القصيدة أنشودة الحياة ..وملكة الفن ومملكة الجمال ومكملة الأحلام ..
ومتنفس الآمال ونوافذ الآلام..
تلك القصيدة المتأججة بالشوق والمرتعشة باللقاء والمدهشة بالنقاء ..
قصيدة موشحة بالإيماءات ومطرزة بالرموز ومدبجة بالاستعارات ، أنها لحن الخلود وسيمفونية الوجود وغسق الجرح وإشراقه الحرف وموقد الذاكرة ، أنها نجمات مساء خريفي وظلال نخيل باسقات وشذى زهور الغاردينيا أنها غيمة شاردة تنتظرها سنابل الروح وبلابل البوح وتسعد بها بيادر الحب وتلتقطها سرب سنونوات لتهديها لزرقة البحر ولمحارة ناعسة وشطآن ظمأ وحكايات نوارس وعتبات فجر وبدايات غياب وثغر شفق مبتسم لجبين غسق ، قصيدة نظمها الوقت ليهديها لنور القمر وحنايا الشجر وأجفان الليل وخافق المسافات واحلام المساحات ، قصيدة ترددها بتلات الغسق للحظات سريالية وهمسات رمال لا تجيد الغناء على مسرح الذكريات . قصيدة قال عنها ( كوليردج ) إن النثر كناية عن كلمات في أفضل نظام أم الشعر فهو أفضل الكلمات في أفضل نظام .
يا رفاق الشعر أن القصيدة هي زادا للروح ودواء للجروح ومدى للبوح ولذة في عمق معناها وبعد مغزاها ، تلك القصيدة التي قال عنها ( فرلن ) المعاني الخفية كالعينين الجميلتين تلمعان من وراء النقاب . فالقصيدة هي الأقرب للقلب والعاطفة والوجدان . ويقول بول فاليري إن الشعر ( لغة داخل لغة )
أن الشاعر في النص الشعري " لا يدمر اللغة العادية إلا لكي يعيد بناءها على مستوى أعلى، فعقب فك البنية الذي يقوم به الشكل البلاغي تحدث عملية إعادة بنية أخرى في نظام جديد (صلاح فضل، بلاغة الخطاب وعلم النص، ص 58.)
***
[ شاعر البدر]..
من أجمل الأسماء الشعرية التي صافحتها إبداعا في أبعادنا الأدبية ، له تجربته الخاصة ورؤيته المتفردة في بناء المشهد الشعري ، كما أن تملكه لأدواته الشعرية وبشكل متقن ولتعدد التقانات الأسلوبية جعل الأفق الشعري لديه أكثر رحابة والبحر أكثر عمق ، فتجربته الشعرية تجربة ناضجة ضاجة بألوان الإبداع وحقول النعناع يمتح من فلسفة واعية و لغة مثرية مثمرة ، تكشف في صورها الشعرية مضامين ودلالات في غاية الدقة والرقة ،عاكس بتلك الرؤى الفضاء النفسي والدلالي لتخوم ذاته وهنا بعض من ضوءه الوضاء المتدفق شعرا وشعورا :
لَيَه الْخلايِق كلًها تَمْشِي عَلى اجْسَاد الْقُبُور!
مُو هـ..الْقُبور اجْسَادَها مَع الزِمن صَارَت تِرابْ!
طَيب انَا يِمْكِن امُوت وتصْبَح اعظَامِي عُبُور!
** يَعنِي الخُلاصَه وشْ فَرَق طَعنِة خِيانَة عنْ غِياب
ويقول ذات غربة :
بَعَد فُقْد وبَعَد غُرْبَة وتِرحَالي سِنين طْوال!
___حصَادِك يَا سنِين اوْراقِي الصًفرا..عَجَاج ومُوتْ!
كَاَنِ المَسْكَن الخَاوِي /رُحوُل.. تِفْتِقد جمًال!
