كان شخصاً صالحاً يحيط به الطهر من كل جانب ، حتى استحال كالأنفاس للنقاء والصفاء ..
كان لقدومه وقع خاص على كل أرض يمر بها ، لما لديه من هدايا وجوائز ، بل إن قدومه يختصر المسافات كأرض زويت لمسافر ..
اعتاد حال سماع الناس بمقدمه أن يُستقبل، ويُحتفى به علَّ بركته تجد طريقها إليهم ولذرياتهم من ورائهم ، وهكذا استمر الأمر على هذا المنوال جيلا بعد جيل وسنة بعد سنة ..
وفي إحدى السنوات أتى بوقاره المعتاد ، وبعطره الفواح ، وروحانيته المتجددة ليجد الطرقات ملأى بأشخاص ليسوا كالمعتاد ، رجال يحملون معهم أجهزة متنوعة ، وأضواءً ساطعة وخافتة ، ونساءً قُرب المرايا يضعن المساحيق والأصباغ ، وآخرون قد صوبوا كاميرات كالبنادق نحوه ، اجتاز هذا الحشد بصعوبة بالغة ليجد أفواجاً آخرين يهرعون إليه لكن بعكس من سبق فهؤلاء تبدو عليهم آثار النعمة والحياة الرغيدة .. نطق أول السابقين إليه : أنت عندنا ، لتتبعه أصوات مغالطة : بل هو لنا ، بل هو لنا ، وكثر اللغط حتى ضجر الشيخ وصاح : أنا لنفسي ، لذا علام كل هذا ؟! عندها اقترب أحد المتنعمين ليقول : سنعقد معك عقداً بأن تكون حصرياً لقناتنا وتكون الحقوق محفوظة لنا لذا ما هو سعرك ؟
لكن يا بني أنا لجميع الناس ..
هذا في الأمس الغابر أما الآن فالخصخصة قد طالت كل شيء لذا وقع فلن تجد أفضل منا رعاية وعرضا وتسويقاً!
...
رمضان قد طالتنا أيديهم وألسنتهم حتى أصبحنا وأمسينا في نزاعٍ معهم نريد أن نَسلم لك أن نغسل الصدأ الذي طال قلوبنا وأرواحنا مدة غيابك عنا بك ، أن تتحرر أرواحنا من حيز المادة ، أن نَسلم من وسواس الشيطان ومن شرر الشهوات والشبه ، أن يعتدل سيرنا إلى الله سبحانه ولو لشهر ، لعلَّ له تأثيراً ينسحب على ما يليه ، ولكن هيهات أن يمر رمضان دونما حراك من قبل الجميع بلا استثناء ..
رمضان وقد فرح بمقدمك ..
كل من يريد اللياقة والتخفف ..
كل من يريد التخمة والري ..
كل من قد بَلي إيمانه ..
كل من أراد أن يتغير ..
رمضان وبحضورك تفر الغيبة والنميمة والكذب من ألسنة من ابتلي بها إن صدق !
رمضان وتمتلئ الطرقات بروحانيتك ، كذلك الهواء يبدو مثقلاً بها ، كأنما هي سحابة بللتنا ، وغسلتنا لتمضي بعملها بينما نعود أدراجنا بكمية لا بأس بها من الطهر و الراحة ..