بسم الله الرحمن الرحيم.
كثير من الباحثين يربط الصهيونية باليهود والعقيدة اليهودية التقليدية على الرغم من أن أول اجتماع صهيوني كان في أواخر القرن التاسع عشر، بعدها ظهر الفكر الصهيوني التقليدي المنسوب لليهود وحدهم، وهو الذي حورب أول ما حورب
من اليهود التقليديين، لأن الفكر الصهيوني مغاير ومضاد للعقيدة اليهودية التقليدية، والتي تحتم على اليهود عدم العودة من الشتات إلى الأرض المقدسة إلا مع نزول المسيح الحقيقي عندهم، وهو الذي سيجتمع اليهود تحت رايته بالقدس، ويعود لهم الملك المسلوب كما كان أيام سليمان عليه السلام ، وشتان، فسليمان عليه السلام نبي كريم قامت دولته على التوحيد، وهم نسبوه للسحر وللكفر عياذًاً بالله .
فأي دعوة لعودة اليهود لبيت المقدس قبل عودة الماشيح تعد مخالفة للعقيدة اليهودية ذاتها، والتي تتنافى بدورها لما يعد وراء كواليس السياسة العالمية ومطابخ السم الدولية.
لابد من حشد اليهود، ذلك الجنس الغير منسجم مع المجتمعات الغربية، والمثير للمشاكل دائماً ،في المكان المناسب والداعم للسياسة الاستعمارية المستقبلية التي وضع الخطة لها لويس التاسع ونادى بها نابليون ثم تحققت على أرض الواقع بعد وعد بلفور، وعد من لا يملك لمن لا يستحق.
من هنا كانت فكرة (صهينة) اليهود، فالصهيونية فكرة غربية استعمارية، والغريب أنه لم يتم تطبيقها فقط مع اليهود، بل هناك نماذج أخرى من غير اليهود طبقت عليهم الصهيونية بأسماء مختلفة، مثل الشيعة الإمامية، والثورة الخمينية ، وفكرة الجماعات الإسلامية، والتي تندرج تحت عنوان أعمق وأشمل وهو: التفسير السياسي للإسلام.
***
لقد فتق المودودي فتقاً في الإسلام لم يرتق إلى اليوم حينما ابتدع ما يسمى بالتفسير السياسي للإسلام، وسار على دربه سيد قطب ونشأ بذلك الفكر القطبي التكفيري، وهذا المصطلح (التفسير السياسي للإسلام) شبيه بما ابتدعته الشيعة الإمامية حينما جعلوا الإمامة هي أساس الإسلام وركنه الركين ولا يكون المسلم مسلماً عند الإمامية إلا حينما يؤمن بالإمامة.
مصطلح الإمامة عند الشيعة، والحاكمية عند الخوارج قديماً، وعند الحركات الإسلامية الخارجية الحديثة يدوران في فلك تلك البدعة
النكراء التي حرفت صلب عقيدة التوحيد وشوهته.
ضل المودودي أيما ضلال وأبعد بأعجميته عن فهم كلام العرب حينما فسر معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله ، بلا حاكم إلا الله.
ومؤداه: نسف توحيد الألوهية، وتصير دعوة الأنبياء والرسل لأقوامهم هي صراعات على الملك والرياسة لتحكيم الشريعة القانونية ، وأن المشركين رفضوا حاكمية الله القانونية لذا قاتلهم
رسول الله كي يكون الحكم لله! وهذا الشطط هو ثمرة التفسير السياسي للإسلام، حينما يحرف توحيد العبودية لله إلى توحيد مبتدع يسمى توحيد الحاكمية، ولا بأس فليشتق كل مبتدع من أسماء الله وصفاته قسماً جديداً من أقسام التوحيد، فكما أن الله هو الحكم
فهو كذلك الرحمن، ليبتدع أحدهم قسماً خامساً من أقسام التوحيد ويسميه توحيد الرحمانية، وأخر يسميه القادرية وهكذا دواليك.
حينما حرف المودودي غاية الإسلام الكبرى وهي : تعبيد الخلق للحق جل وعلا، إلى غاية سياسية تشبه الغاية من الصهيونية؛
تسبب في حرف أجيال من شباب المسلمين في دوامات الصراع من أجل الحكم ، وخدم الأعداء أيما خدمة حينما قام بأسلمة الصهيونية، فكما أن على اليهود الصهاينة أن يعملوا من أجل دولة إسرائيل ولا ينتظروالماشيح ويكونوا (سلبيين)، فجاء من جاء لأهل التوحيد ودعاهم إلى ترك طريقة الأنبياء والرسل في الدعوة إلى التوحيد الخالص وانتظار الخلافة (على منهاج النبوة لا منهاج إبليس) في أخر الزمان، ونظر لهم العمل من أجل غاية جديدة..
فمصطلحات الحاكمية = الإمامة= أستاذية العالم= إسرائيل الكبرى.
