العشر الأواخر من رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ..الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه والشكر على ما أولى من نعم سابغة وهو الولي الحميد.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نستجلب بها نعمه ونستدفع بها نقمه وندخرها عدة لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من اتى الله بقلب سليم ونشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
اللهم يا عفو يا كريم عاملنا بالاحسان ولا تعاملنا بالميزان اللهم عاملنا بما أنت أهل له ولا تعاملنا بما نحن أهل له فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة ونحن أهل العصيان وأهل النسيان، اللهم حاسبنا بفضلك ولا تحسابنا بعدلك، أنت كما أثنيت على نفسك رب رحمن رحيم قادرجبارعفوكريم تحب العفو فاعفوا عنا , ليس لنا رب سواك ندعوه فاعفوا عنا و أعتق رقابنا يا رحيم.
انقضت عشرون ليلة ونستقبل العشر الأواخر..ليال شد فيها الرسول المئزر ..وليال فيها ليلة خير من ألف شهر ..يا سعد من احياها..ويا فرح من أعتقه الله من النيران فيها..ويا فرح من اعتكف لياليها اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره,
وأحيا ليله,وأيقظ أهله,وجد,وشد المئزر)رواه البخاري ومسلم
الأعمال الخاصة بالعشر الأواخر من رمضان
كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص العشر الأواخر من رمضان لا يعملها في بقية الشهر:
1) إحياء الليل:فيحتمل أن المراد إحياء الليل كله,ففي حديث عائشة قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم,فإذا كان العشر-يعني الأخير-شمر وشد المئزر)رواه أحمد
ويحتمل أنه يريد بإحياء الليل إحياء غالبه,ويؤيده في صحيح مسلم عن عائشة,قالت: (ما أعلمه صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى الصباح).
2) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيره من الليالي,قال سفيان الثوري:أحب علي إذا دخل العشر الأواخر أن يتجهد باليل,ويجتهد فيه,وينهض أهلله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك,وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطرق فاطمة وعليا ليلا فيقول لهما (ألا تقومان فتصليان) رواه البخاري ومسلم.
وكانت امرأة أبي محمد حبيب الفارسي تقول له بالليل:"قد ذهب الليل وبين أيدينا طريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا، ونحن قد بقينا".
يا نائماَ بالليل كم ترقد ****** قم يا حبيبي قد دنا الموعد
وخُذ من الليل وأوقاته ****** ورِداَ إذا ما هجع الّرقد
كم نام حتى ينقضي ليله ***** ثم يبلغ المنزل أو يتهجد
3) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشّد المئزر.واختلفوا في تفسيره، فمنهم من قال:هو كناية عن شدة جدِّه واجتهاده في العبادة، وهذا فيه نظر، والصحيح أن المراد اعتزاله للنساء، وبذلك فسره السلف والأئمة المتقدمون منهم سفيان الثوري، وورد تفسيره بأنه لم يأوِ إلى فراشه حتى ينسلخ رمضان وفي حديث أنس:"وطوى فراشه، واعتزل النساء".
4) اغتساله عليه الصلاة والسلام بين العشاءين لحديث عائشة:"واغتسل بين الأذانين"والمراد:أذان المغرب والعشاء قال ابن جرير:كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشرة الأواخر. وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة. ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر. وكان أيوب السختياني يغتسل ليلة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين. ويلبس ثوبين جديدين ويستجمر ويقول ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة أهل المدينة، والتي تليها ليلتنا، يعني البصريين.
فتبين بهذا أنه يستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظيف والتزين، والتطيب بالغسل والطيب واللباس الحسن، كما يشرع ذلك في الجُمع والأعياد، وكذلك يُشرع أخذ الزينة بالثياب في سائر الصلوات، ولا يكمل التزين الظاهر إلا بتزين الباطن بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى، وتطهيره من أدناس الذبوب، فإن زينة الظاهر مع خراب الباطن لا تغني شيئاَ.
ولا يصلح لمناجاة الملوك في الخلوات إلا من زين ظاهره وباطنه وطهرهما، خصوصاَ ملك الملوك الذي يعلم السر وأخفى وهو لا ينظر إلى صوركم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، فمن وقف بين يديه فليزين له ظاهره باللباس، وباطنه بلباس التقوى.
إذا المرء لم يلبس ثياباَ من التقوى **** تقلب عُرياناَ وإن كان كاسياَ.
5) الإعتكاف، ففي الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين).
وإنما كان يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر التي يُطلب فيها ليلة القدر، قطعا لأشغاله، وتفريغاَ لباله، وتخلياَ لمناجاة ربه وذكره ودعائه.
فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه.
فما بقى له هم سوى الله وما يُرضيه عنه، وكلما قويت المعرفة والمحبة له والأنس به أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله تعالى بالكليه على كل حال.
ليلة القدر
قال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر(1)وما ادراك ما ليلة القدر(2)ليلة القدر خير من ألف شهر)القدر
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شهر رمضان: (فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم)رواه أحمد والنسائي.
وقال مالك:بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى أعمال الناس قبله.أو ماشاء الله من ذلك.فكأنه تقاصر أعمال أمته ألا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر.فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر.
