، تذكـَّر تلك البسمة التي وصفتها "ليلى" بالصافية ، سأبتسمها ليس لأغويك ، وإنما لنمرح مع الجنية.
جوعي لها تعمَّق في الخامسة ، حينما اصطحبني أبي إليها هيمانا باحثا عن طفولته تحتها في حقل جدي "أصلان" ، يومها تحسس جسدها الصابر المتشقق ، جلس على حافة القناة يرمي الحجر تلو الحجر ، تصبغ شمس الغروب جانب وجهه المنحوت بلون ذهبي انعكس في نظرته الشاردة .
فجأة تمايلت الجنية ، تراقصت في ليونة ساحرة ، أطلقت نحو وجهه الغالي نفثة ذات أريج وشغب ، ابتسم لها وتهلل وتلفت .. تعالي يا داليا .. ، ظنا منه أنني بعيدة ، (الله؟ انتي هنا؟) .. اسمها ايه الشجرة دي يا بابا؟
يومها أخبرني بعشق يضاهي عشقه لأمي : صفصاف .
بيد أن أمي تركية ، أسلافها استعمروا البلاد والعباد قبل ميلادي بقرن أو اثنين ، لا أذكر ، لا تعنيني التواريخ كثيرا . شقوا الترع وخلقوا للترع شرايين بأيدينا وجثثنا البريئة.
عجبي لذلك الفلاح يستبشر بوجه الماء ولوز القطن وحَب القمح وإن كان عاريا متصخر الكعبين ، يعشق "بهية" ، يروي بحبها نايه الفقير و بذرة صفصاف مثابرة وفية ، تشق الأرض ساعية لا إلى شمس ولا سماء ، وإنما إلى النهر . لها جذع مائل متزن بصمود عجيب ، جدائلها خضر ودودة ، تلامس نهاياتها وجه الماء بحب ونضج وهدووووء .