اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جهاد غريب
إلى "عَمق"..
مَن علّمتني كيف تُؤكلُ الذكرياتُ على موائدِ اللّيل.
***
على موائدِ اللَّيلِ...
تَتساقطُ الأقنعةُ مثلَ قشورِ الفاكهةِ الفاسدةِ،
وأنا أُمسكُ بِخيطِ الصباحِ البعيدِ
كطفلٍ يُحاولُ إصلاحَ لعبةٍ مُحطَّمةٍ.
الغيابُ يُنعشُ جروحَهُ بِملعقةِ ضوءٍ خجولٍ،
والذكرياتُ تتدفَّقُ كدمعةٍ تأخرت، في كؤوسٍ مُشرَّبةٍ بالوحدةِ.
أَسكبُ صمتي فوقَ صحنِ الوجودِ،
فَيَنبَثِقُ منه مرآةٌ...
أَرَى فيها وجهي مُعلَّقًا كورقةِ توتٍ ذابلة
بينَ صفحاتِ كتابٍ نُسيَ تحتَ المطر.
الليلُ يُعلِّمُني كيفَ أَخيطُ جراحي بِخيطٍ من ضبابٍ،
فأُصبِحُ مثلَ شجرةٍ تَحملُ ثمارَها نُجومًا،
وظلّي يَتمدَّدُ كحكايةٍ لا نهايةَ لها.
حتى الألمُ هنا يُصبِحُ طقوسًا،
كُلُّ وَجعٍ يُشعِلُ قنديلًا في دهاليزِ الروحِ.
الذكرياتُ تَمشي عَلَى أطرافِ الأصابعِ،
تَسرقُ مِنّي اللحظاتِ كَسارقٍ خبيرٍ،
وأنا أُراقبُها من ظلالِ ستارةِ الزمنِ،
كأنني حارسٌ لبستانٍ مهجورٍ من الأيامِ.
على موائدِ اللَّيلِ...
أكتشفُ أنَّ الصبرَ وَهمٌ كبيرٌ،
والانتظارُ مجرَّدُ سُلَّمٍ نَصعدُهُ ببطءٍ،
ثُمَّ نَسقطُ مِن أعلاهُ كَأوراقِ الخريفِ.
الريحُ تَلعَبُ بِشَعري،
والأحلامُ تَجلِسُ أمامي كضيفٍ ثقيلٍ،
يَأكلُ مِن صحني ويَترُكُ لي الفُتاتَ.
ولكن...
في زاويةٍ ما مِن الليلِ،
تَبقى هناكَ كلمةٌ لم تُقالْ،
وَوردةٌ لم تَذبُلْ،
وَقلبٌ ما زالَ يُنادي:
"ربما الغدَ سَيَحمِلُ مائِدَةً جديدةً...".
***
إضاءة:
هذا النص هو بَوْحٌ وُلِدَ مِن رَحِمِ كَلِماتِ "عَمق"...
حينَ تَسلَّلتْ موائدُ ليلِها إلى دَمي،
فَأصبَحَ الوَجْعُ لُغَةً مُشتَرَكَةً،
وَالصَّمْتُ حِكايَةً تَتَكَسَّرُ بَيْنَ يَدَيَّ.
أكتُبُ لَيسَ كَمَنْ يَسرِقُ الظِّلَّ،
بَلْ كَمَنْ يَرْكَعُ أمامَ المِشْكَاةِ...
يَستأذنُ النارَ كَي يُضيءَ.
|
"""
هُنا نصٌ موازٍ لموائد الليل وسجالٌ روحيّ على مائدة الحرف
فماء القصيدة لا يُشرب مرتين الا حين يكتبك الوجع
إلى كاتبٍ أزهر الحرفُ في أنفاسه
في حضرتك كان الرد مواربةً للروحِ كي تُطلّ من بين حروفنا الخجلى
مائدتي كانت مُسرفةً في النزيف فأتيتَ أنتَ تشعل قنديل الصبر
وتغمس الحبر في دمعٍ لم يُعلن بَوحه بعد.
جاء صدىً كان ينتظر من يهمس له بأنّ الصمت لا يُشفى إلا إذا سُمع
وقد سمعتهُ فيك
فيك انسكب الليلُ لا كظلام بل كصوتٍ يُعدّل مرآة الروح
فيك وُلد الصبرُ من جديد لكنه لك يكن فضيلة فكان جُرحٍ تعلم كيف يُضيء.
كلّ ما سكبته من وجعٍ ناعم كان مرآتي الثانية
وقد نسيتُ وجهي في الأولى فهل لي أن أشكرك
أم أكتفي بالصمت كما يليق بالعارفين؟
أم أقول على استحياء أنك كتبتني من جديد!
دمتَ للوجع مَن يؤنسه بصوتٍ لا يُرهق.
فشكرًا
لأنك جعلت من نصّي سُلّمًا وصعدت عليه بالحرف لتُشاركني انكساراتي
كمن يشرب الحنين لا ليسكر بل ليتطهر.
عُمق