الأستاذ الفاضل / يوسف الانصاري
دعني أرحب بحضرتك أولا..
وثانياً دعني أرد على بعض ما ورد في مشاركتك ..
تقول :
فكر ناضج أن نسعى للإستقلال ..
حقاً .. لكن لن نستقل فقط بالحقول والصناعة ..
الرد :
أنا معك في هذا وذكري للصناعات كان على سبيل المثال لا على سبيل الحصر
ولا تنس أن موضوعي يناقش الغزو الثقافي الفكري ..
تقول :
نحن يا عزيزي لسنا مستعمرين فكرياً أو ثقافياً اطلاقاً ..
ان فكرنا اننا كذلك فسنكون .. وهذا غرضهم .. ؟
ردي سيكون : أنظر حولك فقط .. وقل لي ما هو الشيء النابع من الثقافة الإسلامية الأصيلة وما هو الشيء الدخيل عليها؟.. بداية من نظم الحكم نفسها مروراً بالقوانين حتى تصل إلى طريقة حياة الناس نفسها وسلوكياتهم مع بعضهم البعض ..
حدثني عن العولمة والنظام العالمي الجديد الذي صدعونا به على مدار العقود الماضية .. حدثني عن القرن الأمريكي ماذا يعني ؟ يا عزيزي حتى الشعوب الوثنية تستشعر خطر الغزو الفكري وتجابهه لتحافظ على هويتها الثقافية من الذوبان في الثقافات الدخيلة عليها ..
تقول :
اسمح لي يا عزيزي .. لن أقول قلدناهم .. ليس تقليد كما يشك ويطعن دائماً ..
الخطأ أننا جعلناهم يفكرون عنا دائماً ..
الرد :
وهذه العبارة تتناقض مع العبارة التي تليها مباشرة حيث تقول:
لكن ربما قمنا بتبني بعض أساليب الحياة التي لديهم ..
الرد :
وإن كان التبني حرام عندنا في الإسلام!! لكن أليس تبني بعض أساليب حياتهم نوع من التقليد لهم ؟..
تقول :
ليس عيب أن ننبهر بما لديهم استحقاق كونهم متفوقين علينا تقريباً في كل شيء .. وهذا ليس ضعف أبداً ..
الرد :
لا شك أن لديهم ما يبهرنا، لكن أن ننبهر بكل ما لديهم لمجرد أنه صدر عنهم، بصرف النظر هل يتفق هذا مع ثقافتنا أم لا، فهذه هي عقدة المنهزم دائماً مع عدوه .. ينتهي به الحال إلى الإعجاب بالمنتصر ومحاولة تقليده في كل شيء لمجرد أن يحاكيه ظاهرياً .. وبدلاً من أن نبحث على أسباب تفوقهم وانحدرانا، فنحن نرفع لهم الراية البيضاء ونسلمهم نواصينا يقودونها حيث شاءوا.. كما قلت أنت تركناهم يفكرون لنا .. حتى التفكير ..
تقول :
انا اقولها وبكل فخر .. لديهم كل ما احلم واطمح به ..
الرد :
هذا للأسف هو مربط الفرس وأصل العقدة التي تكلمنها عنها أنفاً .. هل هذا هو كل طموحك يا أخي الفاضل في الحياة ؟.. تطمح فيما لديهم من لعاعة الدنيا ؟
هم قوم عاشوا للدنيا بكل إخلاص فأعطاهم الله إياها وليس لهم في الأخرة من خلاق.. لأن الله حكم عدل .. لكن نحن مسلمون لنا هدف في الأرض وغاية أخروية. نمضي على قانون لو تخلفنا عنه سقطنا دين ودنيا .. وتقول : بكل فخر أن هذا هو ما تحلم وتطمح به وكأنك تطمح في جنة عرضها السماوات والأرض وليس بزخرف الحياة الدنيا ..
لكن للأسف هذه هي نتيجة طبيعية للغزو الفكري الذي نعانيه .. صار طموحنا في الأرض طموحاً دنيوياً كما يطمح الغرب .. والمسلم يبتغي فيما آتاه الله الدار الأخرة ولا ينس حظه من الدنيا ..
تقول :
لديهم أسلوب حياة أتوق له ..
الرد :
ما معنى أسلوب حياة ؟..
إن الله أخبرنا أنه خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملا..
فهل حياة الغرب تسير على هذا النهج الرباني ؟.. يعني هل هم محسنون بالمعنى الشرعي الكامل ؟ لو كان فأنا أول المتبعين لهم.
وما رأيك في أسلوب حياة سلفك الصالحين ؟ هل هو نفس أسلوب الغرب اليوم .. ألم يصغ لنا ديننا أسلوب للحياة تتميز به شخصيتك الإسلامية عن سائر الأمم؟ إذن لماذا نبحث عن أسلوب للحياة عند الغرب أو الشرق ؟ لو كان الدين أهمل الحياة أو نهج نهجاً لا يتماشى معها فهذا قادح فيه .. فهو دين موات لا حظ فيه للحياة على حسب هذا الزعم.
