منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - قراءة انطباعية لنص ..( ( لـ ِترقُد الآثام بـِ سلام )
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-05-2006, 05:59 AM   #2
إبراهيم الشتوي
( أديب )

افتراضي



( عاهدتْ وَجهَ الظلامِ )

بأن يظلَّ الصبحُ مكفوف البصرَ


من هنا يأخذ النص منحنا آخر .. كانت الأبيات السابقة مدخلا


للنص تحاول رفاة أن تصنعه كمناخ

للأجواء التي

تريدنا أن نعايشها قبل الوصول لمنطقة البركان

و تحرير منطقة وجدانية ساخنة أرادت أن ترسمها في مخيلة المتلقي الذي بطبعه

يجب أن يكون في هذه الحظه في قمة الانغماس في النص وفي أعلى مستويات


الدهشة


والانبهار..


مشدودا لمعرفة تفاصيل أكثر عن تسلسل الحدث وتوابعه ..




( عاهدتْ وَجهَ الظلامِ


بأن يظلَّ الصبحُ مكفوف البصرَ)


أخذت على نفسي عهدا ووعدا بأن لا يضل للنور طريق يرى


هذه الظلمة التي انا بها مرة أخرى

هنا تقنية وهندسة تنم عن خيال خصب وقدرة قوية على التعبير بإبداع وصور


جديدة مبتكرة ..


(والريحُ ذاتَ الرِداء ..!


تميُدُّ أجنِحةِ الرياحِ مدىً ....!)




تتحرك أجنحةِ وتميل متسعا وعلوا نحوك ولك فقط .



نلاحظ أن رفاة شديدة التماس بالواقع هنا..



ترصد في هذا المقطع الاقتراب والتفاعل مع موجودات من مرّكبات وكتل


حسية ومعنوية إلى أحياء صغيرة تستطيع



الانصهار بها وتحويلاها لنا بلغة وصورة أخرى
..


( والمدى ......... زُرقة .!)



المدى زرقة.. عن حالة رحبة من التكتم والمجهول أنا وأنت عليها ..

يتميز هذا النص باحتشاد زاخم للصور التي عملت الشاعرة على تكثيفه داخل النص لاكتمال الدائرة الحسية في مخيلة

المتلقي وإيصال الصور بدقة وعمق لتتضح الرؤيا أكثر لنا..



( عاصِفةٌ خرسااااءَ في سفرٍ ضجِــر )



(عاصفة) حالة من سوء التفاهم بين الطرفين في سفر ( بعد وتباعد ) متعب منهك ..

وما زلنا نلتقط الصورة تلو الأخرى ..

فلنتخيل هذه العاصفة ومالذي ستحدثه بعد ذلك
..

( تُدفيء الثلج َ.. بـِ /الثلجِ

وتُحر ِقَ النار .. بـِ /النارِ )



في بؤرة الشك كانت الظنون تبدّد بـ الظنون



في كلّ محاولة للخروج من دائرة الشك تكون هناك انتكاسه



تُـدحض الخطيئةُ بـ الخطيئة ..



ويُحرقُ الذنب باقتراف ذنب آخر


وهكذا تتالى الآثام



فالموقف يتطور ويزداد مشعلا وريقات الوصال و مقطعا لأواصر الترابط ..





( تتآكلُ الأحزانُ فيها كالهشيم..!!)




صورة لهذه الحالة التي أحزانها تقتات من الذات وتتغذى على


الألم كما تأكل النار الحطب..





( تعسِفُ البَسَمات فيِ وَجهِ السرابِ )


فهذه العاصفة رمت بالبسمة والوداد إلى وجه مجهول لا وجود له ولا قرار ..

تستبقُ السفرْ .السفر إلى حيث المحبوب وفضاءاته الرحبة الممتلئة بالحنان


( شَقيِقُ انكِسار .. ساعاتُ إنتظار)



نلاحظ مدى ملائمة هذه الصور ودلالاتها بأثرها الحسي


وارتباطها في ذهن القارئ بما تنطوي عليه من



دلالات وصور جديدة تختار منها الشاعرة ما ينفذ في مسامات أحاسيسنا


وأوردة مشاعرنا بكل روعة واقتدار ..