___كِستْها الْبِيد ..مِن نَبْع الجِفَاف ومُهلِكات القُوتْ!
وهنا رؤية مكتنزة بالرؤيا :
كـنْــت أتـمـنـى هـجـيـركْ ../ يـدفــئ أظـلالــك
دامْــــك لـحـالــك مــعــي زادي ومـشــروبــي
يالشّـعـر ..يالسحر..جـيـتْ وتـاهــت أحـبـالـك
كسـانـي اليـمْ../..حـزنْ ../ لـحــدْ ..عـرقـوبـي
أنـشــدك ويـــن الـرحـايـل ..ويـنـهـا أطـلالــك
أنشـدك ليـه ..الفجيعـه ../ ..مقبلـه../ صوبـي
***
إن الشاعر ابن بيئته يتأثر ويؤثر بما يدور حوله من لغة وعادات وسلوكيات وقيم، من خلال المراحل العمرية وما عاصرها واعتصرها من تغيرات فسيولوجية وحسب النظام السوسيولوجي التي أفرزتها له العادات والقيم المتعددة في قنوات العرف الاجتماعي، وعندما تأتي لحظة الومضة في الكتابة (الحالة الداخلية التي ارتكبت بها كتابة النص).. نجدها مزيجاً منصهراً من تلك الثقافة واللهجة المكتنزة في ذاكرته حيث تتم عملية كتابة النص من ناحية التجربة الفعلية والمواقف التي حدثت من قبل، فتملي بدورها على الشاعر لغتها الخاصة المنبثقة من شعور داخلي يفرز تلك العناصر وبطريقة متناغمة من الوعي واللا وعي مجسدة بناء النص ورؤى الشاعر، ونستنتج من ذلك أن الشاعر ما هو إلا مخزن فكري لانتماء زماني ومكاني محدد، حيث الاطلاع، والاحتكاك بمن عاصرهم، والحالة الثقافية والاجتماعية التي عاشها بتلك الحقبةويدل على ذلك اختلاف رؤية ورؤيا الشاعر من حيث الدقة والعمق من مرحلة إلى مرحلة أخرى، في تصوير المشهد النصي التي تمر بهما حالة الكتابة، على الرغم من أن الكتابة عن لقطة محددة وواضحة، كما أن المكان والزمان لهما دور مؤثر في النص من حيث المفردات والمعجم اللفظي لكل شاعر إذ إن كثيراً من الشعراء نجد هناك العديد من المفردات تتكرر في نصوصهم ولا يكاد نص يخلو من بعضها في فترة زمنية محددة ثم يتركها الشاعر ليضيف مفردات جديدة تحل محل ما سبق في سياق شعري جديد.
[ إبـراهــيــمــ ]
***
رتب بعثرة هذا الضجيج و لا تقيد انفاس
وصدري كثر ما يحوي يضيق بمعمعة : معليش !!
جفاف يْطوّق اطراف الظلام اقواس خلف اقواس
وتتضاءل حدود الضيّ لين يهدّه التهميش
أخايل بالأمل ليل المسافة والسهر و الياس ..
على اعتاب الصباح آزف لمحة في كنف تشويش
ومعها : أرجع أتلاشى / أصفّق بالكفوف افلاس
وأترامى بقايا أمنيات و أغنيات و طيش
وديع الأحمدي
***
طاح صوت الشعر فوق الورق من عتب
لو خلــى البـــال ذكراهــــا معــــي جابته
كيف ؟؟! والريــح في قلبي عليهـا تهب
شجـــرة الحـــب ضميانـــه ولا عــابته
ودي ابكي على ضيعـــة زمانــي حسب
كل جــــرح ٍ ف صــدري خيمتــه ثابته
طحـــت من طولي البـــارح أدور سبب
ـ ليش بعد الخيــــانة كـــــل شيء تابته ؟
نواف الشيادي
