لم يكن الأمر هيّنا البتّة "أسْررْتُ في نفسي".
كُنْتُ ساعتها أَرْتدي وحدتي وأتسلّى بالسّكينة دون أن تفطن لذلك فساتيني ومساحيق الزّينة المخبّأة في الخزانة منذ عقدين وجرح، وكنت أحاول اجتياز الليل مُسرعة حتى لا تنساني عصافير الفجر على نافذة الصّباح مُتدَلّية من العتمة، ولأني وريثة الحزن ولا أقتلع الورد لمجرّد إحســـــــــاسي بالضّجر فقد بدا الأمر لوهلة كأني أمنية لا تبرح المُخيلة، أو غواية تهابها الشّيــــاطين. هذه المدينة نظرتها ثاقبة، فهي تعلم جيدا أن الفقد أيضا جُبٌّ عميق. وأنّه على الشّمس أن تبيت محترقة ليُطِلّ القمر بكامل أناقته. القمر الذي يعرف جيدا كيف يُغْمِد الغِياب والعِتاب في وجه حُرقتها دون رحمة. الآن يبدو الامر أكبر من مُجرّد أنَّكِ عُدْتِ إليَّ مهزومة كما حذّرتك منذ البدء، أو أنّك أَحْدَثْتِ نُدْبة أُخرى فــــي هذا القلب، الأمَرُّ من هذا كلّه أنه كلّما راودتني رغبة في انتهاك العزلة كــــــــانت تُؤجّلني المحاولة. وها أنا الان أحتسي الخذلان في فنجان القهوة وحيدة. ولأني لا املك سوى اصـــــــــابعي صنانير لصيد الغيب، سأفتح بنفسي جرحا في نفسي لأخبئ فيه ما تبقى من وساوس. فالصّباح يَشُنّ عداوته على بعض أمنياتي. وحصيرة الليل قصيرة جدّا لأمدّ عليها خارطة ما تبقّى من انتظار. فقط لأن نبضا دافئا أزهر في المكان، قرّرت أن لا أتشظى إلا في حضور ذاك المعنيّ بموتي. وحتى لا أسير إلى الموت بمُفردي كما تعوّدت دوما، يكفي أن اُرصّف الرّصاص بعناية العاشقين وشغف الحمقى أمثالي علّ وجيب خفقي لا تفلته المســافـــات هذه المرّة.