تحيّة وسلاماً يا يعرُب...
ما أصعب الكتابة ...!
تُشبه حكاية الحُلم مع الزمن ، الرياح و السُفن، اللقاء والفراق، الغيمة والمطر، الحرب والحُب، تُشبه الانتظار الذي لا ننتظر منه شيء، تشبه الوحدة والفراغ... و تُشبهك !!
.
من يُدرك حقاً ؛ أن هذا الذي يدور حول أصابعنا وتدور حوله الكلمات كأنها إلكترونات صغيرة مختلفة، تتباعد تارة ، وتتقارب أخرى، لتُنشئ مجالاً مشحوناً بالمعاني ، تلك التي تضيء لنا الطريق أو تردمه في قراطيسَ ما هي إلا وجوهٌ ننحتُها على الورق – وجهٌ للحياة ، وجهٌ للموت ، وأخيراً وجهٌ للنفس البشريّة هذه التي لا نعرفها بقدر ما نألفها ..!
الكتابة كيمياء صعبة ، والحياة كيمياء معقدة ، والحب الكيمياء التي لا ماهيَّة لها ..!!
هذا القلم يا صديقي كأنهُ نصلٌ حادَّ نغرسه في صدر كل ما يعترضنا على وجه هذه البسيطة ،
لنلوِّن الأوراق والعقول أو نُفسدها ، وكما أن في الكتابة قوة هي أيضاً قِلة حيلة أحياناً ، حين يستعصي علينا القول والفعل معاً ،
وكما أن الحب سعادة ، والسعادة حُب ، لا نستطيع أن ننكر أن هناك من أراق دمه من أجل الحُب وفي سبيله...
إذ أن كل شيء في هذه الحياة جهاد ، به نحيى و به نموت ،به نكون من أولى الألباب أو نكون من العابثين الفارغين ليس إلا..!
ولـــعمري إنك تُدرك يا صديقي كيف أن هذه الأرض تموج بنا ، و تَمَوَّرُ بنا أهوالها ، وما نحن سوى بحّارة أو رحَّالة ,,!
وكُلنا فان ..!!
لكن الحكاية تكمُن فيما نُخلده من أثر ؛ لا فيما نرثه من وجع .!
ولو أنَّ الكثير التفت إلى ذلك طيلة عمره ، لما توارثنا الخطيئة تلو الخطيئة ، ولما شقَّ أحدهم الأرض نصفين في سبيل أن يمتلك ما ليس بحوزته ،و ما هو ليس في الأصل له ،ولما صار بيننا ألف قابيل وهابيل ، ولوضعنا بيننا وبين كل جُرم حدّ ، كالقرآن تماما...!
فسلامٌ عليك أيُّها العبد الطاهر .. وسلامٌ على قلبك
وعلى روحك ومن تُحب وتهوى...
لن أستطيع قول ما يحِطُّ عن كاهلك وزر صدمات الحياة ، لكنني كالفلاح الذي يردِفُ الشجرة ببعض الحجارة كيّ تُعمِّر طويلاً ،
وهو لا يدري في الحقيقة , من منهما يردف ويظلل الآخر ...؟!
الشجرة أم الحجارة .!!
لكي نصل إلى أصدق الحقائق ؛ أنه كان يصنعُ له ظلاً ..!!
وأنا حين أنطِق إليك ، هو مما لقنتني إيَّاه هذه المدرسة / اللعنة الكبرى التي حلَّت على بني آدم ،
كيّ تجلدهُ وترممه وتجلده ثم تدفنهُ مطموراً بنواميسها ..!
جميعنا في الواقع نقف بين حقيقتين ، أحدهما تُشكل خسارةً ، والأخرى فقداً ..!
و كلاهما لا يطيق بنا الحال استيعابهما ، لكننا نعبر الفقد ولو بالعبرات ، ليتكفَّل الزمن بسلوانا ،
و حين نقف ونفقهُ على خسارة أحدهم / أقربهم .. خيانة أو كذباً أو أي شيء آخر مما يبدع الشيطان في استهواءه لهذا الإنسان الذليل لأفعاله ،هذا يعني أن نخسر عمراً بأكمله ، وبما في ذلك من صدق المشاعر وأجلَّ الذكريات وأكثر العلاقات قداسة ....