***
قال أحدهم لأبي تمام: لماذا تقول ما لا يُفهم..؟ فأجابه أبي تمام: ولماذا لا تفهم ما يُقال..؟ فأتت هذه الإجابة لتفتح نافذة جديدة على مسألة الغموض والوضوح في القصيدة. فالقصيدة ليست وزناً وقافية فقط، كما أن الوضوح والمباشر يقتل القصيدة ويدمر المشاعر ويدفن الأحاسيس. فالقصيدة الناضجة هي المكتنزة بالمعاني الجليلة والأفكار الجديدة في لغة بكر مبتكرة فريدة، بعيدة عن المباشرة والتقريرية التي نستخدمها في حديثنا اليومي. إذ إن لغة الشعر هي لغة الإشارة والإيحاء في حين أن لغة النثر هي لغة الإيضاح والإفصاح. فالشاعر الناجح هو الذي يجعل القارئ يشحذ حواسه ويتحرك وجدانه وتلتهب مشاعره عند قراءته للقصيدة، فعن طريق الإيحاء والرمز تكون المعاني أكثر تأثيراً، وأدق تفصيلاً في نقل الحالة النفسية والشعورية للشاعر، فاتحاً للمتلقي نافذة يطل بها على أسرار النص ودلالاته، وليس كل ما لم يفهم هو غامض ومستغلق. كذلك يجب على الشاعر المبدع تجنب الرمزية المنغلقة المبهمة التي لا تتوافق مع المدركات العقلية والحسية فيقع في مسألة التعقيد الفني. ويرى ابن الأثير أن (الشعر ما غمض فلم يعطك غرضه إلا بعد مماطلة منه). أما ريتشاردز يرى (أن الغموض في الشعر قد يعود إما إلى عجز القارئ عن استيعاب الدلالة أو عجز الشاعر عن التوصيل الذي يؤدي إلى الإبهام)، إذ إن الخيال والإيحاء والتأويل توفر للقارئ المتعة واللذة في قراءة النص. والنص العميق هو الذي يجعل كل قارئ يقرأه من زاوية ثقافته وذكائه في استنباط المعاني والدلالات التي يرمي بها الشاعر في كتابته للقصيدة وما تملكه من طاقة إيحائية. فيجب على الشاعر الابتعاد كل البعد عن الغموض الدلالي والرمزي المقفل وكذلك استحالة فهم الصورة الشعرية. كما أن الشاعر الناجح يربط عناصر القصيدة بعضها مع بعض بنسيج فني مبدع، ومن تلك العناصر اللغة العالية وما تحمله من قاموس معجمي كبير، والصورة الشعرية الدقيقة والتي تستطيع الحواس الخمس إتمام عملية التراسل فيما بينها عن طريق اجتراح اللغة وانزياحها لإحداث عنصر المفاجأة واللذة والذي بدوره سينتج لنا قارئاً مبدعاً ترتقي ذائقته كلما قرأ نصاً جديداً متكاملاً بعناصره ومقوماته الأساسية التي تضمن له الخلود بالذاكرة أمداً طويلاً.
***
تلمح / فـ : برد الفجر / و بـ : كثرة أحبابه
إمام هـ / الناس كفّى و : إنتهى فرضه
يالله : عسى / الدرب يلهى : تفتح / أبوابه
أنطرك نتعب سوى و نكون له عُرضه
عيّا : قيآم / السهر ؛ / يهديني ! / : عتآبه
و عيّا : نهآري / يريّح عيني فـ : أرضه
عبدالله المالكي
***
تمر الكتابة الأدبية بجميع أجناسها وأنواعها بمراحل معقدة وعمليات متشابكة، وتختلف طريقة بنائها من أديب لآخر ومن شاعر لغيره ومن رسام لرسام ثان؛ فكل له طقوسه ومسبباته على حسب ثقافته، وكثرة اطلاعه وسعة أفقه المعرفية، وطول تجربته الأدبية، وكذلك قد تختلف تلك الطقوس عند الشخص الواحد عبر حياته لأكثر من مناخ وأكثر من بيئة ورؤية.