لكن الأمر سينجلي حينما نضع النقاط على الحروف .. ماذا تقصد بأسلوب حياتهم ؟.. لأن الكلام جاء على إطلاقه .. فأنا أستعمل الأنترت الذي صنعوه وأركب السيارات التي اخترعوها ، وفي نفس الوقت أحارب الغزو الفكري ولا أتوق إلى حياتهم هكذا بعجرها وبجرها، ولا أجد أي تعارض. الفرق بين الاستفادة من علوم القوم ومخترعاتهم وبين التقليد والسقوط في هواهم، كالفرق بين الذي يركب أحدث سيارة عند القوم لمصلحة مرسلة شرعية أو دنيوية .. وبين الذي يركب نفس السيارة لمجرد التشبه بهم في الظاهر لأن هذا يشعره بالفخر والتفوق، فهو يتشبه بالسيد الأبيض الرائع والمتحضر .. وقس على هذا في سائر المباحات ..
ما علاقة النهضة الحضارية والتكنولوجية التي نطمح فيها مثلاً بقصات الشعر والثياب وطريقة الأكل والكلام؟
يعني هل كل ما سبق سيجعلك متقدماً تكنولوجياً؟
أنت ترى في طرقات المسلمين مسوخ شائهة في الزي والكلام والحركات.. ومع ذلك ما نزال في ذيل الأمم .. ومع كل ذلك مازلنا نطمح في أسلوب حياتهم..
ولن نصير مثلهم إلا إذا تجردنا من ديننا لأن هذا هو عنوان ثقافة القوم .. طالما أنك مسلم فستظل بينك وبينهم عقبات .. لأن الثقافة كما أسلفت تنبع من العقائد ..
تقول :
هذا لأنهم احترموا حياتهم .. الشيء الذي جعلهم يديرونها بشكل صحيح ..
بينما نحن لم نستطع ان نلتزم بأقل قانون يمنع القاء المخلفات في الشوارع لنحافظ على النظافة كمثال ..
الرد :
طبعاً مسألة احترام حياتهم هذه ليست على إطلاقها أيضاً فأنت تنظر للقوم من خلال
الأفلام التي يصدروها لنا عبر الأقمار والتي تظهر الجانب المضيء من القمر غالباً ..
لعلك لا تدرك حقيقة الحياة عند القوم فعلاً .. لأن عين الرضا عن كل عيب كليلة.. والحقيقة أنهم كشعوب أيضاً يتم استغلالهم من فئات وعائلات بعينها تمتلك معظم الثروات لديهم.. وتتحكم في السياسات .. ولنضرب مثلاً باحترامهم الشديد لحياتهم.. هل سمعت عن تجارب الحكومة الأمريكية الطبية على مواطنيها على مدار عقود طويلة مضت والتي اعتذر عنها كلينتون في زمنه ؟ الحقيقة كانت تجارب غاية في الاحترام !!
وما رأيك في احترامهم لحياتنا نحن .. طبعاً رقيهم وتحضرهم معنا لم يترك شبراً من أراضي الإسلام إلا وفيه أثراً نفتخر به، ونتذكرهم عنده باكين متأثرين من لوعة الفراق ..
شيء محزن ومؤسف أن نجد من بيننا من يتشدق برقي وتحضر القوم وهناك دم أكثر من مليون ونصف طفل عراقي لم يبرد بعد .. هذا رقم في بلد .. بلد واحد مسلم قاموا باحترامه!!..
ثم نأتي لموضوع إلقاء المخلفات في الشوارع .. المشكلة هنا أن ديننا منذ ألف وأربعمائة عام علم الدنيا كلها النظافة ؟!..
لماذا لم نستوعب حقيقة مشكلتنا ؟.. ولماذا نهرب من الحل ؟ ولماذا نتصور الحل عندهم وهو نصب أعيننا ..
لن يرفع الله المذلة عنا باتباع أعدائه .. بل بالعودة إلى دينه ومنهج أنبيائه عليهم السلام .
تقول :
لا توجد مشكلة ابداً ان نلبس مثلهم ونأخذ الكثير من الأمور الرائعة التي لديهم بشرط أنلا تخالف قواعدنا الجوهرية ..
الرد :
بالنسبة للباس، فالقواعد المرعية التي تعلمناها من العلماء الذين استندوا إلى النصوص التي تحرم التشبه بغير المسلمين، أن الزي إذا كان أصله من عند غير المسلمين ثم شاع بينهم حتى إذا ارتداه المسلم لم يظن به أنه من غير المسلمين وليس فيه محرم من كشف عورة أو أن يكون من الحرير ألخ..) فهو مباح ..
