شاعرة أبعاد الجميلة حنين عمر لـمجلة شاعر المليون : حصلت على شيء أكبر من لقب أميرة ومليون درهم ...لقد حصلت على حقيقتي
حوار حنين عمر لـ مجلة شاعر المليون :
حاورتها شاعرة أبعاد: زينب عامر
- باب الجنة، كيف تفتحينه ومتى تغلقينه؟
الباب الحقيقي المؤدي لجنتنا موجود داخلنا، الجنة ليست مكانا جميلا بقدر ما هي شعور جميل، والشعور لا يمكننا غلقه أو فتحه ، لا يمكننا التحكم فيه بالريموت كنترول كالأبواب الألكترونية، إنه باب سري مغلق ومفاتيحه ليست في جيوبنا..إنها معلقة في مسمار ما على حائط القدر، أما أنا فامرأة في عتمة الليل تسير في شوارع الحياة تتلمس هذا الجدار....أتلمسه لا بحثا عن مسمار ومفتاح و باب ...إنما بحثا فقط عن ذاتي.
- حدثينا عن تجربة (كاظم الساهر) ؟
لقد تربيت في مدرسة الحب، هناك تعلمت وضع الشرائط الحمراء في شعري، وهناك تعلمت مبادئ الحياة الأولى ، ومبادئ القصيدة، ومبادئ الصدق، هناك تعرفت على نفسي التي بقيت نفسي إلى يومنا هذا، وهناك تعرفت على أصدقائي الذين ظلوا أصدقائي إلى يومنا هذا...مدرسة الحب هذه التي كان يديرها نزار قباني وكاظم الساهر هي ما جعل مني تلك التلميذة المتمردة التي أرادت أن تكتب شيئا جميلا علها تصنع درسا من تلك الدروس التي كان يصنعها هذان الرجلان لملايين الناس. غادر الأستاذ نزار قباني قبل أن يرى نتيجة جنوني وظل الأستاذ كاظم الساهر ليمنح لهذا الجنون معنى أوسع وأعمق وأروع. إن لهذا الرجل أفضالا كثيرة عليّ منذ سنوات طويلة: أدين له بحقل من ورد المعاني الجميلة التي زرعها بفنه في قلبي حينما كنت صغيرة، أدين له بدهشتي الطفولية أمام أغنية زيديني عشقا وشعوري بتلك الرغبة العظيمة التي دفعتني إلى الكتابة..الكتابة...الكتابة لعلي أصل يوما إلى صنع قصيدة تشبه بهاءها, أدين له بتعريف العروض الذي لم يخبرني أحد قبله بوجوده، وكان له تواضع لن أنساه حينما حاول مساعدتي فيه...مساعدة وتشجيع تلك الصبية التي تريد أن تصبح شاعرة، واليوم هاهو يختار من شعر تلك الصبية نفسها التي أصبحت شاعرة الآن وأهدته ديوان "باب الجنة" لا كما تهدي شاعرة ديوانها لمطرب كبير إنما كما تهدي التلميذة إنجازها الجميل لأستاذها. أليست هذه حكاية تشبه كثيرا حكاية أليس في بلاد العجائب ؟ وما يحدث في بلاد العجائب لا يمكن أن نفسره منطقيا ولا أن نتحدث كثيرا عنه .. إننا نبتسم له فقط.