يقول يوسف بكار في كتابه (بناء القصيدة)، وهذا الكتاب وضعه مؤلفه في 532 صفحة وقدمه له الدكتور حسين نصار: جعل العرب دوافع الشعر أربعة: الطرب والغضب والرهبة والبيئة. ويرى حازم القرطاجي أن الشعر لا يأتي نظمه على أحسن وجه إلا بحصول ثلاثة أشياء: المهيئات، الأدوات، والبواعث. وذكر بواعث الشعر عند بعض الأجانب مثل: شلر، وأريون، ويندر، ووالتر، دي لامار الذي يبعث الشعر في نفسه شمه للتفاح الفاسد وشربه للشاي والقهوة؛ ليحفز قريحته على نظم الشعر، ويقول عن (خليل مردم بك) إنه كان يشترط الهدوء والانفراد، وقال: (إن القصيدة ليست كلها إلهاماً، وليس الإلهام انتظاراً لهبة الوحي أو شيئاً خارجاً يتلقاه الشاعر المبدع، كما يتلقى الهبة، بل لا بدَّ له من تربة ينمو بها وفترة تحضيره مسبقة، ولا بد من إشباع الذهن بكل ما يدور حول الموضوع، وأورد قول (وليم موريس): إن الحديث عن الإلهام من سحت القول، وإنه ليس هناك شيء اسمه الإلهام، والمسألة مسألة صناعة لا غير.كما أنه أورد قول (محمد مندور): (أنا لا أؤمن بشيء اسمه الإلهام والعبقرية، وإنما أعرف التثقيف وإبداع الصناعة، ونقد ما نكتب، والجهد، وطول المران). ولما تكلم عن أنواع القصائد قال: (القصائد على نوعين: قصائد آنية، وهي بنت ساعتها، وقصائد ذات موضوعات وتجارب تختمر في الذهن مركوزة فيه، إلى أن يحين وقت ولادتها فتظهر). فلكل واحد منا فضاءاته التي يحب أن يكتب بها، وله طريقة وأسلوب معين ينتهجه أثناء الكتابة.
[ إبـراهــيــمــ ]
***
بـيــن أزدحـــام المـشـاكـل ... وإعـتــذار الـحـلـول
أمـد صبـري ... عـلـى بــاب انتـظـر ... و إحتـمـال
وأحـسّـك أعـمـق مــن الـشـوق الحثـيـث الـمـلـول
وأنــا شمـالـي ...وأقـــول بطـيـبـة أهـــل الـشـمـال
اختـاري أسعـد سنـه ... واختـاري أحـلا الفـصـول
ولاّ خــــذي كــــل عــمــري ... دام فـيـهــا مــجــال
استمطـريـنـي ... وأنــــا كــلــي جــفــاف وذبــــول
واستبشـري ... مـا عـلـى قـلـب الشـقـاوي مـحـال
لك في سما الـروح ... غيمـة .. مـا تمـل الهطـول
تمطـر علـى .. قفـر صــدك ... لـيـن ينـبـت وصــال
يـــا مـتـرفـه ... خـلــي لـكـتـفـي ثــقــال الـحـمــول
وأمشـي علـى فطـرتـك ... بـيـن السـهـل والجـبـال
محمد عوده البلوي
***
تجلس ألوان الصبايا والعطر شيً أساسي
............... والوجع ماحسّ به ، خصّ الذي هو ينشره
والأماني وحدها صاير لها التاريخ ناسي
................ والغياب أصبح قدر لازم تعيش وْ تصبره
والفضول اللي سكن كل البشر ماله مراسي
................ والفصول أضحت خريفٍ بعد ماهي مزهره
أنثى جموح
الناقد مرآة ساطعة تعكس ما في النص من جمال أو نقص وقوة وضعف، ويعتبر عاملاً من عوامل الرقي والتقدم والوعي، إذ يجب أن يبنى ذلك النقد على أسس معيارية صحيحة، ومنهاج نقدي سليم، وثقافة معرفية واسعة، وذكاء وخبرة يستطيع النفوذ من خلالها لأعماق النص واستخراج لؤلؤه ومرجانه، ويتمتع بذائقة فنية عالية يضيء من خللها بأماكن الروعة ومدارات والجمال، ممتلك معرفة تامة بالجانب الفني وما يحتويه من عناصر فنية وتركيبية وبدراسة نقدية