ما أعجبني بأبي دلامة، وددتُ لو أنه لم يسكت، كانت سجيّته تلك هي الملفتة للنظر، والتي جعلتني استمع له مستمتعاً، إنه يُخرج مالا أطيق إخراجه، جرأته تلك جعلتني أُعيد حساب الزمن الذي استغرقت منه نيفاً، محاولاً أن أكون مثله فيما سبق.
تخرج الكلمات منه كإيقاع المطر، وهل رأيت من قبل القطرات وهي ترشق الأرض انتعاشاً؟ لعلني رأيتها، لعلني جسدتُ هيئتها في مخيّلتي، إن كنت لا أُخطئ في الوصف فإنني سأصفها كقطرة مطر شفافة، تجمع الشجن كدمعة، وتظهر الفرح كإرواءٍ للعطش، القطرة تلك لا ترتدي معطف الشتاء، ولا تلك الأزياء المزيّفة، ولا تضع الأقنعة التي لا قناعة لها بها.
ما أعجبني بهيئته البسيطة، وما أدهشني حين يُهدي ابتسامة لكل شخص يحدثه، وما أعجبني حين أراه وهو يحاول أن يكسر حواجز الرتابة، أن ينفي مراسيم الحفل المتوالية الذكر، التي اعتدنا أن نسمعها كأبجدية الأحرف العربية ومن ثم نكتفي ولا نأتي بالجمل التي تليق بها.
ما أعجبني حينَ أكتب هذه الأسطر، فهناك إنسان شعرت به كإنسان، وشعرتُ بي كالنسيان، عجبٌ إذن إن كنت أرى بأنني كمال لا يضاهيه كمال، سأعتزلك أيها الكمال، وسأضحك معك أيها النقصان، لأنك الكمال والكمال هو النقصان.