- ما جديدك خلال 3 سنوات بعد أمير الشعراء الأول؟
أعتقد أنني من أكثر شعراء البرنامج تطورا وحركية : صدر لي ديوانان وأصبح الثالث جاهزا ،كما أنوي إصدار رواية ثانية قريبا ولدي 4 كتب جاهزة في مجال الدراسات التراثية والنقدية أنتظر الوقت المناسب لإصدارها مع مشروع فكري أشتغل عليه في الفلسفة وعلم النفس، إنني مدللة فعلا... أشارك في محافل أدبية كبيرة، وأقيم أمسيات منفردة خاصة بي دون أن يكون نصف الكراسي في القاعة فارغا، حصلت على صفحة خاصة في مجلة فنية لا يحصل عليها إلا المشاهير، تم اختياري العام الماضي ضمن قائمة أفضل 30 شاعرا عربيا مجددا في الصورة الشعرية خلال الخمسين عاما الأخيرة، وأصبحت أحيانا حينما أزور بلدا ما لا أضطر إلى تعريف نفسي في الوسط الثقافي. بالمختصر: مررت من صف المبتدئين الذي كنت فيه أيام "تجربة أمير الشعراء" إلى صف المحترفين خلال هذه الأعوام الثلاثة، وبهذا يكون "أمير الشعراء" قد شكل نقطة تحول مهمة في مسيرتي الأدبية، حيث توقفت بعده عن الكتابة لسنة ونصف تفرغت فيها لالتهام كل تجارب الشعر والفلسفة والأدب والفكر لأهدم تجربتي المتواضعة المبنية بالطوب والقرميد وأبني فوق مساحة أرضي تجربة من الإسمنت المسلح والخرسانة بلمسات هندسية فنية، وأعتقد أن فكرة البرنامج أصلا وضعت من أجل هذا الهدف الذي يخيل لي أني قرأته في شروط البرنامج عام 2007 أي " التعريف بالمواهب الشابة ودعمها وصقلها " لتخرج إلى العالم بشكل أجمل وأقوى ...وهذا تماما ما حدث معي، فبرأيي برنامج أمير الشعراء خلق ليكون بداية للشعراء القادمين وليس نهاية للشعراء الكبار بحصولهم على لقب "أمير". لكن عموما أعتبر نفسي حصلت على شيء أكبر من لقب أميرة ومليون درهم ...لقد حصلت على حقيقتي.
- ديوان (سر الغجر) قصائد ما بين 2003 – 2005، لماذا تختار حنين عام 2009 لطباعتها؟ وما هو سر الغجر؟
ديوان سر الغجر كان مبرمجا للإعدام شأنه شأن تسعين بالمئة مما كتبته قبل عام 2007 ، لكنه أفلت من هذا الحكم بأعجوبة لحكمة قدرية مدهشة، وبعد سنتين فوجئت بهذا الديوان يخرج للحياة بعد أن نسيته تماما، فوجئت به يجيء ذات صباح باكر بكامل أناقته وبكل ما كان في داخله من جنون مارسته خلال المرحلة البحرية التي كنت أحاول فيها تكثيف لغتي، إنه ديوان عصامي بامتياز اختار لنفسه أن يعيش وأن يفرض نفسه على العالم ويختار غلافه دون إذني ويضرب عرض الحائط بإرادتي البراغماتية، لهذا أحترمه جدا ...أما الحكمة المدهشة فتتمثل في كون هذا الديوان كان سببا في زيارتي لأبوظبي عام 2009 وفي ولادة ديواني الثاني "باب الجنة" الذي صدر عن أكاديمية الشعر هذه السنة والذي له قصة جميلة ثانية...مرة أخرى حكاية من حكايات أليس في بلاد العجائب !
- أنت بدأت بالرواية وانتهيتِ بالشعر، فهل انقطع معين الرواية؟ مع العلم أنك انتهيتِ بما يبدأ به الآخرون ويكملون الرحلة إلى الرواية.
لم ينقطع معين الرواية عني أبدا، ولعلي لو توفاني الله قريبا قبل أن أدمر كل كتاباتي فإن من سينبشون غرفتي وذاكرة لابتوباتي سيجدون الكثير من الروايات المركونة للنسيان بمزاجي، كل ما في الأمر أنني أنتظر هذا المزاج ليرغب في نشر رواية ثانية...حاليا أشعر أنه يفكر ربما في فنجان شاي ثان!
- دائما تعلقين على المجتمع العربي بأنه يعاني من الشيزوفرينيا ( انفصام الشخصية) فكيف تفسرين ذلك؟
أعني ما هي ازدواجية الشخصية العربية في نظرك؟.
