مفاهيم الظلم في الإسلام
في مقولة لأحد العارفين : يقول:
حين أرى الظلم في هذا العالم ..أسلي نفسي دوما بالتفكير في أن هناك جهنم تنتظر هولاء الظالمين.
الظلم الذي نعنيه هنا هو ظلم كل ظالم مستبد على عباد الله من أي فيئة كان
قال أبو يزيد البسطامي رحمه الله خرجت إلى الجامع يوم الجمعة في الشتاء فزلقت رجلي فمسكت بجدار بيت فذهبت إلى صاحبه فإذا هو مجوسي فقلت قد استمسكت بجدارك فاجعلني في حل قال أو في دينكم هذا الإحتياط قلت نعم قال أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
وقال الإمام النووي في بستان العارفين قيل لأبي سليمان الداراني بعد موته في النوم ما فعل الله بك قال أخذت عودا من حمل شيخ باب الصغير فأنا في حسابه منذ سنة.
هذا فكيف بمن يستولى علي خيرات شعوب فقيرة سواءً كانت مسلمة أو غير مسلمة.
وقال الشبلي رحمه الله في مرضه الذي مات فيه علي درهم تصدقت عنه بألوف فما على قلبي شغل أعظم منه
يقول أحد العارفين
إذا كان رؤوس الظلم من البشر هم أساس الفساد على وجه المعمورة, فإن أعوانهم وأتباعهم لا يقلون عنهم سوءا ولا ذما, فإنما انتشر الظلم في الأرض من خلالهم, وإنما مورس القهر والبغي على الناس بقوتهم و أيديهم, فمن هو فرعون لولا جنده وأتباعه وأعوانه كمثل هامان وأشكاله.
ومن هذا الباب جاء ذكر "الملأ" في القرآن الكريم بصيغة الذم والقدح والتوبيخ, نظرا لكونهم أعوان الظلمة وأتباعهم, قال تعالى على لسان قوم هود: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} الأعراف/66 , وقال تعالى على لسان قوم صالح: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ...} الأعراف/75 .
وفي العصر الحديث نشهد نماذج كثيرة ومختلفة لأعوان الظلمة, سواء كانوا من التجار والأغنياء ممن يدعمون المستبدين بأموالهم, أو من الإعلاميين ممن يروجون لأكاذيب الطغاة وأساطيرهم, أو من المفكرين والعلماء الذين يبيحون ظلم الظالمين ويشرعنون بغيه ويلبسون على الناس أمور دينهم ودنياهم.
وأمام تزايد أعداد هؤلاء وانتشار هذه الظاهرة, كان لا بد من بيان عظيم جرم هؤلاء أمام الله تعالى, وهول العقوبة التي تنتظرهم في الدنيا قبل الآخرة, عسى أن يؤثر ذلك في البعض فيرتدعوا ويرعووا, أو يكون على أقل تقدير من باب أداء الواجب في البيان والتبيان.
التحذير من موالاة الظالمين
نظرا لكون المنهج المسطور في كتاب الله تعالى منهج إلهي, فإنه متكامل ومتوازن وعادل, فلا يمكن أن يعاقب على فعل أو ترك مما يعتبر جريمة أو مخالفة, إلا بعد بيان الحق من الباطل والصح من الخطأ فيه, ليكون الناس على بينة من أمرهم, ولتقوم الحجة عليهم أمام الله في الدنيا قبل الآخرة.
ومن هذا الباب جاء التحذير الإلهي من موالاة الظالمين أو تقديم أي عون أو دعم لظلمهم وبغيهم في الأرض, منبها على العقوبة المترتبة على ذلك, ولعل أوضح آية في هذا الباب قوله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} هود/113.
قال الجوهري وغيره من أهل اللغة: الركون السكون إلى الشيء والميل إليه, وقال البغوي: هو المحبة والميل بالقلب, فإذا كان الميل بالقلب للظالمين منهي عنه ومحذر من شدة عقوبته, فمن المؤكد أن مساعدتهم ومؤازرتهم وتقديم الدعم لهم داخلة في النهي من باب أولى,
وقد نقل ابن كثير والقرطبي وغيره من المفسرين عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسر "الركون" بالميل إلى الذين ظلموا, أو الركون إلى الشرك, أو المداهنة, وقال السدي: لا تداهنوا الظلمة, وقال أبو العالية: لا ترضوا بأعمالهم, وعن عكرمة: هو أن تطيعوهم أو تودوهم أو تصطنعوهم, وهي جميعها معان للموالاة بكافة أنواعها, بدءا بالميل القلبي مرورا بالرضا بأفعالهم ومداهنتهم, وانتهاء بمساعدتهم وتقديم الدعم لهم.