متوازنة متأنية، مبتعداً كل البعد عن تحري الهفوات وتتبع السقطات دونما تجريح وتعال وقسوة، فالناقد الجيد هو الذي يقوم العمل الأدبي عازلاً كاتبه عن فضاء النص، فالمدح الزائد، والقدح من أجل الذم يسيء للناقد أكثر مما يضيف إليه، فالأدب الشعبي عموماً يفتقر للناقد الحاذق الماهر الذي يدير دفة الأدب والمورث الشعبي للأمام، إذ يجب على جامعتنا كمؤسسات تعليمية أكاديمية أن توجد لهذا الأدب قسماً خاصاً يدرس به هذا الأدب وفنونه، أسوة بأعرق جامعات العالم التي اهتمت بأدبها الشعبي وخرج من أروقتها آلاف الدكاترة والباحثين المتخصصين، وأذكر على سبيل المثال الدكتور عبدالحميد يونس الذي عمل كأستاذ كرسي الأدب الشعبي بكلية الآداب، جامعة القاهرة منذ الستينيات الميلادية، ولا أعلم لماذا هذه الحساسية الزائدة من قبل الأكاديميين في جامعتنا السعودية للأدب الشعبي ومحاربته، فهل هو عيب واستنقاص، بقدر ما هو حفظ لتاريخ أمة وفخر بماضيها العريق، فهو كغيره من الآداب متصلاً بالحياة العامة والخاصة للشعب، وهو أدب يعبر به الشعب عن أحلامه وآماله وآلامه بشكل فردي وجماعي. فهل حضور الأدباء العرب، والغربيين، والمهتمين لمهرجان الجنادرية، استنقاص لهؤلاء النخبة والصفوة من المفكرين، أو يؤدي لاهتزاز مكانتهم العلمية وسيرتهم التعليمية. أرجع وأقول نحن بحاجة ماسة لمتخصصين في الأدب الشعبي، ومهتمين بالمورث وتاريخه، فلا غنى للأدب الشعبي عن الناقد الحاذق، والباحث المتخصص، والمهتم الواعي، والراوي الحافظ، فكثيرة مجالات الأدب وما يحتويه من قصص وأشعار وأمثال وأساطير وسير ذاتية ومواقع أثرية، ووقائع تاريخية.
[ إبـراهــيــمــ ]
اجرح أقْنب من ورى مرّقب عْواك
الليـل خـيَّـم ، واسْتبـاحـت طـواريـه
الــدرب درّبــك | والحنـايـا حنـايـاك
والشوق جفْنـن ماهَجَـعْ فـي لِياليـه
أقْفيت/بك.. جعـل الـذي فينـي خـلّاك
يرّجَعْ علـى صـدرٍ يِضـجْ ابْرجاويـه
سرّيتك ضلوعة .. وحسِّيت مسراك
مثل الكلام أللي فقد صـوت راعيـه!
سعـد السعـيـدي
الصورة الشعرية ركن من أركان النص وتعد منطقة جذب لإحساس القارئ ومشاعره خصوصاً عندما تكتب بدقة وتركيز واضح وتتضح مهارة الشاعر في أبعادها وإيحاءاتها وإيماءاتها، فهي تعد المميز النوعي لجنس الكتابة الشعرية، وهي السمة المميزة للنص وبؤرته الجمالية وأهم أدوات الشاعر لبناء النص الشعري، يقول الأستاذ الشاعر خزعل الماجدي في كتابه العقل الشعري: (حياة الشعر، قوته واندفاعه، فكم سيبدو الشعر شاحباً هزيلاً، إذا افتقد إلى الصور، وكم ستبدو اللغة الشعرية ثرثرة إنشائية، لو لم تستفزنا بصورة قافزة نشطة نابهة). ويقول عنها (س.