يفتقر مجتمعنا كثيرا الى الصدق والصراحة ليس فيما بيننا فقط إنما في ما بين الشخص ونفسه، إننا نتعايش مع بعضنا بأقنعة تلتصق بوجوهنا الحقيقية حد أن البعض ينسى شكل ملامحه، وليس هناك تفسير منطقي سوى أننا درجنا على تقبل مثل هذه الأفعال والتغاضي عنها مما يشجع على ممارستها، هناك أمثلة كثيرة على هذا سيطول شرحها هنا، وقد أدرجت دراسة عن الموضوع في جزء من كتابي عن الكاريزما النفسية، حيث توصلت من خلال ما أجريته من استطلاعات إلى كون السبب في ستة وسبعين بالمئة من الحالات هو أن الناس يخافون من حقيقتهم، أو بالأحرى من نظرة من حولهم لهم أي لهذه الحقيقة، فالفرد العربي يعيش من أجل محاولة إرضاء هذا الآخر لا من أجل أن يجعل الآخر يتقبله على حقيقته، إننا لا نهتم بتجميل الجوهر بقدر اهتمامنا بتجميل المظهر، لا نفعل ما نريده إنما ما يريد المجتمع أن نفعله، وهذا يولد الكثير من المشاكل النفسية والانحرافات السلوكية التي تتفجر في البنية الاجتماعية التحتية بشكل خفي بسبب قمع الذات ومحاولة تقييدها بما لا يتطابق مع طبيعتها، والكارثة أنه في النهاية يعيش الإنسان العربي ويموت دون أن يعيش فعلا.
- علاقة الطب بالشعر .. أين تكمن في حنين عمر؟
الطب والشعر عكس ما يبدو قريبان جدا فلسفيا من بعضهما، إن رؤية العالم في كلا المجالين تتمركز في زاوية الألم...الألم الإنساني المطلق في بنية الروح والجسد، حتى إن كانت المقارنة غير واردة بين مهنة علمية و موهبة أدبية، فحينما أرتدي مئزري الأبيض أنسى تماما اللغة العربية وأفصل أجهزتي الدماغية المرتبطة بمراكز تشغيل محركات الكتابة، حتى أنني حاليا أفكر أن اترك الكتابة لحساب الطب من أجل القيام بدراسات عليا في أوروبا لأني اكتشفت مؤخرا أن مهنتي تستحق هذا، ولأن الدكتورة حنين عمر امرأة أقل جنونا وأكثر حكمة ...أقل انفعالية وأكثر هدوءا، أقل قلقا وأكثر ثقة ...وهذا ما يميزها عن الشاعرة ويجعلني أحترمها أكثر.
- في إحدى عكاظيات الشعر الجزائرية، قلتِ أنك تشعرين بالظلم في الوسط الثقافي الجزائري، ما الأسباب والدوافع في رأيك؟
صدقا..لم تعد الأسباب تهمني الآن ولا حتى الدوافع، لقد أصبح لدي عالمي الخاص بي واشتغالاتي النصية واحترامي لنفسي، ولست بحاجة لظلم أو لإنصاف من أحد، ربما في زمن مضى كنت أتضايق قليلا ..ربما كنت أحاول أن أجد في تمسكي بثوب البحر في الجزائر انتماءً يشعرني باغتراب اقل، ربما كنت أحاول أن أفهم لماذا أشعر دائما أنني الغريبة، أما الآن فالمهم أن جواز سفري "جزائري" ولا يمكن لأحد أن يجردني من جنسيتي ومن أغنيات الحب التي أتبادلها مع النوارس في سماء وطني، وعدا ذلك لا أريد شيئا من الآخرين، لهم شعرهم ولي شعري.
