منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - Vision
الموضوع: Vision
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-04-2007, 07:04 PM   #8
نور القحطاني
( كاتبة )

افتراضي


ما قالته أروى للباب الحديدي!


تتقلص مساحات الظلال ، تقل ، تختفي ، يرن الجرس . تتدافع الطالبات ..الأتوبيس يزمجر ..يثورالغبار من عجلاته ..تميل الصفصافه بحنو.
يتفقد الفصول..يودع المدرسات ..ينتظر خروج أم سعيد الفراشه..حاملة جردل ماء ..ومقشة تقطر ماء..
- يلله السلام عليكم.
.تأخر محمود عن أصطحاب زوجته فوزية ..مضطر لانتظارها عند باب المدرسة ،" السلام عليكم يا عم فاضل "..يغادرون ..
- تعال يا محمد ساعدني في قفل الباب
يقفل باب المدرسة ..ويدلف مع ابنه محمد الى بيته الطيني الملاصق للمدرسة.
يشمخ الباب الحديدي بأقفاله القوية ..تنسحب أروى الى داخل نفسها..تعد ..ستة أصابع من أصابعها العشرة
س=ع ن ..السرعة تساوي العجلة مضروبة في الزمن.. الطالبات يكتبن في الكراسات ..تعاود الشرح على السبورة مشققه الأطراف ..تلتقط الطباشير ..قوانين نيوتن للحركة..تتحفز نفسي لمعرفة نيوتن هذا ..أكتب لوحدي في كراستي ..صوتها يقفز من الشبابيك ..كل جسم يظل على حالة سكونا أو حركة في خط مستقيم ..ما لم يجبره مؤثر خارجي على تغيير حالته..يلكزني القانون ..(مؤثر خارجي )..!
"لكل فعل ..رد فعل مساو له في المقدار ومعاكس في الاتجاه."..تنفخ يدها المعلمة من آثار الطباشير..تمسح عرقها..تجلس على الكرسي ..تملي على الطالبات القانون الثالث لنيوتن..
" معدل التغيير في العزم يتناسب مع القوة المؤثرة في الجسم ، ويكون أتجاه....."
لا أفهم ..تضيق مساحة أستيعابي ..يهتز السلم الخشبي..تنحني الصفصافة ..لريح تهب فجأة..تنزل أروى من على السلم بحذر..كي لا تعثر قدمها..
ما لم يجبره مؤثر خارجي على تغيير حالته ..قانون الجاذبية العام..
يد مبتورة الأصابع..باب حديدي شرس..حارس المدرسة ..الكتلة مقدار ما يحتويه الجسم من مادة ..عم فاضل أبوها ..محمد أخوها عامل السكة الحديد ..تنزل ..تدلف الى غرفتها وقوانين نيوتن تستكين داخل كراستها ..تكنس حوش البيت ..تطعم الدجاج..تلملم بعثرة أحلامها..في فصل المدرسة.
تبدأ صباحها البيتي مع دقات الجرس المدرسي ..تدخل المطبخ..مع أمها العمياء ..يفرفر قلبها ..ويبتهج..يتنفس الأمل..الموشى بزقزقات العصافير ..مع أصوات الطالبات في طابور الصباح.
يستند السلم الخشبي على الجدار الطيني المنخفض ..ينتظر خطواتها الصاعدة على درجاته ..لتطل على المدرسة الثانوية ..تتفرج على الطالبات,,تسمع المدرسة فوزية في حصة الفيزياء..وبصوتها الجهوري..قلم - كراسة - خط متعرج ..يد يمنى تكتب ..ويد أخرى صامتة..ميتة الحركة..خنق الباب الحديدي ضجتها..أغلق عليها وعلى طفولتها..بتر أصابع أربع..أخذها ..رماااااااااااااااااااااااها..للقطط الضالة في الشارع..بكت..بكت..بكت..نزفت كثيرا..أغمى عليها..فقدت أربع أصابع ..وأنتكست طفولتها.
ثمان سنين ..تترك المدرسة الابتدائية..تتغيب كثيرا..الألم..الجرح..الدم..النزيف..أمها وعيناها الضريرتان..محمد ينهي المدرسة الأعدادية..يلتحق في الثانوية..تتطوع ناظرة المدرسة ..في شرح الدروس لأروى..تمتحن..وتبكي..الضمادة كبيرة ..البتر أكبر..تكره باب البيت الحديدي..
- لن أبدل الباب حتى تحرم الخروج في الشارع
- سامحها يا أخويا ..كانت تلعب مع محمد
- خلاص ..هي تدرس الآن ..ليس هناك داع للذهاب الى المدرسة ..البنت كبرت.
و..الألم يكبر..تحاول التكيف مع وضعها الجديد ..تشب عن الطوق ..أربعة عشر ربيعا..تنتهي الدراسة النظامية مع الشهادة الابتدائية..زينب بنت الحاج خيري - صديقتها - تلتحق بالمدرسة الثانوية.
