اتمنى أن تمروا على قصتي بعنوان (ذكرى)

[حـــصـة]

	تقابلا في الممر الطويل .. تصافحت الأيادي .. ارتعشت القلوب .. وصافرة القطار تدوي في المكان تعلن عن بدء انطلاقه . امسك يديهــا بقـــوة .. توســلها بعدم الرحيل .. أجـابته والـدموع في مقلتيها الســوداوين : بأنه يجب عليها الذهاب ، فهذا هو قدرها .. عانقها بحرارة كبيرة .. اشتم رائحة عطرها .. ولامست دموعها خديه .. بكى على صدرها .. رجاها مرة أخرى بأن تبقى ... ولكن لم تفد توسلاته .. لم تفد دموعه التي أنسلت من عينية بكل لهفة وعشق ..... رحلت .. ومنديلها لم يزل يرفرف من خلال نافذة القطار . ارتفع صوته باسمها .. ولكنها لم تجب .. انطلقت آهاته فملأت أرجاء المحطة .. ولكنها أيضا ضاعت مع خطوات المسافرين والزحام .... مشى تائه بلا هدف .. بلا شعور .. نظر إلى السكك الحديدية ليرى حبيبته .. وظل أوقاتهما السعيدة ، عندما كانا يدرسان .. عندما كانا يلعبان ويتهامسان بين أصدقائهما لم ينسى أول لمست يد .. أول قبلة قلب .. أول إحساس حب مع صديقته الصغيرة. منذ كانا طفلين رسم القدر طريق قلبيهما .. سمع ضحكاتها و غنائها .. رأى دموعها عندما تغضب منه. حاول مسك صورتها ولكنه امسك السراب المرسوم .. انحنى على نفسه .. بكى بشدة .... حتى أمطرت معه السماء فارتشف قطرات المطر المالح .. ملوحة أيامه التي يراها بعد فراق حبيبة عمره ....عصفت الرياح بقوة، ثائرة على هذا الفراق فحملت منديل المعشوقة للمعشوق ... امسكه .. وضمه لصدره . مضت الأيام والسنون و الجروح لم تلتئم .. والحبيب يسير في حياته حالما مرة ومنكسر مرات عدة .. فذكرى الرحيل لا تزال عالقة في ذهنه . ولكن ذلك اليوم كان مختلفا .. عندما يقرر القدر بعد الفراق أن يلتقي الحبيب بحبيبته .. تصافحت الأيادي .. ارتعشت القلوب .. استرجعا ذكريات الماضي الجميل .. نعم أصبح الحب بينهما ماضيا ! .. نظر إليها ومشاعر متضاربة تعصف به .. أحبها بكل عمق ولا زال قلبه يحتفظ ببعض منه .. ولكن الفراق الطويل أثر بقلبيهما... أمسك طفل صغير يدي محبوبته... مرغم إياها على الرحيل للبيت . .. ناطقا لكلمة تعتز بها أي امرأة : " ماما ... ماما " .. ودعته وفي ملامحها أسف وغربة .. وفي نظرته حنين وحزن .. رحلت للبيت الذي تمنى يوما أن يكون ساكنه .. وقف ناظرا لرحيل حبيبته .. وعواطفه اتجهت إلى المجهول .. جعل يردد قول جبران خليل جبران : كل هذا كان بالأمس، ومـــا كان بالأمس تولى كالضباب يا بني أمي إذا جاءت سعـاد تسأل الفتيان عن صب كئيب ومكان الجمر قد حل الرماد ومحــا السلــوان آثـار النحيب فإذا مــا غضبت لا تغضبوا وإذا نـاحـت فكـونـوا مشفقيـن وإذا ما ضحكت لا تعـجبـوا إن هـذا شـأن كــل العــاشقيـن ثم أخرج المنديل من جيبه الذي كان دائما يحتفظ به .. نظر إلية مليا ثم قال في نفسه : حتى رائحتها الزكية اختفت منه .. ثم أهداه للريح ليسافر مع القطار المتوجه لغروب الشمس ! .