وأما العمل في ليلة القدر فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من قام ليلة القدر إيمانا واحتساباَ غُفر له ما تقدم من ذنبه". وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها والصلاة. وقد أمر عائشة بالدعاء فيها أيضا
قال سفيان الثوري الدعاء في تلك الليلة أحب إليّ من الصلاة. ومراده أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء، وإن قرأ ودعا كان حسناَ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد في ليالي رمضان ويقرأ قراءة مرتلة لايمر بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ فيجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكير. وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها.
وقالت عائشة رضي الله عنها للنبي عليه الصلاة والسلام أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال(قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني).
والعفو من أسماء الله تعالى وهو المتجاوز عن سيئات عباده، الماحي لأثرها عنهم، وهو يُحبُ العفو:فيحب أن يعفو عن عباده ويحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض:فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه وعفوه أحب إليه من عقوبته.
وإنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر، لأن العارفين يجتهدون في الأعمال، ثم لا يرون لأنفسهم عملاَ صالحاَ ولا حالاَ ولا مقالاَ، فيرجعون إلى سؤال العفو الُمذنب المقصر.
أسباب المغفرة في رمضان
عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(من صام رمضان ايماناَ واحتساباَ غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناَ واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه). وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من قام رمضان إيماناَ واحتساباَ غُفر له ما تقدم من ذنبه).}رواهما البخاري ومسلم
دل حديث أبي هريرة على أن هذه الأسباب الثلاثة كل واحدة منها مكفر لما سلف من الذنوب وهي صيام رمضان، وقيامه وقيام ليلة القدر، فقيام ليلة القدر بمجرده يكفر الذنوب لمن وقعت له، سواء كانت في أول العشر أو أوسطه أو آخره، وسواء شعر بها أو لم يشعر، ولا يتأخر تكفير الذنوب إلى انقضاء الشهر.
وأما صيام رمضان وقيامه فيتوقف التكفير بهما على تمام الشهر، فإذا تم الشهر فقد كمل للمؤمن صيام رمضان وقيامه، فيترتب له على ذلك مغفرة ما تقدم من ذنبه بتمام السببين، وهما صيام رمضان وقيامه.
فإذا كمل الصائمون صيام رمضان وقيامه فقد وفوا ما عليهم من العمل وبقي ما لهم من الأجر وهو المغفرة، فإذا خرجوا يوم عيد الفطر إلى الصلاة قُسمت عليهم أجورهم، فرجعوا إلى منازلهم وقدر استوفوا الأجر واستكملوه، ومن نقص من العمل الذي عليه نقُص من الأجر بحسب نقصه فلا يلُم إلا نفسه. قال سلمان: الصلاة مكيال، فمن وفى في له، ومن طفف فقد علمتم ما قيل في المطففين، فالصيام وسائر الأعمال على هذا المنوال:من وفاها فهو من خيار عباد الله الموفين ومن طفف فيها فويل للمطففين أما يستحي من يستوفي مكيال شهواته ويطفف في مكيال صيامه وصلاته.
غداَ تُوفى النفوس ما كسبت *** ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم *** وإن أساءوا فبئس ما صنعوا
كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من رده وهؤلاء(الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهُم وجِلة)}المؤمنون:60
وعن الحسن قال:"إن الله جعل شهر رمضان مضماراَ لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا).
فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون.
ومن أسباب المغفرة أيضا تفطير الصوام، والذكر، ومنها الاستغفار والاستغفار طلب المغفرة، ودعاء الصائم يستجاب في صيامه وعند فطره ومنها استغفار الملائكة للصائمين حتى يفطروا، فلما كثرت أسباب المغفرة في رمضان كان الذي تفوته المغفرة فيه محروماَ غاية الحرمان
فمتى يُغفرلمن لا يغفر له في هذا الشهر؟متى يُقبل من رُد في ليلة القد؟ متى يصلح من لا يصلح في رمضان؟ متى يصح من كان به فيه داء الجهالة والغفلة مرضان؟ كلّ ما لا يثمر من الأشجار في أوان الثمار فإنه يُقطع ثم يوقد في النار.
من فرط في الزرع في وقت البِذار *** لم يحصد يوم الحصاد غير الندم والخسار.
وداعاَ رمضان
عباد الله أن شهر رمضان قدر عزم على الرحيل، ولم يبق منه إلا القليل، فمن منكم أحسن فيه فعليه التمام، ومن فرط فليختمه بالحسنى، فالعمل بالختام، فاستمتعوا منه فيما بقي من الليالي اليسيرة الأيام.
واستودعوه عملاَ صالحاَ يشهد لكم به عند الملك العلام، وودّعُوه عند فراقه بأزكى تحية وسلام.
يا شهر رمضان ترقق.دموع المحبين تُدفق، قلوبهم من ألم الفراق تشقّق.
عسى وقفة للوداع تطفئ من نار الشوق ما أحرق، عسى ساعة توبة وإقلاع ترفو من الصيام كل ما تخرّق. عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق، عسى أسير الأوزار يُطلق، عسى من استوجب النار يُعتق، عسى رحمة المولى لها العاصي يُوفّق.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كان في بالي اكتب لكم موضوع عن العشر ولكن لضيق الوقت بحث ووجدت هذا الموضوع المفيد ,,,
؛؛؛ ودي ؛؛؛
أميرالشوق
نبض صادق