- الإشاعات كثيرة على الشاعرات، فما هو نصيبك منها؟
تتردد أحيانا بعض الإشاعات الغبية أو المضحكة، لكنها في النهاية لا تهمني كثيرا، من يعرفونني جيدا يعرفونني جيدا ولا حاجة لشرح أي شيء لهم ومن لا يعرفونني لا يهمني إن صدقوا أو لم يصدقوا في النهاية، فقد اتخذت منذ فترة شعارا رائعا في الحياة: " كوني صادقة وليذهب العالم إلى الجحيم" وهذا ما أطبقه حاليا بسعادة ربة بيت وجدت وصفة طبخ تنجح في كل مرة إلا أن ربة البيت هذه تتوق بشغف كبير لأن تشتري سيارة لومبرغيني أو بورش آخر موديل من تعويض المحكمة إن كان لها الحظ الكريم في أن تمسك بأي شخص يتعدى خط الشائعات السخيفة ليدخل في منطقة شائعات تسمى قانونيا في مواد الأحوال الشخصية " القذف وإيذاء الشخصية المعنوية" وهذا ما اسميه أنا " عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم "...خير كثير!
- حنين عمر بين عشق البحر في الجزائر.. وعشقه في الإمارات، على أي من البحرين تلوذين للبكاء؟
بالتأكيد على بحر أبوظبي، فأنا نادرا ما أنزل إلى كورنيش العاصمة في الجزائر مع أنه صديقي أيضا، لكنني في أبوظبي تقريبا لا أفارق مقاعد كورنيش المدينة، هناك يمكن أن أجلس ساعات طويلة جدا دون أن أشعر بالملل، أتحدث مع هذا الأزرق الذي يعرفني جيدا يعرف قصتي ،يعرف أسراري وأحزاني ودموعي وابتساماتي، ذلك الأزرق الذي له وحده يمكنني أن أقول كل ما يؤلمني لأنه ليس مجرد بحر : ليس بعض الماء والملح ....إنه اكثر بكثير من ذلك، إنه صديقي...صديق اشتاق جدا له.
- الحب هو اللعبة الوحيدة التي يربح بها الطرفان أو يخسران معا.. فماذا ربحتِ وماذا خسرتِ؟
سأوسع قليلا مفهوم الحب هنا ...سأتحدث عن الحب بمعناه الأوسع، أحيانا نحب أناسا لكنهم يؤلموننا، نخالهم أصدقاءنا ولكنهم يتغيرون فجأة ونكتشف أن لعب كوتشينة الصداقة معهم كان أسوأ شيء فعلناه لأنهم يعتبروننا جزءا من ورق اللعب...يلعبون بمشاعرنا وعواطفنا ومحبتنا وصدقنا وحينما تنتهي رهانات مصالحهم يديرون ظهورهم ببساطة ويختفون بلا تفسيرات، لا أحب اللعب مع هؤلاء الناس...وفوجئت في حياتي وفي سن متأخرة بالكثير منهم لهذا توقفت عن كوني غبية وأصبحت أعرف كيف أميز جيدا بين صديق حقيقي وصديق من ثلج حينما تطلع الشمس يتبخر. أما الحب بمعناه الضيق فأختلف معك في النظرية لانه لعبة كوتشينة أيضا لهذا هناك دائما خاسر ورابح ، هناك دائما غالب ومغلوب، هناك دائما بالمختصر ظالم ومظلوم وحينما تنتهي اللعبة أحدهما يسحب الجوكر والآخر يسحب خيبته.
- الحلم إلى أين وصل بحنين عمر؟
إنني أتساءل تقريبا دائما نفس السؤال لكن بصيغة أخرى : حنين عمر إلى اين وصلت بالحلم ؟ لعلي لا أريد أن أجيب نفسي لأن الإجابة لن تروق أحدا، ببساطة : أشك في وجود حنين ....لعلها مجرد حلم و لا يوجد حلم إنه مجرد وهم ...والوهم مجرد ضوء بعيد في عتمة الحقيقة. وكل ما يحدث الآن لي هو ما كتب على ذلك الجدار...الجدار الذي فيه ذلك المسمار حيث تم تعليق مفتاح الباب السري.