بالضبط . . مجنون

[حسين الراوي]

جلس على الطاولة بعد أن أحضر القهوة والشوكولاته ،
خلع نظارته السوداء ليضعها إلى جانب جريدته التي اعتاد على قراءتها ،
حينما انتهت يده من ملامستها لوجهه أنتبه أن هناك فتاة منقبة كانت أمامه
تجلس على الطاولة الأخرى . بطبيعية أكمل لحظته ، فتناول قطعة من
الشوكولاته ووضعها في فمه ، ثم ألحقها برشفة من قهوة الأسبريسو المركزة.
التفت يميناً فلم يجد أحداً يجلس في هذا الجانب من الكوفي شوب ، فأدار
أنظاره للناحية الشمال فرأى فتاتين منهمكتين في نقاش بينهما . وتلك المنقبة
لا تزال أمامه تسدد نظراتها الشبقة نحوه . بينما شرع في قراءة الجريدة وتقليب
صفحاتها أرخت تلك المنقبة إحساسها إليه ، فوضعت إحدى يديها تحت خدها
وأبحرت في عالمه حتى تبللت به. انتهى من تصفح الجريدة فأخذ يطويها ،
فلتفت لها دون قصد فوجدها مغمضة عيناها تدخل وتخرج أنفاسها بهدوء .
أخذ يحدق فيما رآه منها ، فتأكد أنها تغط بسبات عميق ! ، فابتسم بلطف نفس.
لما أنهى قهوته قام واتجه إليها ، ثم جلس في أحد المقاعد على نفس الطاولة ،
فقال لها كما يقول البعض للقطط : بسسس بسسس ! ، فصحت بربكة ، وأخذت
تعدل من هندامها ، ثم أخذت تنظر إليه بدهشة ، فبادرها سريعاً وقال : لا عليك ،
كلنا ننام . ثم ابتسم . قالت : أنت جريء . فأطرقت برأسها نحو الأسفل .
فقال : بل كُنت إنساناً أكثر . فقالت وهي تضحك : من ذا الذي قال لك أني قطة
حتى تناديني بـ بسسسس بسسسس ؟!! . ضحك من سؤالها ، وقال : من غير زعل
كُنت أنظر إليكِ فوجدت كل ما فيك يذكرني بالقطة ! ، عيناكِ ، جسمكِ ،
افتراشك ليدكِ ،حتى هدوء أنفاسك . قالت من أنت ؟ هل أنت زميل لي في هذه المُجمع ؟ .
قال بسخرية : لا ، أنا أعمل مُراسل في مكان آخر !! وأمر إلى هنا ِعندما أنتهي من معاملاتي .
قالت : أنت مُراسل ؟!! مستحيل ! ، بصدق من أنت ؟ . قال : قلت لكِ أني مُراسل .
قالت : لا أبداً ، إني رأيتكِ كثيراً مع كبار مسئولي الوزارة في مرات كثيرة ، أرجوك من أنت ؟
قام من على المقعد وابتسم وقال : مع السلامة . ولما تباعدت خطواته قالت له : مجنون .
فتوقف عن المشي واستدار نحوها وقال : بالضبط ... مجنون .