
حين تفتح نوافذ الجرح، يكون سير الرياح فيها عاتياً يبتلع العقل والهدوء، ولا يترك مجالاً سوى للتخبط يتغشى أنصاف الحلول ليكون القادم دوماً مخيفاً مفزعاً.
هكذا كنتُ حين تلقفتُ صوتكِ الآتي من عمق المحبة، تهدهدين أحزاني وتزرعين براعم ورد فتية فوق قبور روحي؛ حتى أتمالك وألملم ما تناثر مني ذات وجع.
لتلك المكالمات أو كما أحب تسميتها" الوشوشات" الصغيرة وقعٌ مختلفُ في روحي، فكلما أحسست بكبر الوحدة، كلما هاتفتني ويكأنكِ تقولين "أنا هنا لستِ وحدكِ يا غالية" فتطول بنا الدقائق والساعات وأنسى إني كنت غاضبة أو متعبة، وابتسم من أعماقي على تلك النكات العابرة أو التعليقات الساخرة التي تطلقينها من حينٍ لآخر.
بالأمس، وضعتِ يدكِ على عمق جرحي، واسترسلتُ أحكي حكايتي بلا رتوش ولا ألوان، وكأني أهبك جزءًا مني يرفض الهدوء لتتولين إعادة تشكيل حالته النفسية المعقدة لعله يستكين على يديكِ، وانتهت الوشوشة هنا، وأقفلتِ على أمل أن تنتظري مني رسالة قصيرة على هاتفكِ لأطمئنكِ ماذا حل بروحي بعد تلك الوشوشة الجميلة.
ارتميت في حضن النوم، لا ألوي على شيء، ولا أكذب لو قلت أني كنتُ هادئة وأنا نائمة حتى الكوابيس تلك الليلة لم تراودني.
كان الصبحُ مختلفاً خجلاً ومقلقاً، على رائحة القهوة بدأت أرسل لك الكلمات، أن اطمئني أنا بخير، فجاءت رسالتكِ صادمة وكأنها تفوق في وقعها ألف فنجان قهوة؛ كتبتِ" دعواتكِ، صار لي حادث في طريقي للمدرسة، أصيبت يدي واحتلت الرضوض جسدي، حتى ضغط دمي مرتفع..!!"
يا إلهي!! أحقاً، اتصل على هاتفكِ ولا مجيب، مرة، عشرة، لا مجيب، أرسل رسالة قصيرة فقط طمئنيني عنكِ، أيضاً لا مجيب.
الوقت يداهمني، والسيارة تنتظرني بالأسفل لأذهب لاجتماعي، وعقلي مشتت كل التشتت، فكيف أعيد ترتيب هدوئي، وتخطيت خوفي عليكِ بدعواتٍ مخلصة من قلبٍ يحبك أن يا رب هبها صبراً من لدنك وأحفظها، أسير لاجتماعي وأنا قلقة عليكِ، لأول مرة لم أخرس هاتفي، ومابين فكرة وأخرى يبزغ صوتٌُ أحببته لوجه لا أعرفه ولكني أعرف تلك الروح الطاهرة التي تسكنكِ، تمر الساعات بطيئة أعاود الاتصال ولا مجيب.
انتصف النهار، وتجاوزت ساعتي الواحدة وأنا أنتظر، وفجأة يأتيني صوتكِ مرتاعاً وجلاً خائفاً، وقد سكنه النحيب، تقولين أنكِ متعبه جداً، وأن ذلك الحادث كان مُخيفاً...!!
ماذا أقول لكِ حبيبتي، هوني عليكِ الحمد لله أنكِ خرجتِ منه بخير، كل شيء له عوض، كل الماديات تتعوض إلا أنتِ!
بعد سلسلة القلق التي انتابتني، سكنني هدوء غريب لا بل ليس غريباً؛ فهذا الهدوء مصدره أنكِ بخير رغم إصاباتكِ العميقة نفسياً وجسدياً، إلا أنكِ بخير وهذا يكفيني.
بودي أن أقطع المسافات ساعية إليك أهنئكِ بسلامتكِ، فوالله لأنتِ أغلى من روحي، بودي لو يتحول هاتفي لغيمة كبيرة تحملني إليكِ، أو حتى لهاتفٍ سحري يسكنه ماردٌ يظهر بالدعك؛ لأسأله أن يحملني أليكِ، ولكنها الظروف العقيمة التي تزيد من بعد المسافة وعمق العتمة التي بيننا، ولكني سأشعل لكِ شموعاً بيضاء، وأصلي كثيراً وأدعو الله لكِ بأن يحفظكِ دوماً ويرعاكِ؛ فأنتِ أختي التي لم تلدها أمي، ولكن القدر أهداها لي، فكانت نعم الهدية ونعم الأخت.
طَاقَاتُ الورود البيضاء أهديها إليكِ، مطعمه بسنابل نور تشبه روحكِ غاليتي، يا فراشة النور.