تنقل وزارة المعارف مدرسة البنات الثانوية من مبناها القديم ..الى مبنى مؤقت ..تبتسم ناظرة المدرسة لمدير المركز.. ود يفيض من الوجوه ..تكمل حديثها الناظرة لأولياء الأمور .." ستستأجر الوزارة بيت الحاج خيري لفترة مؤقتة ليكون مقر المدرسة المؤقت"
يتضايق الآباء ..البيت بعيد عن الطريق العام..ومنعزل في قطعة أرض كبيرة في آخر ناحية من البلد..بيت كبير وواسع..يتألف من طابقين ..وفناء واسع..وحدها أروى فرحت ثم بكت..
- لاتبكي يا بنت ستتفرجين على المدرسة وعلى الطالبات أفرحي يا بنت
ضمتها أمها بحنان ..أبوها - عم فاضل - أنزعج ..بعدما كان يحرس الرجال ..سيحرس البنات ..
"الله يلعن الوزارة والبنات والناظرة والتعليم ".
أحتج عند المأمور والعمدة والناظرة..لكن لا فائدة ..أنتدبه العمدة حارسا لمدرسة البنات الثانوية..ترك جلسة الأصدقاء عند باب العمدة ..وتجرد من بندقيته ..مؤقتا ..المدرسة لصيقة بالبيت..لن تتعب يا عم فاضل ستكون أروى تحت عينه ..محمد تخلى عن هذه المسؤولية منذ عمله في المحطة ..تخلى عن عمد ليواري عقدة الذنب التي ركبته ولم تنزل.
" لم أقطع أصابع أروى ..الباب الحديدي دفعته الريح و.............. صرخت أروى ".
البندقية كانت ثقيلة وعهدة طلقاتها تؤرقه..سيرتاح عم فاضل من هذا العبء..سيظفر بخلسة سريعة ليلج البيت..ويشرب الشاي بهدوء ..ويتفقد أروى ويعود..
المدرسة هي بيت الجيران ..صخب في الصباح ..صيحات الطالبات والمدرسات..أوامر ناظرة المدرسة ..حارس عند الباب ..يتفقد المدرسة ..يقف كالسد العالي ..يحجز نظرات المتطفلين عن المدرسة ..الا نظرات أروى ..تعلقت برنين الجرس المنتظم..جرس طابور الصباح ..جرس الحصة الأولى ..الحصة الثانية جرس الفسحة ..جرس خروج الطالبات من المدرسة ..أنتظمت حياتها مع الحصص..تقوم بأعمال البيت مع دقات الجرس.
عرفت المدرسات ..حفظت وجوه الطالبات..كراسات قديمة ..قلما جف حبره..عاما دراسيا يقبل..
نفحة زيزفونية تدق الجرس ..دق الجرس..
دن ..دون..دان..دون ..دون..دن ..دان..صوته جميل ..دن ..دون ..دان..............
أحبال أروى الصوتية تزداد حلاوة..يدق جرس قلبها ويطلق لسانها " دون..دان..دون.." تطرب أمها لعذوبة صوتها..تتمنى لو تستطيع أن تصعد مع أروى السلم الخشبي ..وتتفرج على الطالبات..في مدرسة الحاج خيري.
- صحيح ..أين سيسكن الحاج خيري ؟
" رجل مقتدر ..ترك بيته العريض الواسع بمزرعته الكبيرة ..لكي تدرس أبنته في الثانوية.."والله عز" تضحك وتضحك عيونها المنطفئة.
تحك ظهرها ..وتقشر بثورا في ظهرها بأظافرها ..يسيل دم..ينقطع بسرعة من بثورها الداكنة..تحك شعرها ..تتذكر عجز اليد الأخرى عن كل شيء ..يتجذر اليأس داخلها ..يرن الجرس ..فتنبت زيزفونة على جدار قلبها ..تصعد أحلامها سلم شغفها الوردي.
غبي ..قفل قوي ..مفتاح التهمه الصدأ..باب أسود أصم ..يكره الريح وتكرهه..عداء واضح..ينهيه الباب الحديدي ..فيصفق حديده في وجه الريح..طاردا أياها من حوش البيت.
عام دراسي يزحف..تنقضي الشهور مسرعة ..تحسر الشمس عن رأسها ..يتموسق الألم مجددا ..غلالات الحزن ..أفول يلف المدرسة ..يتهلل وجه عم فاضل من الفرح..لن تحرس الا الرجال يا فاضل.
ستعود الى دوار العمدة حاملا بندقيتك نافخا صدرك باعتزاز..رجل للرجال ..تقرر وزارة المعارف نقل المدرسة الى القرية المجاورة..والى مبنى أكبر وأوسع.
يتضايق مدير المركز ..سينقطع الود الحميمي بينه وبين الناظرة ..سيفتقد محمود قد زينب الممشوق ..كيف سيلتقي بها ؟‍!
كان يختلي بها خلف مبنى المدرسة ..كانت تدخله من باب خلفي صغير يستخدمه والدها لدخول الشغالات والخدم لنقل القمامة ..