وإذا كانت موالاة الظالمين والطغاة محرمة في القرآن الكريم بشكل عام, فإن موالاة اليهود والنصارى محرمة ومنهي عنها بشكل خاص, قال تعالى مخاطبا المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} المائدة/51.
عقوبة موالاة الظالمين
إذا كانت عقوبة الظالمين في القرآن الكريم شديدة فإن عقوبة أتباعهم لا تقل قسوة و شدة, وإذا كانت نهاية العتاة والجبابرة والمتكبرين في القرآن الكريم وخيمة, فإن نهاية أعوانهم ومواليهم لا تقل سوءا, فهم شركاء في الجريمة, فلا بد أن تكون العقوبة شاملة لهم تبعا لذلك.
ولا تقتصر عقوبة أتباع الظلمة وأعوانهم على الدار الآخرة, بل تطالهم في الدنيا قبل يوم القيامة.
أهم العقوبات الدنيوية لأتباع الظلمة
1- الذل والمهانة والعبودية لغير الله تعالى: ولعل هذه العقوبة من أشد وأقسى العقوبات الدنيوية لأتباع الظلمة, فهم في الدنيا عبيد أذلاء لبشر مثلهم, استعبدهم وأذلهم وأخضعهم لخدمته وخدمة شهواته, واسمع للتعبير القرآني عن هذا الذل والهوان لهؤلاء الأتباع من خلال قول الله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} الزخرف/54
كما يظهر هذا الهوان والذل في ملأ فرعون أيضا من خلال استعباده لهم: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} القصص/38, فهل هناك ذل أشد من أن يعبد الإنسان بشرا مثله؟!!
2- اللعنة وسوء الذكر والسمعة في الدنيا: فلا يذكرون إلا بالسوء والقبيح, وذلك عكس مقصودهم من مداهنة الظالمين وموالاتهم, إذ كانوا يبتغون رفعة الذكر والسمعة والمكانة بالتقرب إليهم ومساعدتهم على الظلم في الدنيا, فكانت عقوبتهم بنقيض هدفهم و مقصودهم, قال تعالى: {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} القصص/42.
3- الميتة السيئة القاسية: فجميع أعوان الظلمة وأنصارهم ماتوا شر ميتة, وكانت نهايتهم قاسية وخيمة, بدءا بأتباع فرعون الذين غرقوا معه ولاقوا نفس المصير: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} القصص/40, وصولا إلى أتباع الظالمين والطغاة في العصر الحديث, ممن يلقون أسوء مصير وأبشع ميتة.
لقد وصف لنا القرآن الكريم شدة انتزاع الروح من الظالمين وأعوانهم, والهوان والكرب الذي يلاقونه عند سكرات الموت, قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} الأنعام/93.
عقوبتهم في البرزخ والقبر:
ذكر القرآن الكريم أن لأتباع الظالمين وأنصارهم عقوبة في الحياة البرزخية في القبر, وذلك من خلال قوله تعالى: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} غافر/45-46.
والحديث في الآية ليس عن فرعون وحده , وإنما عن فرعون وآل فرعون من أتباعه وأعوانه ومن والاه, وقد ذكر القرطبي وغيره أن جمهور العلماء عَلَى أن هذا العرض في البرزخ, واحتج بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَثْبِيتِ عَذَابِ الْقَبْرِ بهذه الآية, وقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الدُّنْيَا، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ عَنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ :" وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ" . الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 15/319 .
عقوبتهم يوم القيامة:
أما عقوبة موالاة الظلمة في الآخرة فهي نفس عقوبة الظالمين, والتي تعتبر العقوبة الأشد والأبقى والأعظم, وهذه العقوبة لا تقتصر على الدخول في نار جهنم – والعياذ بالله - فحسب, وإنما تأخذ أشكالا وألوانا من العذاب غير ذلك.
1- العذاب الأشد يوم القيامة: قال تعالى: { ...وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} أي: أشده ألما وأعظمه نكالا كما ذكر ابن كثير في تفسيره.
