في هذا البلد لا أعرف حظاً أسوأ من حظ تلك الفئة من البشر الذين يطلقون عليهم اسم البدون، وإن من شدة سوء حظهم إلى الآن لم تجد الحكومة رغم عدتها وعتادها، ورجالها، ومستشاريها، ومكاتبها، وموظفيها، وأجهزتها، مُسمى ثابت وواضح تطلقه عليهم! فتارة تطلق عليهم مُسمى البدون، وتارة غير محددي الجنسية، وتارة المقيمين بصفة غير قانونية، وكأن هذه الفئة من البشر لا تعاني ولا تشتكي إلا من أزمة مصطلحات فقط!
إن الكتابة عن مُر واقع هذه الفئة من البشر، وعيشتهم الصعبة بحد ذاته ألم محزن! فكيف هو حال من يعيش هذا الواقع بحذافيره، ويتجرع لحظاته وجعاً وذلاً وحقوقاً مسلوبة؟ إن من هذه الفئة من البشر من يستحق أن يتم تجنيسه على الفور وبلا منّة وواسطات، وأعني بهم أولئك الرجال الشرفاء الذين خدموا هذا الوطن خدمة حقيقة لأعوام طوال، سواء عن طريق الخدمة العسكرية، أو عن طريق أي موقع آخر، من خلاله قدموا أروع ما لديهم من صدق وإخلاص وتفانٍ عبر أعوام عمرهم في سبيل خدمة هذا الوطن.
البدون، هذه الفئة المتألمة، تمارس عليهم حمية قاسية وتعيسة في هذا الوطن... حمية عن الحرية، حمية عن المواطنة، حمية عن العمل، حمية عن التعليم، حمية عن الملكية الرسمية، حمية عن العِلاج، حمية عن الفرح، حمية عن أي لجنة رسمية تعنى بهم، حتى احتجاجهم، وحزنهم، وتأوههم، لابد أن يمارسوه بشكل ضيق ومقنن! والأمر الغريب الذي يزيد من شقاء هذه الفئة، أن هناك من أبناء هذا الشعب من يبغضها بصفة عامة ولا يتعاطف معها من دون أدنى سبب حقيقي يكون له حجة على ذلك.
إن من بيننا من يريد لتلك الفئة، لو استطاع، ألا تأكل الخبز الذي يأكله الشعب، وألا تشرب من الماء الذي يشرب منه الشعب، وألا تعيش في أي منطقة يسكنها الشعب، وألا تلبس الموديلات التي يلبسها الشعب، وألا ترتاد الأماكن التي يرتادها الشعب، وألا تجلس في حدائقه، وألا تسير في شوارعه، وألا تنظر إلى معالمه. إنهم يريدون أن يطاردها العذاب والشقاء أين ما اتجهت، كما يطارد الصاروخ الروسي «سام» الطائرة الحربية أين ما اتجهت في علوها وهبوطها! والأهم متى ستلتفت الحكومة لهذه الفئة من البشر بنظرة إنسانية جدية؟ وتطوي معهم صفحة الخذلان وتقوم بتجنيس من يستحق منهم، فهم أحق من المطربين والمطربات، والفنانين والفنانات، الذين منحوا الجنسية الكويتية تحت بند خدمات جليلة، ولا أدري أي خدمات جليلة تأتي من وراء الرقص والغناء!