داي لويس) (الصورة الشعرية رسم قوامه الكلمات). أما عز الدين إسماعيل رحمه الله يقول عنها (تركيبة وجدانية تنتمي إلى عالم الوجدان أكثر من انتمائها إلى عالم الواقع) فالشاعر المتميز هو الذي يبتكر لنا صوراً جديدة مبتكرة منفردة بملامحها وأجزائها وعلاقة بعضها مع بعض، بعيدة كل البعد عن الوصف المباشر والتقريرية المملة بدلالات إيحائية ورمزية جميلة رائعة خلابة عن طريق التركيبات الاستعارية المكثفة المكتنزة بالإيحاء وعمق الدلالة يكتبها بشعور صادق وبتوافق تام بين الفكر والإحساس وبين الجزء والكل بنمطيها الحسي والذهني معبراً عما يختلج بنفسه ويكنه في قلبه من خلال الاندماج مع المتخيل الشعري حيث فضاءات الدهشة والومضات التأملية المتتالية، موصلاً لنا تموجات الصور الشعرية داخل محيط المشهد الشعري الذي تتنامى فيه إيقاعات الروح وتتشظى من خلاله تفاعلات الوعي والخيال، فهو يستنطق حواسنا ويرتب لنا متعة القراءة بصورها المتعددة تتراوح بين حسية بصرية وذهنية خيالية مجردة فالشاعر من خلال دقة الصور ينغمس في ذاته ويغوص في عقله الباطني ناسج العالم الخارجي بشكله الظاهري مع العالم الداخلي بصور حسية ونفسية قابلة للحركة والنمو تعطي الشعر قيمة فنية وجمالية يقول ستيفن سبندر في كتابه صناعة القصيدة (يحتم على الشاعر المتميز أن يكون قادراً على التفكير بالصور، وعليه أن يمتلك سيطرة كبيرة على اللغة مثل سيطرة الرسام على حاملة ألوانه). ناسجا وشائج حميمة بين الصورة وبين اللغة التي يكتب بها، فاتحاً نافذة نطل من خلالها على أسرار تلك الصور ومكنوناتها الباذخة الروعة والجمال مضفيا دلالات إيحائية عميقة على المعنى المراد إيصاله يقول باوند: (الصورة هي التي تعرض مركباً عقلياً وعاطفياً في لحظة من الزمن) وأجمل تلك الصور الشعرية هيا التي تمتزج فيها الحسي النفسي بالواقعي الخارجي متضمنة المعنى واللون والصوت الحركة والزمان والمكان نقلا لنا ما يراه في ذاته ويموج نفسيته وإلا ما الفائدة من نقل الواقع وتطابقه كما في الصورة المرئية وإن أظهر لنا حركة سردية في الصورة إذ يجب أن يهتم بالتفكير الحسي محطماً الحدود الزمنية والمكانية ومشكلها بألوانه النفسية كما يقول أروين ادمان (تعد ارتباط بين مجموعة من الصور والرؤى والأفكار المندمجة في وحدة مفردة خلال حالة نفسية تربط بينهما).
فكلما زادت قوة مخيلة الشاعر بالاستعارة والأنزياحات اللغوية زادت القيمة الإبداعية المفعمة بالديمومة والحيوية والجمل، فالتجديد بالصورة الشعرية أمر حتمي إذا ما أردنا منها توصيل تلك الشحن والطاقات المتفجرة في ذات الشاعر ووجدان المتلقي لأن الصورة المقلدة لا تلبث إلا أن تخبو جذوتها وتتحول إلى رماد تذروه رياح النسيان بالصور القديمة المستهلكة لا رونق لها ولا بهاء ومن أنواع الصور الشعرية التي بينها لنا الأستاذ خالد الغريبي في كتابه قضايا النص الشعري العربي الحديث، من حيث تركيبها وهيئتها (بسيطة - مركبة - كلية - جزئية - حسية - تجريبية) ومن حيث نوعها وتكوينها وبناؤها (رمزية - إيقاعية - تضادية - عنقودية - تشكيلية) ومن حيث جهة مرجعيتها وأفقها (استراجعية- استكشافية- استشرافية) ومن حيث جهة طبيعتها الأجناسية (مسردة - مسرحية).