وتحريم التشبه حكمته أن الهدي الظاهر مؤثر في الباطن بلا شك .. والمسلم له شخصيته المتفردة وهويته كذلك التي يحافظ عليها.. لذا كان اليهود في المدينة يتعجبون من مخالفة النبي لهم حتى في تغيير الشيب ..
ولو تأملت حكمة تحريم التشبه بغير المسلمين لانتهى الجدال في مسألة الغزو الفكري .
تقول :
على سبيل المثال ( الفن القوطي ) أحد أروع أنواع الفن بالنسبة لي ..
الرد :
و أنا أحب قراءة الأدب القوطي .. وهي تختلف عن العمارة القوطية وإن كانت مستمدة منها.. لكنني أبداً لن أصير قوطياً؛ لمجرد أنني قرأت قصة قوطية .. ولن أصير أمريكياً لأنني ركبت سيارة أمريكية .. لن أصير ولن أطمح.. وهكذا..
أعتقد أن هذا يضع الأمور في نصابها ويقرب المفاهيم بيننا أكثر..
تقول :
نحن نملك فكر منغلق على كل الإحتمالات التي تنص بأن بعض الأمور والمسلمات التي لو نوقشت فيها لتم نبذنا ..
من الدين والدولة والفكر والعروبة والإنسانية
الرد :
لاشك أن الانغلاق موجود عند البعض .. كذلك الانفتاح موجود عند الطرف الأخر على مصرعيه .. والحق دائماً وسط بين طرفي نقيض..
وبالنسبة للمسلمات إذا كنا نعترف أنها مسلمات فكيف سنسعى لمناقشتها وهي مسلمات؟! .. مناقشة المسلمات ينافي كونها مسلمة.. ومناقشة المسلمات العقائدية داخل نطاق أبناء الملة الواحدة منافية لحقيقة كونها مسلمة عقائدية مستقرة عندهم .. لكن إذا كنت تقصد أن هناك أمور اعتبرت مسلمات وهي ليست كذلك أو وقع فيها الخلاف فينبغي أن يكون هذا هو موطن النزاع..
هل هي من المسلمات أولاً أم لا؟.. فإذا لم تكن نبدأ ننظر في فحواها وهل تقبل أم لا ..
تقول :
لكن غالباً عندما تعرض فكرة فانها لا تملك حدود فكل الأفكار قابلة للنقاش بكل الرؤى الممكنة ..
أوليست هذه الحرية التي دعى لها الإسلام ..
الرد :
كلامك غير صحيح على إطلاقه .. (كل الأفكار قابلة للنقاش ) ما رأيك في مناقشة فكرة زواج المثليين؟
هل هي فكرة صالحة للمناقشة عندك ؟ ما رأيك في فكرة تقديس الفأر والبقرة .. فهذه أفكار وردت على عقول بشر ما أنزل الله بها من سلطان.. فهل هي قابلة للمناقشة والأخذ والرد عندك ؟
ما رأيك هل يجوز لمسلمين أن يتناقشا في صحة نظرية التطور وأن الإنسان تطور من القرد؟
طبعاً هذا لا علاقة له بالرد على كل ما سبق من أفكار باطلة قطعاً .. المناقشة شيء
والرد على الباطل وبيان جوانب بطلانه شيء أخر.. فالمناقشة والتباحث للأمور التي قد تقبل الصحة والخطأ أو التي لم يحسم أمرها في مجالها ..
فلا يمكن أن نجلس لنتناقش هل الثلاثة يمكن أن تكون أكبر من الواحد ؟.. وهل الشمس التي تسطع كل صباح حقيقة موجودة فعلاً أم لا.. لكن يمكن أن نرد على من يريد مناقشة ذلك فنقول له أذهب للطبيب النفسي للعلاج..
تقول :
المشكلة أننا لا نملك ..
- فكرا واعياً مستقلاً .. ( بل يفرض علينا ) ..
الرد:
فكراً واعياً ومستقلاً عن ماذا؟ مستقلاً عن التبعية للغرب ؟ أم مستقلاً عن ثوابتنا وتراثنا ؟ أم مستقلاً عن عقلية الخرافة والدجل والدخن التي تسللت إلى عقول أهل الإسلام بسبب البعد عن حقيقة الدين الصافي الذي جاء به محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ؟
أحسبك ستكون معي في الأولى والأخيرة إن شاء الله..
وختماماً أخي الكريم كانت مشاركتك طويلة لذا جاء ردي بحسبها، المهم أن نكون
جميعاً على كلمة سواء .. نفهم حقيقة مشكلتنا مع أنفسنا ومع أعدائنا .. وما هو واجبنا تجاه أنفسنا وتجاه ديننا .. وهي الأمانة التي خلقنا الله من أجل حملها.
وأسأل الله لي ولك التوفيق والسداد وأن يهيدنا سبيل الرشاد .. والله الموعد والمستعان ..