منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ليس الآن.. (رواية)
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-18-2018, 09:51 AM   #12
عمرو مصطفى
( كاتب )

افتراضي



(6)
حينما دلف ب ـ2 إلى السيارة الدبلوماسية سمع ب -3 وهو مستمر في العطس.. حياه وجلس في المقعد الخلفي مسترخياً :
ـ هل من أخبار عن ب -1 .؟
ـ عطسس .. لا أسمع إلا أصوات جلبة وأصوات أبواق سيارات السلطة..
لا أظن الموضوع يستغرق كل هذا الجدل ... لماذا لم يتسلم رجال السلطة ب -1 وينتهي الأمر ...
هنا انفتح باب السيارة ودلف إليها ب -1 ليجلس بجوار ب -3 ...
ـ أنت تسمع جلبة لأنى فقدت جهاز الاتصال هناك ..
ـ ب -1 .. هذا غريب ...
قالها ب -3 وهو يدير المقود وتنطلق السيارة ..
على حين بدأ ب -1 يفسر لهم سر عودته :
ـ شعب غريب .. لقد كادوا يفتكون بي في أول الأمر .. ثم لما جاءت عربات السلطة انصب غضبهم على رجال السلطة و رفضوا تسليمي مما أدى إلى اشتباك عنيف بينهم و بين رجال السلطة ... ووجدت نفسى حراً بعد أن كدت ألفظ أنفاسي الأخيرة ..
قهقه ب -2 وهو يتراجع في مقعده أكثر ثم قال في استمتاع :
ـ شعب غريب بالفعل ... لكنه يستحق ما سيحدث له ..
هنا لاحت لهم تجمعات بشرية غاضبة .. ظهر من بينهم شخص أسمر فارع الطول يرتدي سترة جلدية ويلوح بسيف طويل بيده في الهواء
وتبدو عليه أمارات القيادة .. كان معه عدد لا بأس به من بين الجموع يحملون السلاح الأبيض وينادونه بسمكة..
هناك أدخنة تتصاعد وألسنة نيران مصدرها إحدى سيارات السلطة والتي تحولت لكومة فحم مشتعل .. وللأسف كان حشد كبير من أبناء شعبنا الغاضب يلهج بالهتافات الملتهبة المنادية بسقوط السلطة الغادرة الخائنة !..
صاح سمكة وهو مستمر في ممارسة دوره التحريضي بينهم :
ـ الأمر أوضح من الشمس يا رجال .. السلطة تبغي إبادة الشعب الذى وقف في وجهها .. خدرونا ثم انقلبوا علينا في المساء .. و يضربون الناس بالصواريخ ..
وهتف متحمس أخر :
ـ لا تتركوا رجل واحد من رجال السلطة يمشي على الأرض ..
و لم يكن الشعب بحاجه إلى ذلك الهتاف بالفعل .. ومن جديد انفجرت جموع شعبنا وعدنا من حيث بدأنا .. الويل لكل رجل سلطة يلقيه حظه العاثر في طريقهم ...
لقد مات العديد من رجال السلطة في تلك الليلة المشؤمة وتفرقت دمائهم هدراً بين الجموع الثائرة ..
و بينما الجموع الغاضبة تجتاح المدينة اقترب أحد رجال سمكة من الأخير و مال على أذنه قائلاً :
ـ لم نعثر له على أثر .. ربما غادروا الحي بالفعل ..
ـ عشرون آلف ترللي يا ابن الـ ... ستضيع علينا .. اقلبوا الأرض بحثاً عنه ولا تعبئوا بالسلطة فقد انكسرت شوكتها أخيراً ..
و انطلق بلطجية سمكة ليباشروا البحث المضنى عن رجل الأمن الأول .. بينما أجرى هو اتصال بالسيد نوسام ليخبره بالتطورات ..
كان نوسام سعيداً بالرغم من ذلك .. فقد استطاع استغلال حادثة وسام أسوأ استغلال .. الأن وسام معزول عن رجال السلطة، و سيسقط عما قريب في يد رجال سمكه .. على حين سيجهز الشعب الأخرق على جهازه الأمني .. بعدها ..
يخرج الظلاميون إلى النور ..