[ إبـراهــيــمــ ]
***
امـا تعـشّـمـت فـيــك الـخـيـر يـاوقـتـي
وأمّلت بالجاي لأجل أهرب من الحاضر
ويامـا تنصّلـت مـن بوحـي الـى صمـتـي
وأكبـح جمـوح التشـاؤم فـي رجـا باكـر
الـدرب قــدّام والعـهـدة عـلـى أرصفـتـي
والجهد مخلـوف واللـي يكسـب الصابـر
بندر الصقر
***
منهـو.. يقـاوم صـراع النـوم فــي طـرفـي
وإلا يــذكّــرك بـأحـلــى وقــــت بـأوقـاتــك
منهـو..وقـف لـلـعـواذل وأحـتـضـن كـفــي
طـبـعـك يـجــرّدك مـــن طـغـيـان عـاداتــك
منهـو.. رسمنـي قـدم ويـدوس لـك ظرفـي
مـعــك يتـكـلّـم كـثـيـر الـصـمـت بسـكـاتـك
منهـو.. عطـاك الأمـان وغـالـط المخـفـي
منهـو.. شـرح لـك وجـوده فـوق نظـراتـك
هـيـفـااللاّفـي
***
النص هو مبنى ومعنى، لعمليات معقدة تتضافر لإنتاج رؤية أنيقة وعميقة، من خلال الألفاظ السهلة والمؤثرة والأفكار الجديدة والصور الفنية الملتقطة بحدس دقيق، والخيال الخصب، والموسيقى الداخلية والخارجية العذبة، لنحظى بأبعاد الدال والمدلول عبر الأنساق المتسقة في سياق فني فريد لتكتمل تلك البنية في نص فكري وشعوري متدفق عبر الذات المتوقدة والتواقة للجمال، والذي يحتم على المبدع صياغة العبارة وانتقاء المفردات والبحر والقافية بعناية تامة وذائقة عالية لتتيح له التفرد والتجدد في فضاء النص. فالشاعر في عملية مستمرة للبحث عن لفظ يخلق ذلك المعنى المتفاعل معه لبناء نص شعري خلاب، في اقتصاد لدلالة الشعرية للوصول إلى لب الفكرة ومفهومها، مختزلاً المعنى بمفردات محددة ومقننة في انسجام تام بين اللفظ والمعنى، وفي مضمون يتنامى في دواخلنا وبإسقاط لفظي رائع يضفي على دينامكية القصيدة بعداً جمالياً أخاذاً.. نابعاً من مكنوناته ورموزه ووسائل تعبيره مبتكرة، لا تخلو من التراكيب المنطقية واستدراج المعاني بصورة حسية مفعمة بالتمرد والنمو، وبمقدرة رائعة مازج الذات بالواقع بلغة واضحة، تتضح منها مدى وعيه الثقافي في لحظة إمساكه باللحظة الشعورية عند البدء في تدفق النص وانطلاقته، حتى يصل بالمتلقي إلى أفق رائع، مشبعاً نهم ذائقته ومضيفاً إليه فائدة فنية وأدبية جديدة .
[ إبـراهــيــمــ ]
***
ياخفوقٍ حار نبضه يرتجي لحظة سلام
أركب طموحك وجدّف لين ترسى بالجدي
ليه ترضى في زمانك ترتمي وسط الزحام؟
وأنت حلمك لو نثرته سابق خطاك يعدي
خلك أكبر من عيونٍ ما تطيق إلا ملام
وخلك أبسط من جفونٍ ضاقت بدمعٍ ندي
عودة نزال
***
مابين موتين , (الحياة) احزان و احزان و دِما
مدري من اتقاسم معاه الموت و لـ مين انتمي
حتى اليقين .. يشك في نفسه ويصبح "ربما" ,!
على شفاه من الحيا تاخذ وتعطي من دمي
الى متى .. والشوف ,, نفتح له شبابيك العمى؟!
إلى متى.. والـ(لاء) ,, (وجه انثى),,! بـ وجهي تحتمي؟!
