الوقوف عند قبر مولاي...

[د. فريد ابراهيم]

1)
ها قد تركت الجسد الهزيل الكسيح وراءك
لتحلق في سماء الحرية الأبدية
فعلتها بنجاح يا أبت و فشلت كل محاولاتي لإبقائك في هذا الجسد ثانية
لم يبق في هذا الجسد سوا أنفاس مني
حاولت أن ابقيك بها حيا
عبثا كانت كل محاولاتي و عبثا كانت الدموع في مقلتيَّ
لم يبق في جوفك الا العدم و بقايا من عشاء تناولناه سويا
أتعجب كيف لم أرى الروح تخرج منك يا أبت و كأنها عبرت منك اليَّ
و حدقة عينك -التي خلت من الحياه- بدت كمراّة تطل عليَّ
لا أعرف لماذا كنت أثق في نجاتك
بالرغم مما كان في الموت من سكراتك
بالرغم من كل الزبد علي شفتيك
بالرغم من كل تشنجاتك
أبي .. انا إرثك على الأرض يا من أصبحت تحتها
انا الأنفاس التي لم ترض أن تحيا بها
انا حنانك و حرمانك
انا ذراعك اليمني و لسانك
انا شفرة حلاقتك و فرشاة أسنانك
انا من وارى تحت الثرى جثمانك
************************************
(2)
منذ قليل كنت معي ترشدني
ان ضلت الخطا الطريق
و الان انا أرثيك
أرثي أوفي صديق
أنظم كلمات لست أصدقها
فأنا لم أعط لنفسي الفرصة كي تختلي بي
كي تخبرني بالواقع الأليم
لم أعط لأفكاري الفرصة كي تترتب
و ترسم الجرح العميق
انا لم أفتقدك بعد
لم أجهش في البكاء بعد
لم أسقط في هوة النحيب
أيها الحبيب
انا امشي على خيط من الوهم دقيق
أُناجيكَ ... و أضحك معك
ضحكات سرعان ما تتلاشى ألوانها في شحوب وجهك الأخير
فأسقط في الاسود السحيق
في قاع الاحزان غريق
فمنذ قليل كنت معي ترشدني
ان ضلت الخطا الطريق
***************************************
(3)
بعد الفاجعة .. صرنا ثلاثة بعد أن كنا أربعة
انا و امي و اختي .. ثلاثة ملاعق في كل وجبة
بعد ان كنا أربعة
ان الحقيقة الموجعة .. أشمها في رائحتك التي لم تغادر المكان
اراها في كرسيك الفارغ .. في نظارتك المركونة
في عكازك الملقى بلا عنوان
بلا صاحب .. فقط ذكرى بلا إنسان
ان الحقيقة الموجعة .. تبدو في مراتي ساطعة
حين اطالع وجهك كلما وقفت أمامها
يا سابقي إلى الحرية الأبدية .. إشتقت إلى لقياك
نعم أناجيك و لكن إلى الجنون تدفعني نجواك
لا الدمع يطفيء لي نارا
و لا الوقت ينسيني ذكراك
يا مولاي ان الحقيقة الموجعة
"لا حيلة في نسيانك نافعة"

*************************************

********************************************** فريد