و إلى مهمتهم الأساسية ...
ـ اسمع يا سمكة.. سوف أحدد لك عدة مراكز أمنيه حساسة .. عليك أن تدفع الجموع إليها حتى يتم شل حركة السلطة نهائياً ..
ضحك سمكة كأي بلطجي يحترم نفسه و قال :
ـ هذا يوم سعدي بالتأكيد ..سنتخلص من السلطة.. و يصير القانون أن لا قانون .. سنصير ملوك الشوارع ...
و أنهى نوسام المكالمة وهو يلتفت إلى دشرم و يسرم مبتسماً في خبث :
ـ يؤسفني أنك لن تجد الوقت الكافي لذلك يا عزيزي سمكة ... فملوك الشوارع الحقيقيون سيكونون أخر من تتوقع أنت و بنى شعبك ..
هنا دخل أحد الكائنات الظلامية صائحاً في شبق :
ـ هناك ثلاثة من الصفر يطلبون الإذن بالدخول .. و دمائهم شابة.. شابة..
صاح نوسام في تقزز :
ـ إنهم الفريق ب إياكم أن تمسوهم بسوء ...
ظهر الإحباط على وجه الكائن الشبق وهو يشير بكفه كي يدخل رجال الفريق ب.. وهكذا انضم الجميع للحفل..
قال يسرم وهو يتشمم رجال الفريق ب في شبق:
ـ شعبنا الظلامي صبر كثيراً.. و لا أحد يضمن العواقب لو انفلت الزمام ..
زجره نوسام قائلاً :
ـ اصبروا يا حمقى هؤلاء رجالى و ليسوا للأكل ..
امتقعت وجوه رجال الفريق ب وقد فطنوا إلى طبيعة الحوار و تحسست أيديهم أسلحتهم لكن نوسام هدأهم قائلاً :
ـ هدوء يا رفاق.. نحن في معسكر واحد .. أليس كذلك يا يسرم ..
هز الأخير رأسه كي ينفض عنها مشهد الدماء التي يراها تجري عبر عروق رجال الفريق ب و تدفعه دفعاً إلى الجنون ...
ثم قال في خضوع :
ـ إنه كذلك يا زعيم ..
و قال دشرم مؤيداً :
ـ إننا نفضل دماء شعبنا .. ساكني السطح .. أنتم أصدقائنا ..
هنا عقد نوسام كفيه خلف ظهره مثل أي قائد عسكري يقود معركة ..
وقال في حزم :
ـ ساعات قليلة و يبدأ الحفل الحقيقي ..
بالفعل لم تمض ثلاث ساعات حتى عمت الفوضى المدينة وخرج مذيع القناة الأولى لشعبنا على الشاشات ليعلن أخر الأنباء لكن أحدهم أزاحه ونزع منه ناقل الصوت واستدار في مواجهة الشاشة .. كان نحيلاً مفلفل الشعر من ذلك النوع الذي يلبس الحلق ويمضغ نصف كيلو من اللبان .. ابتسم للكاميرا في بلاهة قائلاً :
ـ الشعب سيطر على المدينة .. لم يعد هناك سلطة سوى سلطة الشعب ..ولم تعد هناك نشرة أخبار لأننا لم نعد بحاجة لمزيد من الأكاذيب ...
هنا دق جرس هاتف نوسام فوضعه على أذنه مستغرقاً في السماع ثم أصدر همهمات مندهشة قبل أن يغلق هاتفه و يعيده إلى جيب سترته قائلاً للظلاميين :
ـ لقد توارت السلطة بالفعل.. اختفى المسئول الأكبر و معه كل رجاله، و المدينة تفتح ذراعيها أمامكم ..
هنا أصدر الظلاميان دشرم و يسرم فحيحاً له مغزى ..
لكن نوسام بحكم خبرته شم رائحة فخ ما ..
لابد أن نتريث ..
لكن الظلاميين فقدوا السيطرة على أنفسهم.. الشبق إلى الدماء كان هو محركهم ... وأصدر دشرم أوامره بالخروج إلى السطح ...
ـ انتظروا يا حمقى ...