أنا بـ وجهك,! (لا)تغنّي لي "حزين من الظما"
خلااااص يكفي,, ما بقى بالحزن حزن ,, تبسّمي
عبدالله الكايد
***
يوم اشرقت شمسك على جرحـك
يــوم اقبـلـت بـالـعـذر .. مـنـثـورة
وسنابلك .. من مالـت بـ.. قمحـك
وغـنــى الـرحــا دوره ورى دوره
قـلـت اتـنـاثـر بـــك مـــع مـلـحـك
واطعم بـك الاسـرار .. عصفـوره
خــل الـعـذر .. لا يتعـبـك شـرحـك
دام الـنـويــا الـبـيــض مـخـبــوره
عون القحطاني
***
الصبح يسالني متى الليل يسري ؟
مليت أصبرني ب/ضي الفوانيس
رحآل أنا و الوقت لو كان يغري
ما كان غنى للسفر حادي العيس
تتوعد الدنيا حياتي بــ/ قبري
وأخاف نتفارق و أنا أحتاج تأسيس ؟
فإذا البحر كسر مجاديف صبري
أنا أصدق دموعي لربي محابيس
محمد بن شتير
***
عطرك وْ ضحكاتك وْ ميلة عقالـَك
وصوتك اللي كلّ ما ضقت أسْمعَه
كلّ ما قلبي تغافلـْـني و .. جـالـَك
ما قدرت أنـْهاه عـنـّك و أمـْـنعـَه
أحْـترق لحظات بعـْدك وإنـْشغالـَك
وأتـْرك أبـْواب الخيال مـْـشرّعـَه
تفاصيل منسيه
***
اَسْتمطَري عُوجْ الظَلوع وْذوّبي َملْـح الْجَفَــاف
مَا خاِنك الْغَيم انْ كَتبْتِي َفـ:- السمَـاء ِميَـلاِدكْ
َيا غاليهْ َيشْبه خرَيِرك داَخل الصَـدْر ارْتجَافْ
غصْن الكْـلامْ اللّي َتشّرب َصوتي لإنِشـَـادِكْ
َهاتي َصبَـاحات الجْـريدْ َابنتثر لأجـلك َنفافْ
يبّل ارْض الجَـدْبْ وِيسِيـــلْ بْعيَــُون بْلاِدك
َتمّدنْ البَحْر بْملَوحَـةْ صْبر َيا عَيش الكَفـَـافْ
يا كثْر في صَـدِري مُواني ما طَلبَت ايِِِراَدِك
َبوابّتي يَا جلْـــدِي المثقـوب يَا َنبْض الشَغافْ
ينْتابنَي مَن شّفـة العرَفْان بَعضْ اِجحَــادِكْ
َما اَخاف مَنْ مَوتي كثيرْ اليوَم انَا جدًا اخــافْ
انْ مَا عـَرفتْيني وَنذَرتي للْخَــلاصْ اوْلادك
َانا اللي اخْجل طَعنتهْ بْلطف التَسامَحْ واعِتَكافْ
الـرُوح فيِ قبْلة جَسَــدْ خَاوي يقـّدس َضاِدكْ
َانا اللّي نَشف ِريقْ ظُلامهْ وْتعشّى مْن خَـلاف
رغم انْسكَــابه للفْصول اخْفتْ فصَـُولك زَادكْ
َمن صَفْـرة التُربه َلقيعـاِنك أبهْـِديك اعْترَافْ
منْ كَثرة الخضَره تَكاثَرنا َفلـــُـول جْـرَادِك
َتفرْعَنَتْ دُون الوَرَقْ رَغبْــة كَتـابه لأحترَافْ
اَجمل بَزوُغٍ يرْسَــم الاْحلامْ رَغْم اجْهَــادِكْ
َتفيض في ِبيدَك عَيوُن الـَرْملْ واَلمَحْ إنْجَرافْ
السمر عَالـقْ باَلثرى ورِيحْ السنينْ جْيـَــادِكْ
َتبسّمي حَمْـرةْ مَغيبٍ تْوشّحي لَيلْ الزَفـَافْ
نّكرّت لكْ هَـوَدجْ قَـديمٍ يَمشْــــي بْجـلاّدك
َقرطْ الشَعـُور اللّي َسقَطْ مَا َرنْ لو َيملك هَتاف
هتَفتْ لَك َطاحَتْ طُيورْ الليلْ مَن فَرْصـَاِدكْ
للْبحَـــرْ ياَ حَبْرٍ نزَفني بْحَـزْنه الطَافِي وَطاَفْ
للرِيحْ يا َجرْحٍ َنزَفَتْ انْ مَا عََرفْت ضْمَادِكْ
خالد الداودي
***
لأحبة الذين لم أتشرف بمصافحة ضوء إبداعهم وجمع حروف نعناعهم ( لضيق الوقت )
حتما الشرف لي في الجزء القادم ..
مودتي للجميع .