سأحيي فيك هذه الجرأة والشجاعة الأدبية التي حرضتك على طرق هذا الموضوع
لديّ موضوع عما يعرف بـ " الأدب الإسلامي " يصب في هذا المجال
سأضع الموضوع برمته بين يديك
الأدب الإسلامي
يبدو أن واقعنا المعاصر يعيش تحت مقصلة التصنيف والأدلجة , تصنيف ( الأدب الإسلامي ) حكم على البقية الأخرى بـ ( الكفر ) أو شيء منه . ولأن المجتمع لدينا مجتمع طيب ومحب للخير انساق وراء هذا التيار دون تفكير أو إرادة في محاول للبحث عن الهوية .
أعتقد أن الناس لا يقع عليهم خطأ كبير في هذا الشأن , وإنما الخطأ الكبير يقع على الذين يهاجمون العقول ويعملون على تفتيت الإرادة النفسية والفكرية من أجل السيطرة على الوعي وتوجيهه الوجهة التي يريدونها . هناك فرق بين الوعي والتشنج
الوعي يمنحنا قدرة في التفكير ومرونة في الحركة وإمكانية التواصل الطبيعي مع الحياة . والتشنج آفة تنخر في الوعي ومعول من معاول الهدم , يصيبنا بالشلل النصفي أو الكلي .
عندما كان المسلمون الأوائل قادة الفكر الإنساني منحوا الجميع فرصة المنافسة , ولم ينظروا للإبداع بعين أحادية . لقد قدّم ابن سلام الجمحي الأخطل التغلبي المسيحي على شعراء المسلمين كلبيد وحسان وهما صحابيان جليلان ــ رضي الله عنهما ـ وابن سلام الجمحي , هذا , أحد الرواة الثقاة كما تقول المصادر في رواية أحاديث المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ــ ومع هذا لم يُتّهم بدينه أو يُقدح بفكره , لأن الإبداع ليس له دين أو مذهب أو وطن .
الأصمعي وهو من هو دينًا وفضلاً وأدبًا فصل بين الشعر والأخلاق وتبعه أبو عمرو بن العلاء وكذلك أبو بكر الصولي في دفاعه عن أبي تمام , وقد قال القاضي الجرجاني في الوساطة " والدين بعزل عن الشعر "
الفكر الأحادي التشنجي حرمنا من نجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف وكتاب الخطيئة والتكفير للدكتور عبد الله وغيرهم وغيرهم وغيرهم . والحمد لله عندما تحررنا من الوصاية الفكرية لحداثة أعمارنا , صرنا نقرأ ونناقش ونحتج ونؤيد ونوافق بعيدًا عن مقصلة الرقيب الفكرية .
لم أقرأ نجيب مخفوظ إلا بعد تحرري فكريًّا من الوصاية عندها أدركت كم من السنوات ضاعت , لم أرتشف من معين هذا النهر المتدفق من الإبداع .
الانهزامية النفسية التي نعيشها جعلتنا ننظر للمبدعين من أبناء جلدتنا بعين الريبة والشك
لقد كان أسلافنا في تعاطيهم مع الأدب أكثر رقيًّا وأقلّ تشنجًا منا , ونظرًا لأن الأدب المطروح آنذاك كان الشعر
سأعود بالذاكرة إلى الماضي لتنبيه أبناء الحاضر بضرورة الاستعداد للمستقبل
قال الأصمعي الشعر باب من أبواب الشر إذا أدخلته في باب الخير لان . وقال أبو عمرو بن العلاء ما أحد إليّ أشدّ حبًا من شعر لبيد بن ربيعة ( الصحابي الجليل صاحب المعلقة الشهيرة لمن لا يعرفه ) وقد علل إعجابه به لذكره الله والخير ولإسلامه ( وهي أمور ليست لها علاقة بالشعر ) وعندما أراد أن يصدر حكمه في شعره قال ولكن شعره رحى بزر , أي بلا أي قيمة فنية . ودافع أبو بكر الصولي عن أبي تمام عندما اتهم بالكفر من بعض خصومه الحاقدين عليه وما رأيت أن كفرًا ينقص من شعر ولا أن إيمانًا يزيد فيه . وقال أحد العلماء لا يحضرني اسمه معللا عدم تدخل الدين بالشعر بتداول شعر الكفار الجاهليين وتقديم شعرائهم على شعراء الصحابة والمسلمين كامرئ القيس حامل لواء الشعراء في جهنم كما في الحديث الشريف المعروف . كما أن الكتب القديمة أوردت بعض الشعر الذي نال من رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ ممن عادوه من الكفار . و الأعشى الذي باع الإسلام بمائة ناقة ومات ولم يسلم وضعه المسلمون في الطبقة الأولى من شعراء الجاهلية . والأخطل التغلبي المسيحي الذي كان يتبجح بخمرياته وضعوه في الطبقة الأولى من شعراء الإسلام , ناهيكم عن حسان بن ثابت الصحابي الجليل والشاعر الفحل , وضعه ابن سلام الجمحي في طبقة شعراء المدن ولم يقدمه على من سواه من الشعراء لأنه كان يتعامل مع الشعر بمنهجية لا تؤمن بالتعصب معللا ذلك ضعف شعره في الإسلام وابن سلام هذا كان من نقلة الحديث ورواته وكان من الثقاة كما تقول المصادر
وحين سأل أحد شباب المسلمين حسانًا بأن شعره في الجاهلية أفضل من شعره في الإسلام , لم يكفره حسان ولم يضربه وإنما قال يا ابن أخي إن الإسلام يقتل الكذب. ويقول القاضي الجرجاني والدين بمعزل عن الشعر
من حق الجميع الايمان فكريا بما يرونه , غير أن هذا الايمان إذا تجاوز الضمير بطش بالآخرين من زوايا قد لا يراها إلا هو , وفي ظروف معينة , نعم إذا تجاوز الضمير يعتبر مشكلة ثقافة وأزمة وعي .
محاولة إيجاد ما يسمى بـ " الأدب الإسلامي " نحر للفكر وتشويه للثقافة وتجيير صارم للدين , وتحييد للأدب , ولعب على المكشوف على ذقون الناشئة من شباب الأمة . فالمسلمون الأوائل كانوا يتجنبون شعر الإسلام وينكبون على الشعر الجاهلي بسبب قيمته الفنية رغم كفر أهله , وقد أنزلوا الأخطل النصراني منزلا من الصدارة الشعرية لم ينزلوا بها أي شاعر من شعراء الإسلام الأول كحسان ـ رضي الله عنه ـ ولو فعل هذه الفعلة رجل من زماننا لحكم بأحكام تهتز لهولها السماوات والأرض
الوصاية موجودة شئنا أم أبينا وشعار " قل ولا تقل " قائم على قدم وساق , له رجاله المخلصون وأعوانه المنفذون .
سأكتفي بنشره هنا في هذه المتصفح , دون إعادة نشره في مكان آخر من هذا المنتدى