لكن ذهبت مناشدات نوسام سدى ..وكان أول من أطل برأسه خارجاً من إحدى فجوات قاع المدينة .. يسرم .. الممثل الذى أجاد دوره يوماً ما في استدرار العبرات من شعبنا الطيب المسكين ...
وكانت مسيرة شعبية تجوب قاع المدينة و تهتف بحقوق الظلاميين في الخروج للسطح .. و حينما لمح منظر المسيرة خروج أول الظلاميين
صاح :
ـ ها هم إخواننا ...
لقد مرح الظلاميون كثيراً مع تلك المسيرة .. كانوا مثل الجراد المنتشر و المسيرة كانت لا تحمل إلا العصي تحسباً لمواجهة مع السلطة .. وماذا كانت لتفعل تلك العصي مع الأسنان الحادة تنغرس في الأعناق ....
سرعة الهجوم و الامتصاص كانت رهيبة .. وفي قاع المدينة فرشت الأرض بالجثث الخالية من الدماء .. واستلقى المئات من إخوة الظلام منتفخي البطون بعد أن ملئت دماً ..
وفي وسطهم وقف يسرم وهو يلعق شفتيه باستمتاع ثم رفع رأسه للسماء صائحاً في نشوة :
ـ ما أشهى الدماء التي تجري في عروق الحمقى ..
عشرات و مئات الفجوات في الأرض وفي الكهوف كانت تفيض بالمئات و الألوف من الطائفة الظلامية التي تئن بطونهم جوعاً ..
ما كانت تجرؤ على الخروج بتلك الكميات أيام السلطة .. أما الأن فلم يعد هناك شيء يوقفها..
ـ ألم تفكروا في أن ما يجرى مجرد خدعة لاستدراجكم ..
كذا صاح نوسام في جنون.. لكن دشرم قابل جنونه بكل بساطة :
ـ ولو .. سيموت البعض والباقون سيعودون مرة أخرى إلى باطن الأرض هذه هي حياتنا ..
ـ لستم أصحاب القرار هنا..
ابتسم دشرم كاشفاً عن طاقم أسنانه و قال في خبث :
ـ من يستطيع أن يسيطر على جحافل الظلاميين إذا ما هاجت شهوتها للدماء.. هذا عيب صنعة لو أردتم رأيي ..
غطى نوسام عينية بكفه وقد صعد الدم إلى رأسه .. هل يبلغ القيادة العليا للشعب الأصفر؟.. أم ينتظر ما تسفر عنه الأحداث؟..
ربما يسيطر الظلاميون على السطح بالفعل، من يستطيع أن يجزم أن في الأمر خدعة من وسام.. صحيح أنه أختفى في ظروف غامضة كما أختفى المسئول الأكبر .. لكن ربما كان الاختفاء هروب من السفينة قبل أن تغرق و...
لكنه يعلم قيادة شعبنا جيداً.. خصوصاً السيد وسام.. ليسوا من ذلك النوع أبداً. رباه .. لقد وقع في حيص بيص ... هنا دوى هاتفه النقال فرفعه إلى أذنه ولم يكد يسمع الصوت على الطرف الأخر حتى امتقع وجهه وقال بصوت مبحوح :
ـ سيدي المسئول الأعظم.. هل وصلتكم الأخبار؟ وسائل الإعلام تنقل ما يدور على السطح.. رائع.. إنه.. إنه بفضل توجيهاتكم العليا...
و أنهى الاتصال و العرق يتفصد من جبينه ... لقد انغرست قدماه في مستنقع الأحداث الغامض .. سلطة شعبه لا تفهم لغة الاحتمالات..
لقد طلب منه تحديد وقت مناسب للتدخل الفوري لقوات الشعب الأصفر في شأن شعبنا .. طبعاً نتيجة غريبة على أذن العامي لكنها حتمية بالنسبة لصانعي القرار ..هم لا ينتظرون الذريعة التي بها يعتدون على مقدرات الشعوب الأبية ..بل يصنعونها ..والذريعة هي سيطرة الظلاميون على مقدرات الشعب الأسمر، فما كان للشعب الأصفر مرهف الحس أن يترك شعبنا المسكين تسيطر عليه حفنة من الظلاميين المتوحشين!!
***


 

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس