منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ثنائية النثر (5) إباء الشرق \ محمد سلمان البلوي
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-27-2016, 11:25 AM   #8
محمد سلمان البلوي
( كاتب )

افتراضي



من أ. إلى م. وبالعكس
(هل ثمَّة مَنْ يكتبُ مثلنا؟)

الجوابُ الثَّاني


قالتِ الغريبةُ للغريبِ تُلَقِّنُهُ الشَّهَادَةَ، تَصُبُّهَا على رأسه صَبًّا، كما لو كانتْ عاصفةً ساخطةً أو سحابةً ساخنةً: تَذَكَّرِ الْغُرَابَ، ثمَّ إذا ما نظرتَ مِنْ حولكَ فَلَمْ تجدْ لكَ وجودًا إلَّا فيكَ... فأنتَ غريبٌ. ثمَّ تَذَكَّرِ الْغُرَابَ، وإذا ما قَلَّبْتَ قلبَكَ وقرأتَ خُطُوطَ حظِّكَ ونَحْسِكِ فَلَمْ تعثرْ فيهما إلَّا على ماضيكَ... فأنتَ غريبٌ. ثمَّ تَذَكَّرِ الْغُرَابَ، وإذا ما ظلَّ عمركَ مُؤجَّلًا إلى حين عودةٍ لن تكونَ، وظلَّتْ حياتُكَ مُتوقِّفةً على طفرةٍ ما أو مصادفةٍ حدوثها أقرب للمستحيلِ... فأنتَ غريبٌ. غريبٌ أنتَ إذا ما كانَ عطرُكَ لا ينبعثُ إلَّا منكَ... مِنْ أصابعكَ الحبر ومِنْ أضلاعكَ البحر، وإذا ما كانَ نورُكَ يغمرُ الفراشاتِ كلَّها بالبردِ والسَّلامِ لكنَّه يحرقُكَ، وإذا ما كانَ مطرُكَ يروي كلَّ ما حولكَ ومَنْ حولكَ ثمَّ لا يُبلِّلُ معنىً واحدًا مِنْ أفكارِ ظمئكَ. غريبٌ أنتَ إذا ما كنتَ الآسرَ والمأسورَ معًا، والحاضرَ والغائبَ في آنٍ، والغالبَ والمغلوبَ والغانمَ والغارمَ والعائمَ والغارقَ والغائمَ والغامضَ والغائرَ والنَّاتِئ... وكانَ مصيرُكَ مجنونًا، وكنتَ الجنونَ بعينِهِ بلحمِهِ المُرِّ وبدمِهِ المالحِ، وكنتَ التَّضادَ الواضحَ في كلِّ شيءٍ والتَّناقضَ الصَّريحَ والتَّعارضَ السَّافرَ والتَّنافرَ، وكانتْ ذاكرتُكَ أثقل من رأسكَ، ورأسكَ أكبر منكَ، تكادُ تبتلعكِ وسائرَ جسدكِ ثمَّ تلفظكَ، وكنتَ لا تسيرُ إلَّا هائمًا، ولا تنامُ إلَّا هامدًا، ولا تمضي إلَّا متلفِّتًا إلى الوراءِ ومتوجِّسًا من شيءٍ ما، وكانتْ علاقتكَ بالأمكنةِ علاقةَ المُتسلِّلِ إلى مائدةِ بخيلٍ، وبالأزمنةِ علاقةَ المُتلصِّصِ على غانيةٍ في خدرِ غيورٍ. تَذَكَّرِ الْغُرَابَ، ثمَّ لا تكنْ مثلَ قابيلَ ولا مثلَ هابيلَ، أَسْقِطْ حروفَ الْقَتْلِ كلَّها لكنْ لا تكنِ الْقَتِيلَ. غريبٌ أنتَ غريبٌ! "غريبٌ"، يا لها مِنْ كلمةٍ غريبةٍ وعجيبةٍ! ويا لله كم تشبهكِ!

يا الغريبة:

لا بدَّ للأمواتِ من عودةٍ، وسيعثرونَ علينا لا محالة، فماذا سنقولُ لهم إذا ما سألونا: (لماذا؟)!
يقولُ أحدُهم: كلُّ علاماتِ التَّعجبِ كاذبةٌ!
ويقولُ آخرُ: ومراوغةٌ هي الأسئلةُ!
فأقولُ: لكنَّني الآنَ معكم!
فيقولونَ -جميعًا-: إنَّكَ الآنَ تموتُ!
فأقولُ:
وهل أعودُ؟
هل أعودُ؟

يا الغريبة:

لمَّا أعجبني قولك: "حرفان خرجنا للحياة صوتًا ثمَّ نسينا الكلام". رُحتُ أقولُ:

البابُ والشَّجرةُ
والقلمُ والورقةُ
والفأسُ والرَّأسُ
كلُّهَا
كلُّها
من لحم ودمٍ
لكنَّها
من هولِ الفاجعةِ
تَخَشَّبَتْ

وما زلتُ أقولُ: إنْ لَمْ يمنحنا الخوفُ الشَّجاعةَ فهو آثمٌ، والحذرُ واجبٌ، لكنَّه حُسْنُ الظَّنِّ أوجبُ، والتردُّدُ لا يمنعُ قدرًا، لا، ولا يدفعُ ضررًا، كما أنَّه لا يرفعُ، وليسَ يشفعُ، فارْجِعِي طفلةً، فالمربُّعُ الأوَّلُ والدَّائرةُ والأشكالُ الهندسيَّةُ المُغلقةُ والتَّكويناتُ الرَّتيبةُ والرَّديئةُ والكئيبةُ والخائبةُ... كلُّها تُحيلُهَا يدُ الطِّفلِ الضَّئيلةِ إلى جنونٍ بالغٍ وفوضى عارمةٍ وخلقٍ جديدٍ ملوَّنٍ وحرٍّ تمامًا وجميلٍ... ويقولُ شيئًا.

وإنِّي أنتظرُ...

أخوك/ م.

 

محمد سلمان البلوي غير متصل   رد مع اقتباس