:::في مـــديح الشـــوكولا:::
صفحة شوكولا/ مجلة روتانا-العدد251
حنين عمر
تدهشني الشوكولا... !!!
تدهشني هذه المادة الغامضة الناعمة اللذيذة التي تجعلنا نحلم ونضحك ونعود لطفولتنا ونقائنا وبراءتنا، تدهشني أنوثتها ورقتها وحنانها و ذوبانها في ابتسامة شفاهنا كما تذوب مشاعرنا في شفاه الحب.
أتذكر أن شغفي بالشوكولا بدأ وأنا في الخامسة من عمري حينما فتحت علبة شوكولا سويسرية أهدتني إياها أمي وفاجأني طعمها الموسيقي كما تفاجئ أغنية حواسنا الصامتة، مما جعلني احتفظ حتى هذه اللحظة بورقة سيلوفان ذهبية من ضمن الأوراق التي كانت تلف قطعها المستطيلة بين صفحات كتاب صغير يسكن مكتبتي الواسعة.
وقد تطور شغفي الفردي بها إلى حالة معدية حينما دخلت الجامعة، إذ كنت أملأ جيبي بقطع الشوكولا وأوزعها على الأصدقاء والزملاء والأطفال الذين أصادفهم في الشارع. وقد لا أجد تفسيرا منطقيا حتى اليوم لتصرفي هذا كما لا أجد تفسيرات منطقية للكثير من أفعالي، ولا يزعجني ذلك، لأنني أؤمن أن الحياة سلسلة لا منتهية من الصدف التي لا تعلل، ومن المشاعر التي لا تحلل، ومن الأفعال التي لا علاقة لها بالمنطق لكنها ببساطة "أفعالنا".
ولن أنسى أبدا ذلك الطفل الذي لا يتجاوز أربعة أعوام والذي كان يجلس مع أمه قربي في الباص وأنا عائدة إلى البيت ذات مساء شتوي. لم يكن قد بقي في جيبي سوى قطعتين من الشوكولا، أهديته إحداهما وقررت التهام الأخرى لكنني لا منطقيا أعدت إخفاءها في حقيبتي رغم رغبتي العميقة بأكلها. وحينما رفعت رأسي وجدت الطفل فارغ اليدين بعد أن أهدى قطعته لطفلة أخرى كانت تجلس قبالتنا.
سألته : لماذا أعطيتها قطعتك، ألا تحب الشوكولا ؟، فقال لي ببراءة: (إنها مريضة...ستأكلها فتشفى.)ابتسمت وأهديته القطعة الثانية ...فقبّلني ولوح لي بمحبة قبل أن يغادر.
ولأن هناك مثلا فرنسيا يقول" خذوا الحقيقة من أفواه الأطفال"، فقد اكتشف العلماء مؤخرا أن صديقي الصغير كان يعرف سر الشوكولا الحقيقي، حيث أفادت دراسات قامت بها جامعة هارفرد أنها تحوي مادة تطيل العمر وتحمي القلب من ارتفاع الضغط تدعى الفلافونويد تحفز هرمونا يطلق عليه " نايتريك أوكسايد سينثيز"، يتحكم في تدفق الدم عبر الشرايين، كما وضحت دراسة أخرى قام بها د.فنسون أن الشوكولا تساعد على منع أكسدة الكولسترول المضر بالأوعية وعلى الحماية من القرحة المعدية وعلى تحسن وظائف الكلى و التخفيف من التوتر وآثار التلوث البيئي والتدخين والأشعة فوق البنفسجية. وفوق كل هذا فهي تساعد على إفراز هرمون دماغي يسبب الإحساس بالسعادة، ويسبب حالة شبيهة بحالة الوقوع في الحب، ويرفع الثقة بالذات، كما أنها تؤثر بنسبة أكبر في المرأة مما يفسر عرفا قديما عند شعوب الأزتك كان يحرّم شراب الكاكاو على النساء ولا يسمح به إلا للرجال، ولأن الدنيا "غرام وانتقام" فإن استبيانا كنديا معاصرا أثبت أن النساء اليوم يفضلن تناول الشوكولا على معاشرة الرجال!!!
أتساءل... أليست فلسفة الحب شبيهة جدا بفلسفة الشوكولا؟
يجب أن نحفظه بعيدا عن حرائق الغيرة، وبعيدا عن ثلج الصمت، حتى نستطيع الاستمتاع بطعمه تماما كالشوكولا: إن الكرماء يتقاسمونها مع من يحبون، والأنانيون يتناولونها بمفردهم، والمحظوظون يحصلون على الكثير منها، أما التعساء فيصابون بداء السكري ويحرمون من تناولها.
حنين