2- شدة الأهوال يوم القيامة: فقد خص الله تعالى الظالمين وأعوانهم بأهوال كيفية قيامهم من قبورهم ومجيئهم إلى قيام المحشر, فقال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} ابراهيم42-43, فهم يخرجون من قبورهم مسرعين رافعي رؤوسهم, وأبصارهم طائرة شاخصة يديمون النظر لا يطرقون لحظة لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة لما يحل بهم, كما ذكر ابن كثير.
3- العذاب المستمر الذي لا فداء ولا خلاص منه: فقد ذكر الله تعالى أن عذاب الظالمين وأعوانهم مستمر سرمدي لا نهاية له, قال تعالى: { ...أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ} الشورى/ 45, أي: دائم سرمدي أبدي، لا خروج لهم منها ولا محيد لهم عنها.
كما أن هذه العقوبة لا فداء منها, قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} الزمر/47, فالظالمين وأعوانهم الذين أكلوا حقوق الناس بسيف سطوة وقوة بغيهم, يتمنون لو يفتدون عذاب يوم القيامة بأضعاف ملئ الأرض ذهبا ومالا, ولكن لا فداء ولا افتداء.
4- براءة الظالمين من أتباعهم عقوبة أخرى: حيث يتبرأ الطاغية والظالم من أتباعه وأعوانه, مما يعتبر عقوبة معنوية إضافية لأتباعه, لأنهم كانوا يعتقدون أنه سيغني عنهم شيئا يوم القيامة, أو أنه يمكن أن يخفف عنهم العذاب الأليم.
والآيات في هذا المعنى كثيرة منها قوله تعالى: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} البقرة165-167.
ومنها قوله تعالى أيضا: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} سبأ/31-33.
بل إن الشيطان الذي يعتبر أظلم الظالمين يتبرأ من أتباعه وأعوانه يوم القيامة, بل ويدعي إيمانه بالله وكفره بمن أشرك به سبحانه, {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ابراهيم/22 .
إنه الجزاء من جنس العمل الذي وعد الله به الناس أجمعين, فمن كان عونا للأنبياء والصالحين ومواليا لهم ومتبعا لهداهم, نال السعادة والذكر الحسن في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة, ومن كان تبعا وعونا للظالمين والطغاة والمتكبرين, ألبس ثوب الذلة والمهانة في الدنيا, والعذاب والهوان يوم القيامة.
وقال القشيري يؤخذ بدانق واحد سبعمائة صلاة وتوقف فيه القرطبي لقول الله تعالى ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وفي الحديث أن رجلا قال يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله أيكفر الله عني ذنوبي قال نعم وأنت صابر محتسب إلا الدين وفي حديث آخر والذي نفسي بيده لو أن رجلا قتل في سبيل الله ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة قال القرطبي محله فيمن مات وهو قادر على الوفاء أو لم يوص به أما من استدان في حق ومات وهو معسر فإن الله تعالى يؤدي عنه بفضله لما رواه أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يدعو صاحب الدين يوم القيامة فيقول له ابن آدم فيما أضعت حقوق الناس فيما أذهبت أموالهم فيقول يا رب لم أقصد ولكن أصبت إما غرقا وإما حرقا فيقول أنا أحق من قضى عنك فترجح حسناته على سيئاته فيؤمر به إلى الجنة وفي الحديث من أقرض دينا إلى أجله فله بكل يوم صدقة إلى أجله فإذا حل الأجل فله بكل يوم مثل الدين صدقة.
دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فوجد أبا أمامة رضي الله عنه جالسا فقال ما لي أراك في المسجد في غير وقت الصلاة فقال هموم لزمتني وديون يا رسول الله قال أفلا أعلمك كلاما إن قلته أذهب الله همك وقضى عنك دنيك قلت بلى يا رسول الله قال قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال..
قال أبو بكر الصديق علمني رسول الله دعاء كان عيسى عليه السلام يعمله لأصحابه وقال لو كان على أحدكم جبل أحد دينا فدعا الله بذلك لقضاه الله عنه وهو هذا اللهم فارج الهم كاشف الغم مجيب دعوة المضطرين رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما أنت ترحمني فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك قال أبو بكر كان علي دين فقضاه الله عني قال كعب الأحبار والله إنه لفي التوراة من دعا بهذا الدعاء قضى الله عنه دينه وكفاه عدوه..
وامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على ميت لدين عليه فجاء جبريل بدراهم قدر دينه وقال عليه السلام يا محمد فإنه كان يقرأ قل هو الله أحد كل يوم مائة مرة..
الرابعة: رأيت في كتاب الدعاء لأبي الدنيا عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان عليه دين قال اللهم منزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم ورب جبريل وميكائيل واسرافيل ورب الظلمات والنور ورب الظل والحر أسألك أن تفتح لي باب رحمتك وأن تحل عقدتي من ذنبي وأن تؤدي عني أمانتي إليك وإلى خلقك قضى الله دينه...
حكاية: كان في بنى إسرائيل ثلاثة قضاة فأراد الله أن يمتحنهم فأرسل الله إليهم ملكين أحدهما على فرس ومعها ولدها والآخر على بقرة فدعا صاحب البقرة المهرة فتبعته فقال صاحب الفرس هي بنت بقرتي وقال الآخر هي بنت بقرتي فتخاصما إلى قاض منهم فدفع له صاحب البقرة الرشوة فحكم بأنها بنت البقرة ثم ذهبا إلى الثاني فحكم كذلك ثم ذهبا إلى الثالث فقال إني حائض فقال الرجل يحيض فقال كيف تلد البقرة فرسا فهذان قاضيان في النار وقاض في الجنة...
حكاية: نقل ولي الله تعالى الشيخ العارف بالله تقي الدين الحصني في قمع النفوس أن قاضيا صالحا حضره الموت وكان في زمنه رجل ينبش القبور ويأخذ الأكفان فدعاه وأعطاه ثمن كفنه لئلا يكشف عنه فلما دفن نبش قبره فلما قرب من اللحد سمع قائلا يقول شم قدميه قال فيهما معصية قال شم بصره قال كذب قال شم سمعه قال إنه أصغى إلى كلام أحد الخصمين أكثر من الآخر فنفخ فيه فالتهب نارا وقال الثعلبي مر عيسى عليه السلام على جماعة قد قلعوا عيونهم فسألهم عن ذلك فقالوا مخافة من عاقبة القضاء قال أنتم الحكماء والعلماء فامسحوا أعينكم وقولوا بسم الله ففعلوا فإذا هم كما كانوا...
موعظة: قال النبي صلى الله عليه وسلم من ولي القضاء أو جعل قاضيا بين الناس قد ذبح بغير سكين رواه أبو داود والترمذي وقال الحاكم صحيح الإسناد أشار بالذبح بغير سكين لطول التعذيب وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن لله مع القاضي ما لم يجر فإذا جار تخل عنه رواه الترمذي والحاكم... مسألة: القضاء فرض كفاية فمن قام به أسقط الفرض عن الباقين فإن تعين على واحد لزمه طلبه بأن كان أهلا للقضاء دون غيره...
فائدة: قال الإمام فخر الدين الرازي رضي الله عنه اعلم أن المداخل التي يأتي الشيطان من قبلها ثلاثة الشهوة والغضب والهوى فبالشهوة يصير الإنسان ظالما لنفسه وبالغضب يصير الإنسان لغيره وبالهوى يتعدى ظلمه إلى حضرة جلال الله فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم الظلم ثلاثة فظلم لا يغفر وظلم لا يترك وظلم عسى الله أن يتكره هو ظلم الإنسان لنفسه فمنشأ الظلم الذي لا يغفر هو الهوى ومنشأ الظلم الذي لا يترك هو الغضب ومنشأ الظلم الذي عسى الله أن يتركه الشهوة ثم لهذه الثلاثة نتائج البخل والحرص نتيجة الشهوة والعجب والكبر نتيجة الغضب والكفر والبدعة نتيجة الهوى فإذا اجتمعت هذه الستة في بنى آدم تولد منها سابعة وهي الحسد فلهذا ختم الله مجامع الشرور الإنسانية بالحسد قال تعالى ومن شر حاسد إذا حسد كما ختم مجامع الخبائث الشيطانية بالوسوسة قال تعالى يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس فليس في بني آدم أشر من الحسد بل قيل إن الحاسد أشر من إبليس قال فرعون لإبليس هل تعلم أحد أشر مني ومنك قال الحاسد وهو أول معصية في السماء لأن إبليس حسد آدم وأول معصية في الأرض لأن قابيل حسد هابيل فقتله.