ننظر إلى البيتين وبإمعان/ نجد أن الشاعر تحدث عن السهر/ في البيت الأول وأبهم الفكرة!! ..
استغراب / كأنه يريدُ أن ينفي عن عينيه السهر / الشطر الأول وجواب مبهم في الشطر الثاني.وكأنه/ يستنكر وينفي لـ( علي) ـ المسندةُ إليه القصيدة ـ أن يأتي بأيْ شيئ عن السهر وبكل هــدوء / يقول :لا يا ( علي ) أنت لا تعرف عن السهر شيئاً !!
إن كنت تريد أن تعرف حقيقةَ السهر !! وصورته الحقيقة التي تُعبِّر عنه وعن غرباله !! فانظر إليْ / إلى عيني / إلى جفني !! حِينها ، ستعلم ماهو السّهر !! ومن هو السهر !!
وهنا يصور الشاعر الدهشةَ على وجه ( علي ) صاحبه// فكأنه أخذ يتساءل ولماذا أعرف السهر وأكرهه؟ وأينَ هو ؟ وكيفَ هــو ؟!
صورةٌ تحتَ أحرفِ الشاعر / وتراكمٌ للصور / إلا أنَّه غير ممل / بل هو الروعةُ التي ينشدها المتذوقُ للأدب والشعر / لأنه يهدي للذائقةِ ما عَجِزت عنه أفواه من يحسبون أن الغرابةَ والغلو المحرم / المخرجُ من ذمـةِ الأدب / أنها هي الحقيقةُ الرَّمزيَّة التي ( أقسمُ برب الأرض ) أنها أرفع منه !!
وهاهو / يرد في البيت الثاني // ويسترسل // بحزن / وألم / ولوعةٍ تذوبُ منها كلَّ ألوان اللوحةِ دموعُ / تسيل في روحِ الشاعر وكأنه يحكي لنا بيت الشاعر /
وليسَ الذي يجري من العينِ ماؤها
............................ ولكنَّها روحٌ تسيل فتقطُــر
يفشي بسرِّه / ويخبرُ صاحبه / بالنَظريَّةِ الصحيحةِ للسَّهر ويبرر له ويشرح / المجمل والصورة الغامضة !!
إنني يا ( علي ) من جراء السهر أصبحت حالتي.. كما ترى.. كل جفن من جفوني أصبح مثل بيت الأعرابي // الكريم // حتى أن العبد الأسود اللون متى ما حاول التعلق به يعتق بجواره..
وهنا صورةٌ عجيبةٌ تحدثُ ضجةً في عقل المتدبر للنص..
لوحةٌ متكاملةٌ / تعجزُ / ريشةُ أبلغُ فنَّان تشكيلي / أن تفي بمكنونها !!
العين متى أكثر صاحبها من السهر فإن أطرافها تكتسي بالسواد / وهذا أمر معروف ومعلوم لذا يقول الشاعر( أن كل جفن من جفوني ) بسبب السهر قد أصبحت سوداء ليست أطرافها فحسب بل اكتست بالسواد كلها // وهذا يدل على كثرةِ السهر/ وطولهِ إضافةً أنه ليس سهراً لمجرد السهر وقلةِ النوم !! فقط / هو سهر الهموم والمآسي واللوعة !! .. حتى أمست هذه الجفون كبيت ذاك الأعرابي .. ومعلوم أن بيت الأعرابي لونه أسود وإضافةً إلى أن لون البيتِ فصاحب هذا البيت ( أجودي ) أي رجلٌ كريم والكريم في عادةِ العرب من يشعل النارَ كثيراً وذلك لكثرةِ الضيوف والضيف عادةً لا يطرق إلا في الليل !
إذا اجتمعت ثلاث ظلمات / لون بيت الشعر الأسود / والذي زاد سواده كثرةُ إشعال النار فيه وجاء فوقهما الليل.. فزاد الظلام حلكةً / وفوقَ هذا وذاك / هو لون هذا الليل في نفسِ الشاعر الذي تشبَّعت الهموم منه حتى إذا ليله ونهاره سيَّان !!
وأتى عبدٌ قن أسود اللون وتعلق بهذا البيت سيصبح حراً بجواره أي سيصبح لونه أبيض بجوار جفوني لشدةِ ما أورثني السهر من سواد..
يريد أن يصل الشاعر بنا إلى أن جفونه أشد سواداً من بيت ذاك البدوي ( الأجودي ) الكريم الذي تشعل النار في بيته كل ليلةٍ لكثرةِ ضيوفه والذي أصبح أشد سوداً من ذلك العبد الأسود الذي متى تعلق بذلك البيت في الليل المظلم أصبح أبيضاً أيْ حراً بجواره..