ينتهي العام الدراسي..يتسلم الحاج خيري مفاتيح بيته ..يدخل العمال ينظفون البيت..وحدها أروى تقف على السلم الخشبي مستندة على الجدار الطيني تشاهد حركة العمال وفرحة والدها متمددة على تجاعيد وجهه وتفكير محمود في أصطياد جسد جديد يطفىء نار شبقه.
تشاهد كل ذلك ..بتحفز ممسكة كراستها وقلمها وقوانين نيوتن..تفتح الصفحة الأولى ..الوحدة الثالثة..الدرس السابع..مسرحية فاوست ..تبرز صورة مدرسة اللغة العربية وهي تكتب على السبورة درس النصوص:
" تقفين هنا أمام المذبح
وترتلين صلواتك من كتابك
الصغير المهترىء..
ونصف قلبك مشغول بلعب الأطفال
ونصفه الآخر بحب الله "
تنهمر ذرات العتمة ..يسقط المدى مظلما ..تسكن الحركة في المدرسة..أو بيت الحاج خيري..
تصعد أروى السلم الخشبي ..تتسلق الجدار ..تهبط في ساحة المدرسة ..تبحث عن غايتها ..تجده صامتا في صدر الصالة الخارجية صامتا..لم ينتبه له أحد..!!!
تخلعه بقوة من مكانه..تعاود أدراجها ..تحتفظ بالجرس في حجرتها..فرحة !!

 


التعديل الأخير تم بواسطة نور القحطاني ; 11-04-2007 الساعة 07:15 PM.

نور القحطاني غير متصل   رد مع اقتباس