ولا نعبرهُ ولو بعد ألف سنةٍ بُكائية وُعزلة سوى بالاحتساب إلى الله وبالدعاء له / حُباً وخوف ..!
بالمناسبة ؛
هلاَّ حدثتني والعزلة ..هذه التي آثرت أن تحتويكَ بعيداً عن هذا العالم / وعني؟!
كيف تقضيها وكيف هي استطاعت أن تجعل منك رجلٌ أدار ظهره للأمس ،
ومضى إلى حيث لن يلتفت إلا ببعض كلمات يرصِفُها كبضاعة مُزجاة على نافذة ثكلى تبرَّأ منها المطر ,,؟!
بعد أن كنت رجُلاً يسكن المدائن ، ويحدِّث الأطلال ، ويرتعش ظله لسماع أغنية يرتلها الحنين ، ويحصي خطوات العابرين والراحلين ، وينتشي لذكراهم ..
هل تعلم ماذا يفعله الغياب بنا ؟
يحولنا إلى كائنات باردة ، بإبتساماتٍ فاترة، لا تستوعب معنى لأيَّ شيء جميل دون إستشعار السعادة بقرب من نحب ...
توَّد لو أنها تهشم كل تنهيدة شوق في عنق زجاجة الليل المعتم،
هم يغيبون ؛ ونحن نظَّل نُحصي شَعْر الليل / وجداً ، وننسف الشمس / برداً ، ونجاور المقاعد / انتظارا ، ونلكز ثغر الغيم بأصابع الحاجة علّهُ يُمطرنا بهم ..!
لا أدري لماذا هذه الحياة تهبنا شيء في سبيل أن تأخذ منَّا أشياء أخرى يا يعرُب?
هل هي تقيس مقدار هذا الصبر الذي لا يتجاوز عُمر ليلة محمومة بالبكاء ?!أم انها تمارس بنا حيلة النار والحطب ، تُقلبنا كيفما شاءت لتتوقد هي ؛ و نرمد نحن ، لنتمرَّد على الواقع أكثر ، ثم نتطاير هباءً أمام رياحها ...!
يعرُب...
ستسمعني ذات يوم أُغني في خاطر كل صباح لم يرتكبنا / حضوراً
أدندن بينما أهزَّ جذع الأمس، وتتأرجح في مقلتيَّ الذكرى ، ألتقط ثمارنا وقمحنا وسنابلنا...!
والأغاني التي سلهمنا نحوها وانتشينا...
ولاشكَّ أن صوتي مازال يصل إليك ..ولو في هيئة صدى ، يهِزُّ مابين حناياك.!
ثمة من يشتاق إليك يا يعرب ، بينما أنت تُناضل والعزلة بُغية أن تتطببَّ من جراحك ، وجراحات هذا العالم الرديء..!
ثمة من يقف على نافذتك يا يعرب ليُرشى العصافير والحمامات أن تنقرها حُبا وشوق
لعلك تصحو من غفوة الغياب هذه ، ولعلَّك تخرج من كهفك مذهولاً ، لتكتشف كما كان الغياب طاغياً ، وكم كان عمر الفقد دهرا ..!!
ثمة من يُمسك الدمع والعتاب ، والرسائل المحمومة بالنار كيّ لا تأتي وعين الشوق جافة،
ثمة من يخلُق لك ألف عذر وعذر ، وألف رسالة وأخرى
لعلك والدهر تستجيب...!
ثمة من يُلقي عليك التحيّة والسلام في كل رسالة أدِّس من بينها عطري ورياحين هذا القلب ،
و يختمها بـ / إلى لقاءٍ آخرَ ... في رسالةٍ أخرى ، وربَّما أخيرة .
29 أغسطس 2012