لا أدينُ لأمّي بَشَيْء سِوى : نقشِ حنّائِها , قهوتها , رائحَةِ الرّياحينِ بمدخلِ بيتِها ! , الماء الذي كانَت تجلِبُهُ مِن آخِرِ القريَةِ في السّحر , دلالَها الرّيفي لأبي , رغيفها السّاخِن بُعَيْدِ الفَجرِ , مُساعَدتها لهُ بقلبٍ راضٍ في أرضِهِ الودودِ المُطيعَة - رُبّما خذَت هذهِ الصّفتَيْن مِنها , مِن أمّي ! - , بلهاثِها عندَ الظّهيرة و يدَيْها الماءْ التي تُنبِتُ من أرضِ التّنورِ قُرصَ شَمسٍ مُلتَهِبْ , و أنفاسُها تُطلِقُ في وجهِ القريَةِ الأغاني , و الأهازيجِ بصوَتِها الرّخيم ,
في الحقيقةِ أدينُ لها : بذاكِرةِ الشّيح , ذاكِرةِ الجبالِ , و التُّربةِ الزكيّة , بذاكِرةِ الرجالِ و صَبرهِم على ابنَتِهِم المُدلّلة .. بذاكِرةِ النّساءِ , و أعيُنِهِنّ بكحلها المنُتثِرِ علَيْها , بذاكِرةِ الوشمِ الذي لا زالَ مرسوماً على جباهِ نسوةِ القرية الذي يُذكّرني بأني ابنُ شَجرَةٍ وَ طين ..
ياه , يا أمّي لا أدينُ لكِ بِشَيْء , في الحقيقةِ أنّي أدينُ لكِ بِكُلّ شَيءْ .
.. !