( تضاجِع حُلم الذكرياتِ البغايا ... )




من هنا تصل بنا الشاعرة إلى بداية القضية القصة المثخنة


بالجراح والآلام..



وفي منحنى جديد حيث تحول سياق النص الآن باتجاه المحور الأصلي للنص

وهوا الحبيب ....


( تضاجِع حُلم الذكرياتِ البغايا ... )


فهاهي الذكريات الحلوة والهمسات الحانية ترقد معها تلك



(البغايا) التهم والشكوك التي لا أصل لها ولا صحة ..



هنا صورة مفعمة بالأسى ودقة في نقل المشهد برمته بطريقة مبتكرة في


التصوير من عدسة لاقطة يتميز بها



حدس رفاة



( لـ / تلِد من رحِمِ الخطيئةِهاجِسٍ وجِسّ )



لتلد من رحم ( الضنون ) السيئة هاجس يبعدنا ويفرقنا نحو مفازاة المعاناة ..


( تغتسلُ في محرابِ الطُهرِِ منْ رجسِ الجفاءْ ..)


فهذه الظنون والخطايا ليس لها وجود فهي تغتسل في محراب


الطهر وتتبرأ من التهم الملصقة لها ( رجس


الجفاء ) فأصبح الجفاء الذي بيننا معيبا للنقاء الذي يجب أن نحمله في أنفسنا


والطهر الذي تعاهدنا عليه ..


تاركة الشاعرة رفاة هنا للقارئ أن يطلق لخياله حرية الرحيل مع دفقات الصور


الشعرية و مستجيباً للأبعاد

التي تغري بها الصور متكئة على واقعية لتنطلق منها نحو الأفق للشعور وما


وراء الشعور .


( والآثام مُزمجِرةٌ في وسط ِالظلامِ )


الآثام التي ارتكبناها في حق هذا الحب تزمجر بعنفوان وقوة


وسط الظلمة الحالكة التي تربصنا بها


جراء هذاالقلق والتنافر الذي أوجدناه لنا ..


هذه القصة المسرحية التي كتبتها بكل براعة رفاة إتطاعت أن تصور المشهد


تلوا الآخر في كل جزئياته الدقيقة وكأن

نرى هذه الأحداث ماثلة أمامنا ..

فنلاحظ هنا كيف تصور الآثام وسط ظلام دامس فهل سترى هذه الآثام يا ترى ؟

لا اظن ذلك ..

فلآثام بطبعها سودا فإذا امتزجت بظلمة سوداء أيضا بكل تأكيد لن نرى هذا


المشهد سوى في ذاتنا التي ترى ماخلف الحس ..


إذاً وبكل براعة استطاعت رفاة أن تنقلنا إلى صورة ذكية تخدم الحدث وسير



النص زمنيا ومعنويا ..



(كان جنيني ... !)



نلاحظ هنا ( كان ) في زمن ماضي



( جنيني ) الخطأ الذي لم ارتكبه والموقف الذي ألم بي والحالة السوداوية التي



زجت بداخلي ..

هنا بالذات هندسة بارعة في اختيار الفظ المناسب والصورة المعبرة والتشبيه


الدقيق..



( وَأَدتُ الإثمَ في عينيهِ )



تركت شاعرتنا رفاة هذه الصورة مفتوحة للمتخيل أن يسبر



أغوارها بأسئلته..



وتركيب المعنى الذي يوافق الفظ والهدف ..



صورة بارعة من بؤرة عدسة



ذائقة رفاة ..

دفنت هذا الموقف وما يحيط به في حفرة المجهول ..



( وأدت) تارك لكم هذا المشهد وكيفية وأد الإثم..



( كي أحفظَُ ديني )



من أجل أن أحافظ على هذا ( الدين ) الحب والعهد والميثاق



دائما ما تضفي الإحاءات الغير مباشرة إلى إضفاء نوعا من الذة ونشوة في


قرأه النص وتكراره ..



فهنا نلاحظ كيف أتى الرمز وافيا من غير غموض مبهم ولا تقريرية مباشرة ..



فلو قالت بدلا من ديني ( عهدي ، وفائي ، ميثاقي،.... ) هل سيحدث جمالا أكثر


من ( ديني ) ..





(ألمسوها بِرفق .. لازالت دامية !.)



