الفصل الأول-الباب الأول:
من بقايا حياة،أحاولُ جاهداً سدّ ثغرات رئةٍ مثقوبة،أنتشل أنيني من قعر الوجع،متشبّثاً بالفصل الأخير من الأمل،الأضواء التي تجتازني بسرعةٍ من فوقي تقف بذهولٍ خلفي،يُسعف حياتي عددٌ من الممرضين،ووالداي..على مقربةٍ منّي القلق يتوسّد تقاسيمهما،وهشاشةُ وعيي لم تُعفني من ضجّة الأصوات،حتّى عن صوت أخي الذي مازال يلطم خدّي ويصرخ:لا تُغمضْ عينيك ،جاهد بأن تبقى مستيقظا،لكنّ الألم يجتاحني وأئنّ من جديد..
و..
انقطعتُ عن التواصل،في معزلٍ أتأرجح بين الموت والحياة بسلامٍ وهدوء،كطفلةٍ تهوى التّأرجح تخشى دفعها عاليا فتُآل إلى السقوط،وتملّ البقاء ساكنة.
الأطباؤ متجمهرون حولي ،يندي العرق من جبينهم،يحاولون جاهدين إخراج الرصاصة الطائشة التي قصدت قلبي ،ولكنّ رئتيّ كانت بالمرصاد،لكأنّهم يلحّون على عودتي إلى الحياة،ألا يكفي شاهدا على ذلك أنّهم يصعقوني؟!!لم أشعر بألم الصعقة فقلبي مات من الألم كثيرا،وعن سبب علوّ جسدي وهبوطه ألم تسمعوا يوماً (بأنّ لكلّ فعلٍ ردّة فعلٍ مساويةً له في المقدار ،ومعاكسةً له في الاتجاه)؟!!
وهل ما زلتُ على قيد الحياة،أم أنّها الفرصة المنتهزة لفضّ الأوزار وقضاء الديون؟!!
كلّ ما يحدثُ لي الآن يبرهن على موتي،إغفاءة عيني الخافتة،وانغماسي في هذا الهدوء،ماعدا قلبي الذي يسلّيني بدندنته،ولكن..من يُخبر السبات بأنّ لديّ أباً عطوفاً ينتظرني خارج هذه الغرفة البئيسة،يذرع جيئةً وذهاباً يحوقل،وأنّ لديّ أمّاً رحوماً اختلطت ابتهالاتها بدموعها،بأن أخرج من هذه العمليّة سليماً معافى،بدون أن أفقد شيئاً منّي أو أن ينسى الأطبّاء شيئاً من معدّاتهم داخلي،وأنّ لديّ أخاً من هول فاجعته بي احترقت أحداقه وجعا،من يُخبره أنّ لديّ أختٌ تنتظرني بفارغ الصبر،وقلبا..يسكنُ منزلاً آخر،لا أحد ..لا بأس إذاً ،على كلّ حال إنّ عينيّ عندما أُطبقتا لم ترجو الفكاك.
وتحافظ عقارب الساعة على دقّة أدوارها ،وعلى سبيل الزمن ،هاهو اليوم الثالث يمضي ولم (أنبس ببنتٍ شفة)،الطبيب مذعوراً من حالي فعلى حدّ قوله بأنّي قد أستيقظ بعد ثمان وأربعين ساعة من إجراء العمليّة،مازال يُقلّب في الأوراق يبحث عن سببٍ ولو واهٍ ليدلّل به على غيبوبتي،يتساءل طبيبي،وأتساءل أنا عن ماهيّة الظلام الذي يساورني،يتساءل أهلي أيضاً قلقين ممّا قد يحدث لي ما هي إلّا دقّة ساعةٍ تُخبر الجميع بأنّ الأسبوع الأوّل انقضى ،ولا دليل شافع لإفاقتي،اعتاد الممرّض من التأكد من صول الهواء لرئتيّ بشكلٍ صحيح،ويهبني مزيدا من المغذي،اعتاد أيضا على تفقّد نبضات قلبي،يتأكد من اتصال الأجهزة بي اتصالاً وثيقاً،ويكأنّه كشف عن نيّتي في الهروب..