.0
.0
http://www.movn.net/Music(~Movn~)/Movn_(18).rm
ملامح لم يغيرها تعاقب الفصول ..
أركن سيارتي بجانب بقالة صغيرة قديمة هي الاولى هنا!
ضحكت في اعماقي حين لمحت البائع هندي الجنسية يخرج ليسلم بعض الشباب السجائر الرخيصة ..
ليدخنوها بجانب البقالة خفية .. تذكرت ما مضى ,, حين كان اخي يبعثني لشراء ذات السجائر حين كان في عمر هؤلاء ...
البائع لم تتغير ملامحه كثيراً ,, لا يزال هنا يقضي ماتبقى من عمره مغترباً في بقالة صغيرة لا تكاد تسد حاجيات الافراد المقيمين هنا ..
اولى المشاهد التي اعادتني للزمن العتيق جارنا احمد ! لايزال بذات الكرسي جالساً امام باب منزله يحدق في وجوه المارين ويرقب كل تحركات القرية .. كنا لا نعرفه الا بكنية حارس القرية ..
اللصوص انذاك يتحينون فرص غيابه عن الحراسة ليمارسوا هوايتهم في سرقة القوت ..
مررت بجانبه ملقية التحية فأجابني بمثيلها وصمت ..
عبرت الطريق الاخر .. الرجال الكبار متجمعين في القهوة .. بعض منهم ينهش في لحم اخوانهم ,, وآخرون يتزعمون بقدراتهم .. وقليل منهم يسردون حكايا الماضي ..
تماما هذا المشهد بقي كما هو لم يتغير .. غير ان في كل عام ينضم مسن جديد الى القائمة ..
أما ما اضحكني جارتنا ام سلمان لا تزال بنعلها تبعد القطط المتسكعة عن منزلها فزوجها بائع سمك ,, كنا ننفر الاقتراب من المنزل في اوقات عديدة ..
عبرت طريقاً آخراً ,, فوجدت جارتنا أم محمد تسير بخطوات بطيئة بالقرب من شابيْن وافقيْن , أظنها لا تزال تمارس هوايتها " التجسس " ..
هي الاخرى ملمح لم تغيره السنون ..
اقتربت مني ساءلة :
" من أنت ؟
" شجون ..
" لقد كبرتِ لم أعرفك ِ ..
حدثتُ نفسي : " لربما غيرني تعاقب الفصول ! "
ثم ودعتها راغبة في الزيارة الاخيرة إلى جاري عادل .. فاستوقفتني بسؤالها :
" ما أخبار والدتك ؟ منذ أن مضيتم لم نجد من يداوي أطفالنا ..
يا إلهي , لم أظن يوماً أن هذا الملمح لن يتغير لهذا الحد , فقريتي نساؤها ورجالها لا يزالون يعيشون تحت قبة الماضيين , يرفضون المشفى , والعيادات , ويتداوون بالكي وما يشبهه ..
جاري عادل أكن له من الاحترام الشيء الكبير , إذ كان يطعمني البوضا مجاناً من دكانه , اقتربت منه فوجدته شارد الذهن يفكر ..
ألقيت السلام فرده , ثم سألني :
" أأنتِ ابنتي شجون ؟
لكم تقتلني كلمة ابنتي هذه !!
" هي يا أبي ,, كيف اخبارك ؟
" بخير . لقد اشتد عودك !!
كبرتُ كثيراً , وفاتك يا جاري كثير من تفاصيل عمري التي مررت بها !
جالسته أحادثه فرمى أوجاعه عى صدري , حدثني عن تعبه وآلامه , ووحدته دون ابناء .. ! هي الحكمة يا جاري ,, وهو الابتلاء أن تخرج من هذه الدنيا دون زينة البنون ..
لا تزال قريتي رغم السنون التي تركتها فيها بكل هدوءها وثباتها ,, حتى الحضارة التي زارتها منذ زمن واستوطنتها لم تقو على زعزعة هذا الثبات ..
ربما الذي تغير بالامر اختفاء الاطفال عن اللعب بين الزوايا .. وجنب البيوت , ليكتفين بالضغط على ازرار الكترونية تغنيهم عن ذلك , وتملأ فراغهم ..
عدت لحيث سيارتي وجدت طفلا لم يتجاوز عمره الرابعة يلهو بقطعة شوكلاته جنب سيارتي ليترك البقع تلوثها . حدقت به ملامح وجهه لم تكن غريبة
سمعت صوتاً يناديه: علي
إن العرق والله لدساس , الزمن يعيد نفسه بوجوه مختلفة ,, هذا علي بن جارنا جعفر , لكم كان يلهو جنب سيارة والدي ويعبث باشيائها حين يدخلها ويلوثها بقطع الحلوى التي يحملها ..
حمل والده معتذراً وانصرف ..
وانصرفت أنا من بعده مخلفة ورائي هذه القرية التي عانقت كل ذكرياتي , بها مدرستي , منزلي القديم , بيت جدي الذي لا يسكنه أحد غير روح جدتي !
.0