الجروح ,الآلام ما زالت تنزف في داخل بقسوة وشدة ..



طلبا في مشاركة الهموم والجراح والنزف ..



فالإنسان بطبعة يحس بدفء وراحة في مشاركة الآخرين له وتلمس جراحه


والوقوف معه ..



كما نستشف هنا بأنها تحاول تفريغ القلق من خلال حالة إبداعية تحمل قلقها



باتجاه الغير المرتقب وهو المتلقي ..



محاولة أيجاد متنفس لها والهروب من الواقع والمعاناة أياً كانت نوعها ..



وتفرغها شحننا متتالية لتخفف من وطئت الهاجس النفسي الكئيب ..



نرى أن هذه الشذرات التي صاغتها القديرة رفاة لم تأتي من فراغ بل اكتسبت


من طاقات إيحائية وأدبية و لغة غنية بالدلالات والمجازية



التي تمثلت العودة إلى الانطباعات التي تشعر هي بها وتجسدها



بدقة متناهية وتصبها في عالم الحلم والخيال الساحر ..



حيث ان الشاعرة تكن آلامها مصدرا لنزفها الشعري وموجهة لدفع اكثر قدر


ممكن

من المشاعر والأحاسيس لتوصيل الحالة النفسية والذاتية التي تدور في عالمها

السرمدي الخاص..


فلغة الشاعرة هنا التقطت الواقع وإعادة طرحه بصورة أخرى أكثر دقة وتأثير



وليس للتعبير عنه فقط بلغة شعرية مكثفة متمردة ..



فنلاحظ امتزاج الذات مع فضائها الرحب في تحليق رائع فني ونشوته الإبداعية



فكان الوعي الشعري الراقي عند رفاة استطاعت أن تحوله إلى قيمة



وجودية حيث الإحساس المتنامي بالمواجع والوفاء كقيمة تتأسس على إيقاع



جسدي يومي وثيق الصلة بقوة المخيلة

ولتي بالطبع أفرزت لنا بإرهاصاتها نصاً جميلا ويوحدها في إطار الفكرة


العالية لشكل الأدبي والتي تظهر



فلسفتها المبدعة..



رغم اضفائه جوا ممزوج بين الأسى والحزن والحنين حالما على ضفاف واقعية



القصيدة الا انه في الحقيقة جاء لردة



فعل ما أو كتبت في جو مشحون لحالة مرت بها ..



ومن خلال السياق الدلالي للنص نلاحظ الحوار داخل النص من حيث الزمان شمل


الماضي والحاضر والمستقبل..

من حيث موقفها مع محاور القصيدة ..


أما من حيث الصور الرائعة فأنها تجيد توظيف المعاني والمجازات وكل ذلك في


روعتها وإيقاعاتها ورمزياتها


ومدلولاتها التي حضينا بها

وتؤدي هذه الإيقاعات الذهنية التي صورتها لنا دوراً بارزاً في تجسيد الصور


الشعرية والمشاعر والأحاسيس



المنغمسة في كينونة هذا النص ..


ومن الصور التي رسمتها لنا هنا ..



(وأرجوانٌ شفَّ تحت العَينِ‏)


( عاهدتْ وَجهَ الظلامِ)


( تعسِفُ البَسَمات فيِ وَجهِ السرابِ )


( تضاجِع حُلم الذكرياتِ البغايا )


( لـ / تلِد من رحِمِ الخطيئةِ)

هاجِسٍ وجِسّ )

(تغتسلُ في محرابِ الطُهرِِ منْ رجسِ الجفاءْ)


( والآثام مُزمجِرةٌ في وسط ِالظلامِ)


( وَأَدتُ الإثمَ في عينيهِ )



وجاءت التشبيهات في القصيدة لإثبات التأثير النفسي الذي


ابتغته الشاعرة في مجرى سياقي


واحد ضمن صور متجانسة ومتتابعة داخل السياق الأساسي مما سهل مهمة


رسم الفكرة و الإيصال والتأ ثير في نفس القارئ .


وفي الختام ارجو أن أكون قد وفقت بتوضيح انطباعي الخاص و بطرح ما


يحوز على رضاكم واستحسانكم ..


تقديري للجميع .

 

إبراهيم الشتوي غير متصل   رد مع اقتباس