بعنوان أوضح (استغلال الدين للوصول للسلطة والحكم)، أي صار الحكم هو الغاية والدين مجرد وسيلة لتلك الغاية، ولكن هيهات، فليس الإسلام كغيره من الملل، ولا هو كدين الشيعة الروافض، هو دين الله الذي لن يقبل من أحد دين سواه، هو المحفوظ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، هو الصراط المستقيم، والحبل الممدود من لدن أدم إلى أخر نفس موحدة، تقبضها الريح الطيبة، في أخر الزمان، لتقوم الساعة على شرار الخلق.
فذلك الدين الذي جاء به سيد المرسلين لم يتركنا عالة على أحد
في الفهم والاعتقاد والتطبيق ، لقد علم محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه كيف يتخلون، فما بالك بأصول الإسلام العظيم، هل تركها صلى الله عليه وسلم ليأتي مفسر مدعي في أخر الزمان يحرف أبناء الأمة عن غايتهم التي من أجلها خلقوا؟.
لكن بالخلط بين الغايات والوسائل يحدث الخلل في فهم حقيقة هذا الدين، ونتيجته تراها كل يوم صباح مساء على شاشات الأخبار،
الذبح والحرق وانتهاك الأعراض باسم الإسلام السياسي، وهل هناك أنواع وأقسام للإسلام؟! هل هناك إسلام سياسي وإسلام اقتصادي وإسلام عسكري؟! الإسلام هو الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وما لم يكن يومها ديناً فلن يكون اليوم ولا غداً، دينا.
السياسة الشرعية هي جزء من هذا الدين وهي وسيلة وليست غاية
كما أن الجهاد من الدين ـ وهو ذروة سنامه ـ لكنه وسيلة لغاية وليس هو غاية بحد ذاته.،الغاية ألا يعبد في الأرض بحق غير الله،
والجهاد والحكم والسياسة الشرعية هي لحفظ هذه الغاية التي من أجلها خلقنا، وقد عرض الملك على النبي صلى الله عليه وسلم على أن يترك تلك الغاية فأبى، ولو كان الدين على طريقة الحركيين المعاصرين لقالوا نصل للملك ثم من خلاله نطبق الشريعة، لكن هيهات، إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحن لا نتكلم هنا عن حسن البنا، ولا عن أحد مرشحي أبناء أخويته لكرسي رئاسي أو برلماني أو حتى كرسي (دخان) فتنبه.
شتان ما بين طريقة الأنبياء والرسل والطريقة الصهيونية الحديثة التي نقلت إلينا بمصطلحات تمويهية مثل الإسلام السياسي والحركات الإسلامية.
***
لا ينبغي لأبناء تلك الأمة وخصوصاً من هم على خط المواجهة مع تلك الأفكار المنحرفة سواء واجهوها بالقرطاس والقلم أو بالبندقية،
لا ينبغي لهم أن يغفلوا عن حقيقة الصراع مع مدرسة التفسير السياسي للإسلام (صهينة المسلمين)، ينبغي لنا أن نفهم، لماذا يكفرنا هؤلاء وإن صمنا وصلينا ورفعنا الأذان خمس مرات على المآذن؟ حتى يتسنى لنا مواجهة الفكرة ذاتها ودحضها وبيان انحرافها عن حقيقة هذا الدين، من ثم تتهاوى وتتداعى في صدور معتنقيها عن جهل، وليهلك المصر عليها عن بينة.
لماذا يكفر الإخوان من ليس إخوانياً؟ لماذا صارت مصر بلاد كفر وردة بعد زوالهم ؟
لأن الإسلام عند هؤلاء هو الحكم والسلطة والهيمنة وإزاحتهم عن غايتهم التي هي غاية الإسلام حسب نظرية التفسير السياسي للإسلام هي إزاحة للإسلام ذاته، وماذا بعد إزاحة الإسلام إلا الكفر!!
لقد سفكت دماء الكثير من اليهود في سبيل تدعيم فكرة دولة إسرائيل المخالفة لمعتقد اليهود نفسه، فكان لابد أن تتحول حياة اليهودي لجحيم حتى لا يكون له ملاذاً آمناً إلا أرض الميعاد بزعم كبار الصهاينة، وقد كذبوا عليهم في ذلك أيضاً..
وإلا فلماذا تجد أن معظم كبار الممولين من عائلات يهودية ورؤوس الصهيونية خارج إسرائيل،وهي الملاذ الآمن وأرض الميعاد كما يدعون؟ لأنهم يعرفون حقيقة ذلك الوطن المزعوم، إنه مجرد جيب استعماري زرع في قلب الأمة ليصير شوكة في حلوق المسلمين، لكن إلى حين.
الآن نفهم لماذا تسفك دماء المسلمين بأيدي مسلمين في سبيل خلافة مزعومة (داعش) أو كرسي رئاسي زائل ( كما حدث بمصر)أو حتى برلماني (كما حدث في الجزائر)، هناك من يقوم بتجييش المسلمين لغرض أسود لا يختلف كثيراً عن غرض صهاينة الغرب حينما جيشوا عوام اليهود في فلسطين.
***