منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ..!
الموضوع: ..!
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-16-2012, 01:59 AM   #8
فيصل الرحيّل
( كاتب )

افتراضي












.

.

.

.

.




أشعر الإنس والجن ..!
كتبه .. // فيصل الرحيّل - رحمه الله -




أُشيعَ منذ فترة ليست بالطويلة أقاويل حول امكانية تعيين الشاعر الكبير / النابغة الذبياني .. عضو في إحدى اللجان التحكيمية المعنية بالأدب , وبما أن الخبر من إحدى الوكالات التي تفتقر نوعا ما إلى الصحة ولكي لا تُفسر تفسيرا خاطئ ..! المعني هنا هي ( وكالة يقولون ) فما كان مني إلا أن هممت إلى رفع سماعة الهاتف والإتصال على صديقي النابغة الذبياني لتبيان مدى صحة هذا الخبر والذي أكده لي بالفعل فـ غمرتني السعادة والبهجة , ومن خلال هذه الزاوية يسرني أن ازف اسمى آيات التهاني والتبريكات للنابغة الذبياني على هذه الثقة الكبيرة الملقاة على عاتقه .


وبهذه المناسبة السعيدة أرجو المعذرة منكم .. سأستغل هذه الفرصة لأُصحح بعض القصص المغلوطة حول صديقي النابغة , فـ لقد قيل أنه كان يُضرب له قبة حمراء من ادم في سوق عكاظ فيأتيه الشعراء لعرض قصائدهم عليه , ومن جانبه نفى صديقي النابغة هذه المعلومة جملةً وتفصيلا قائلاً : أنه كان يجلس خلف طاولة مستديرة مغطاة بأجود وأفخر أنواع القماش وأخذ يحدثني عن الطاولة وفي خضم هذا الحديث كشف لي النابغة عن سر تفضيله للخنساء على الجميع بقوله ( الخنساء أشعر الإنس والجن ) فـ الجميع على دراية بأنه منحها هذه الشهادة نظير جودة حبكها وسبكها وتمكنها من اللغة , لكن ما خفي عن الجميع أنه في ذلك اليوم وحينما اقبلت الخنساء مقتحمةً الصفوف والعيون تحدق إلى فستانها الأنيق وشعرها الأسود المسدول على كتفيها وعيناها العسليتين .. وكأن لسان حالها يقول ( يا أرض اشتدّي .. ما حدا أدّي ) ونظرا لإقترابها أكثر فأكثر ووقوفها على مقربة من النابغة لتلقي قصيدتها بعلو صوتها .. فما كان من صديقي الذبياني إلا أن يذوب ويصغي إلى صوتها العذب ونبرتها اللطيفة بإنصاتٍ شديد حتى كادت أن تتسمر ملامح وجهه من شدةِ شروده وبيح سدوده , وبمجرد ما أن فرغت الخنساء من قصيدتها حتى أطلق النابغة العنان لحكمه مباشرةً واصفا إياها بـ ( أشعر الإنس والجن ) أسبقها بـ ( والله , لولا أن أبا بصير أنشدني آنفاً لقلت أنكِ أشعر...) وذلك من أجل حفظ ماء الوجه ودرءا للشبهات , متناسيا بذلك عقله الذي يرقد على السرير الأبيض في حالة غيبوبة عميقة جداً منذ لحظة وصولها .


للأسف أن صديقي النابغة لحظة تلقيه القصيدة كان يرتدي عباءة المتلقي السامع متجاهلا بذلك عباءة المتلقي القارئ التي كان من الاحرى به ارتداؤها , فـ القراءة والسمع عنصران مهمان جداً في حالة التلقي فـ لابد أن يدرك المرء ما الأمور المناط بها وفي أي جهة يتوجب عليه الوقوف حتى يتمكن من عملية التقويم والتقييم بالشكل الصحيح , فـ لو تعمقنا قليلاً سنلاحظ أنه لا وجود لمقاييس محددة ولا أسس يتم الإعتماد عليها أثناء الحكم على الجميل أو القبيح من الشعر .. وإن وجدت على أرض الواقع .. لن تُحدِثَ نقلة تاريخية فـ نابغة هذا الزمان يفتقر إلى ما هو أدنى من ذلك .. لذا يمكننا القول أن الأحكام غالبا ما تستند على مدى تأثر المتلقي في الشعر وتأثيره عليه , فـ النص ما هو إلا تعبير عن ذاتية الشاعر وجماعية المتلقي , فـ الشاعر حينما يلقي نصه تجده يهدف إلى لفت انتباه المتلقي واقحامه في الجوّ النفسي الذي يسود النص فـ متى كان المتلقي .. متلقي سامع .. كان فريسة سهلة للنص يعيش معه آلامه وافراحه ورويدا رويدا ينتقل من الحالة الوجدانية إلى الحالة العاطفية فـ يرى القصيدة وكأنها لؤلؤة ساحرة لا تشوبها شائبة .


عزيزئ القارئ .. لن أطيل عليك فـ خير الكلام ما قل ودل .. هي رسالة اوجهها إلى صديقي النابغة وكل نابغة في هذا الزمان .. صديقي النابغة اجعل لنفسك وعقلك مساحة مناسبة ومريحة لإستيعاب النص وفهمه جيداً والخوض في حيثياته وايضاح نقاط القوة والضعف .. فـ هذه المساحة البسيطة كفيلة بنقل المتلقي من متلقي سامع إلى متلقي قارئ , صديقي النابغة .. أنت انسان والإنسان يخطئ ويصيب فمهما علت بك المراتب وبلغ بك العلم فلا مناص من الخطأ .. فـ إياك والتعالي والمكابرة على الأخطاء واجتناب نصيحة الآخرين .



ملحوظة .. :
فائق الإحترام والتقدير للأسماء المذكورة أعلاه .. فـ حيثيات القصة تطلبت مني بعض الخيال ..
فـ الجميع يعلم بأن الخنساء أقرب الشاعرات إلى نفسي وأفضلهن .. حتى أنني أغبط أخاها صخرا
أحيانا كثيرة .. تقول خناس :



يُذُكّرُني طُلُوعُ الشمسِ صَخراً ... وأذكرُهُ لكلِّ غُروبِ شَمْسِ
ولوْلا كثرَةُ الباكـينَ حَوْلي ... على اخوانهمْ لقتلتُ نفسي
وما يَبكونَ مثلَ أخـي ولكِنْ ... اعزّي النَّفسَ عنهُ بالتَّأسي
فـلا واللهِ لا انساكَ حـتَّى ... افارقَ مُهجتي ويشقَّ رمسي
فقَدْ وَدّعْتُ يوْمَ فِرَاقِ صَخْرٍ ... أبـي حَسّانَ لَذّاتي وأُنْسِي
فيا لهفي عليهِ ولهفَ أُمّي ... ايصبحُ في الضَّريحِ وفيهِ يمسي




*
نُشِرَ في جريدة ( الصباح ) الكويتية .. ملف مقامات أدبية .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة







 

التوقيع


faisalalraheil@.
.
تمهل أيها الفأس إن نصفك شجرة

فيصل الرحيّل غير متصل   رد مع اقتباس