جلستُ على مكتبي أدون الحقائق كالعادة ، و أشرب القهوة محلاَّة : كعادتي لا أحتمل المرارة ..
طرقت بابي طرقة ، ثم طرقة ، ثم صمت ..
و اُقتُحِمَت الغرفة !.
خائط هزيل ، منحني المنكبين ، غطت الشعيرات البيضاء القليلة على عيناه فلم أعلم نواياه ..
جلب لي رزمة صغيرة من المجهول مغلفة بقطعة قماش كئيبة ، وَسِخَة ..،
نظر إليَّ مطوَّلاً ، ما أزال محتفظة بنفسي عن عَجَزِه ..
انحنى أكثر ، تقدم أكثر حتى أصبحتُ على استعداد لشمِّ بذور الشرَّ .. فتراجعت قليلا ..
قال : " أريد منكِ أن تسُمِّي فلانا " ، و دفع إليَّ بالرزمة ،
أكمَلَ متفضِّلا : " لا حاجة لأي سؤال ، فقط أخيطي هذه الرزمة في وسادته و اخرجي من حياته فورا " .
ما زلت صامتة !.
و حينها بدت أفعى خضراء صغيرة من رأسه و بَدَأَت بالفحيح ..
نظرت إلى الرزمة مليَّا و ثم أعدت بصري إلى رأسه .. إلى الأفعى تحديدا ..
قمت ، و مشيت إلى النافذة و أشعلتُ سيجارة ..
لم أنطق بكلمة ، و لحق بي العجوز و سحب السيجارة مني و خرج !.
أمسكتُ بالرزمة التي تركها على مكتبي و فضضتها على الأرض ..
و سكبت عليها ماء طهورا و خلدت لكتابتي من جديد ..!
* * * *
بعد أيام ، و في ذات ابتسامة من طفلتي العزيزة التي كانت تلهو بكل ما أكتب ،
دخل ضباب أسود بغناء خافت من النافذة . بدأت الكلمات تثير انتباه طفلتي فأغلفت النافذة و عادت للعب ..
أخذت خنجري و خرجت ، لم يكن من شيء سوى الظلام ،
لكني كنت أعلم ، ما يحتوي الظلام ..
و أطلقت صيحة طائشة و غفوت .. !
* * * *
بدأت طفلتي تكبر ، و أنا أغير مقامي من حين إلى حين ،
و ذلك الضباب الغنائي ما يزال يلاحقها ..
يوما ، وجدته متعلقا بشعرها الجميل يحاول عقد أنشوقة و هي تغني ..
فقصصت شعرها و نهيتها عن الغناء ..
سألتني بحزن : لمَ ، إنه جميل !!
فأجبتها و كلي حب و أمل : أنتِ الجميلة يا حبيبتي ، أنتِ ..
ضحكَت ببراءة و تَعَلَّقَتْ بي و غفونا سويا .. !
* * * *
في أسفاري ، كنت أعلم ، أني سألتقي صيادا شرسا ..
و أن قطيع الذئاب يبحث عن أثري ..
و أن الناي يسافر في الهواء ليكون السبَّاق إليَّ ..
و أن الخائط و الظلام ، ينتظران اللحظة المناسبة لإطلاق الضباب ..
و لكن طفلتي كانت قوتي ، و ضعفي أيضا ..
حملتها بقوة و صَمَّمْتُ على أن أكون ملاذها حتى تكون الفارسة شديدة البأس و تغرف من بحار الحكمة ما يغرق الأعداء ..!
و عندها ، لا بأس من المغيب ..!