" كان نهار غضب قد انصب من الله تعالى على عسكر مصر، وغلت أيديهم عن القتال.."
***
" فداسوا العثمانية المصاحف التي كانت حول السلطان {الغوري}، بأرجل الخيول، وفقد المصحف العثماني وأعلام الفقراء، وصناجق الأمراء..
ووقع النهب في عسكر مصر.."
***
" وممن كان موالساً على السلطان { الغوري} في الباطن وهو خاير بك نائب حلب، فإنه أول من كسر عسكر السلطان هو، وهرب عن ميسرة السلطان حتى انكسر... وسماه ابن عثمان خاين بك، كون أنه خان سلطانه..."
***
" وكان الأمير الدودار { الأشرف طومان باي } في مدة غيبة السلطان، يركب كل يوم ويسير نحو المطرية، فإذا رجع يدخل من باب النصر ويشق من القاهرة وقدامه الأمراء المقدمين الذين تخلفوا بمصر، والجم الغفير من العسكر، فيشق القاهرة وقدامه السعاة والعبيد النفطية، ومماليكه بسيوف وبأيديهم رماح، بشطفات حرير ملون، فترج له القاهرة وترتفع له الأصوات بالدعاء. "
***
وفي يوم الأحد ثامن عشرة ورد على السلطان {طومان باي} أخبار ردية، بأن ابن عثمان خرج من الشام بنفسه هو وعساكره، وهو قاصد إلى مصر..
***
فلما تكاثرت عليه العثمانية، ورأى العسكر قد قل من حوله، خاف على نفسه أن يقبضوا عليه، فطوى الصنجق السلطاني وولى واختفى.. قيل أنه توجه إلى نحو طرا..
***
وصاروا {العثمانيين} ينهبون بيوت الناس، حتى بيوت الأرباع في حجة أنهم يفتشون على المماليك الجراكسة، فاستمر النهب والهجم عمالاً في البيوت ثلاثة أيام متوالية...
***
فكان ينادي { السلطان سليم } كل يوم بالأمان في القاهرة والاطمان، والنهب والقتل عمال من جماعته ولا يسمعون له، وحصل منه للناس الضرر الشامل..
***
ولم تقاس أهل مصر شدة مثل هذه قط..
***
لم يشعر ابن عثمان إلا وقد هجم عليه الأشرف طومان باي بالوطاق وأحتاط به، فاضطربت أحوال ابن عثمان إلى الغاية، وظن أنه مأخوذ لا محالة..
***
ومن العجائب أن السلطان طومان باي لما ظهر خطب باسمه على منابر القاهرة في يوم الجمعة، وكان في الجمعة الماضية خطب باسم سليم شاه ابن عثمان..
***
فاستمر السلطان طومان باي يتقع مع عسكر ابن عثمان، ويقتل منهم في كل يوم ما لا يحصى عددهم... فرأى عين الغلب وقد تكاسل العسكر عن القتال واختفوا في بيوتهم، وتفرقت الأمراء كل واحد في ناحية... وكان قليل الحظ غير مسعود الحركات في أفعاله..
***
وتمت الحيلة على السلطان طومان باي، وخانه حسن بن مرعي بعد أن حلف له على المصحف الشريف وأركن له..
***
فلما أتى إلى باب زويلة أنزلوه من على الفرس، وأرخوا له الحبال ووقفت حوله العثمانية بالسيوف، فلما تحقق أنه يشنق وقف على أقدامه على باب زويلة، وقال للناس الذين حوله : أقروا لي سورة الفاتحة ثلاث مرات. فبسط يده وقرأ سورة الفاتحة ثلاث مرات، وقرأت الناس معه، ثم قال للمشاعلي : أعمل شغلك... فلما شنق وطلعت روحه صرخت عليه الناس صرخة عظيمة، وكثر عليه الحزن والأسف.
***
وكان ملكاً حليماً قليل الأذى كثير الخير..
***
نوحوا على مصر لأمر قد جرى من حادث عمت مصيبته الورى
زالت عساكرها من الأتراك في غمض العيون كأنها سنة الكرى
وأتى إليها عسكر سيماهم حلق الذقون ولبس طرطور يرى
......................
أين الملوك بمصر من طلعاتها مثل البدور تضيء، وكانت أنورا
يا لهف قلبي للمواكب كيف لم نلقى بقلعتها الحصينة عسكرا
.........................
لهفي على فك الرخام ونقله من كل بيت كان زاه أزهرا
زالت محاسن مصر من أشياء قد كانت بها تزهوا على كل القرى
............................
لهفي على عيش بمصر قد خلت أيامه كالحلم ولى مدبرا
***
نهاية الاقتباس..
من بدائع الزهور في وقائع الدهور لابن إياس الحنفي رحمه الله
حفظ الله مصر، وسائر بلاد المسلمين..