الأديبة الأستاذة رشا عرابي
مع التَّحيَّة، هذا نصُّك كما قرأته:
"لماذا تأتي الأفراح مؤجلة ويأتي الفقد في كل حين..؟"، يُمكنني القولُ إنَّه النَّصُّ من هنا ابتدأَ، من ختامِ القولِ، ومنه جاءَ العنوان: "أفراحُنا المؤجلة"، وإنَّه السُّؤال ما هو إلَّا إجابة فاجعة، والتَّعجب ما هو إلا تقرير صادم لحقيقة "أنَّها الحياةُ ظالمةٌ وقاسيةٌ ومُتناقضةٌ."، وإنَّه السَّائلُ المُتعجِّبُ هو "أنا"؛ الـ تعني "نحن"، أنا وأنتَ، وها إنَّنا -في عصفِ الواقعِ وسكينةِ الخيال- بين جذبٍ وصدٍّ، مدٍّ وجزرٍ، مطرقةٍ وسندانٍ، نتفتَّتُ ونتشتَّتُ، وتطحننا رحى الحياة، الحياةُ التي تجودُ بالحبِّ؛ ثمَّ تضعُ في طريقه العوائقَ والعقباتِ، وبالوصلِ؛ ثمَّ تبخلُ بالعناقِ، وباللقاءِ؛ ثمَّ تقصمُ ظهرَهُ بالفراقِ أو بالفقدِ أو بالغيابِ، إنَّها تمنحنا الأشياءَ منقوصة ومُفخَّخة، ثمَّ تنقلبُ علينا في عطائها وعنه ترتدُّ، تُلوِّحُ لنا بالماءِ؛ ثمَّ تهطلُ علينا بالسَّراب، وبالضُّوء؛ ثمَّ تلفنا بالظَّلامِ، تدسُّ لنا الموتَ في جيوبِ النَّبضِ، والدَّمعَ في جوفِ الضَّحك، وفي وجباتِ الدِّفءِ تُسرِّبُ البردَ.
كأنَّه النَّصُّ في عمقه/هاجسه يقولُ: نذوبُ فينا، نعم، وننصهرُ، ونتوحَّدُ، وبالحبِّ والوجدِ نندمجُ؛ فنشرقُ ونتوهَّجُ؛ ولكنَّنا نعلمُ أنَّنا إلى غروبٍ نسيرُ، وأنَّه سيُفرِّقنا المصيرُ، لأنَّنا في الظِّلِّ نلتقي، وفي غفلةٍ من الظُّلمِ نجتمعُ، نسرقُ اللحظاتِ، ونغتنمُ الفرصَ، ونخطفُ السَّعادة من فيه التَّعاسةِ، ونكونُ؛ ولكن على عجلٍ؛ فعُمْرُ الفرحِ قصيرٌ، والوقتُ لا يرحمُ، كما أنَّه لا ينتظرُ، ونحنُ معاً، ولسنا لنا، باللُّغة نُحلِّقُ، وفي الغُربةِ نغرقُ، نشتعلُ بالقلمِ، وبالممحاةِ نحترقُ، نتشبَّثُ بالصَّمتِ؛ حينَ بالصَّوتُ نغصُّ ونختنقُ، وإنْ كانَ ثمَّة فرح ينتظرنا؛ فمتى يحين؟ ومتى يكون؟ ولماذا هو مُؤجَّل؛ بينما الفقد متاح وفي كل حين؟
أمَّا سطحه/نورسه؛ فإنَّه يحلمُ ويتمنَّى ويأملُ ويرجو ويدعو، ويُهندمُ كلماته، ويُرتِّبُ نبضاته، ويبدو رقيقاً شفيفاً وهادئاً؛ رغم قسوةِ الواقعِ -من حوله- وقتامته واضطرابه، إنَّه يتدرَّجُ في سيرهِ من الوعرِ إلى السَّهل، وبخطواتٍ خفيفةٍ ينتقلُ من الخريفِ إلى الرَّبيع ومن المُحالِ إلى الاحتمالِ، ثم يغرقُ في الحبِّ من رأسه إلى أخمصه، ثمَّ يبدأُ بوحه العذبِ؛ بلغةٍ هي أقربُ إلى المُناجاةِ، المنجاةُ المشوبةُ بالخوفِ والتَّوجُّس والحذرِ من غدرِ الحياةِ، كأنها تتأرجحُ بين الأمل والألم، وتتوقُ إلى الهُروبِ إلى حيثُ: لا هجير ولا زمهرير، لا قسوة ولا فراق، لا خوف ولا خيبة، لا دمع ولا حيرة، إلى حيث الحب والحبيب.
ختاماً،
دُمتِ، يا نقيَّة، مُبدعةً مُتألِّقةً
ولكِ الاحترام والتَّقدير.
