- كيف لهذاالرجل ان يقنع بالحياة وهو لايمتلك الا القليل منها.
- لماذا اختار الشاعرالخطابة قبل الشعر وهو الاقدم؟!
البحث من الناحية العاطفية والشعرية والانفعالات النفسية.
أطرش.. كفيف.. أبكم.. شعورهيقدميه
...............................علمني أسلوب الحكي.. والخطابة
»أطرش - كفيف - أبكم« جمعها الشاعر في شخص واحد ذكرني بالقضاة الثلاثة او الحكماء الثلاثة » لااسمع لا اتكلم لا أرى« أهم عناصر الحياة اذا فقدها الانسان فانه لايشعر بانسانيته.
فكان سر الجمال كامن في بقية الشطر الثاني حيث التناقض اضفى الجمال للبيت فكيف لرجل فاقد تلك الحواس يعلمه الكلام بل الخطابة أرقى أنواع الكلام الفن الذي يحتاج الى بلاغة لغوية واسلوب راق حتى تصل الى المتلقي.. والخطابة لها اسلوب خاص في كتابتها والقائها.
قبضة عصاته.. هم رعشةأياديه..
......................................منها.. تعلمت الشعر.. والكتابة
بعد أن دله الى بلاغة اللغة »الخطابة« عاد ليعلمه الشعر والكتابة ولكن لماذا اختار الشاعر الخطابة في البيت الاول ومن ثم قال الشعر مع ان الشعر أقدم من الخطابة؟
هل الشاعر يحاول هنا أن يطبق الحداثة حيث تستلزمالحداثة جزالة المفردة والثقافة العميقة لذلك تعلم في الرواية لاسلوب الكلام وفن الخطابة، وبعد ذلك مارس تعلمه للشعر والكتابة ولماذا الكتابة هل ليحافظ عليها من الاندثار والضياع؟
جالس بعيد هناك محديسليه
.......................................غير الظلام ووحدته والكآبه
»الظلام / وحدته/ الكآبة« هؤلاء الثلاثة يتفقون في الظاهر في عملية التسلية وفي الباطن هم مصدر الالم الواحد أو الطعنة الواحدة وقد حدد الشاعر لكل مفرده كمية الالم أو حدود الالم.
بيت.. عتيق وسدرة البيتماضية
....................................جنب الجدار المهترى عندبابه
قبل ان استوفي حديثي لنرسم ملامح ذلك الرجل الذي يتحدث عنه الشاعر فالابيات التالية كلها وصف له..
رجل كبير في السن كفيف أبكم أطرش يتوكأ عصاته وحيد رسم الزمن تجاعيد الكآبة والفقر على وجهه يستند جدار بيت قديم قد ازال الزمن بعض ملامحه وهذا البيت القديم يتوسطه شجرة السدرة »شكل المنزل أو البيت في السابق كانت البيوت عبارة عن غرف متلاصقة امامها مساحة تسمى بالليوان وفي منتصف البيت تكون عادة سدرة أو نخلة«.
هذه صورة بسيطة حاولت ان ارسها كما رسمها الشاعر وذلك في محاولة مني لايصال الفكرة او الصورة بشكل واضح..
البيت القديم هذا يدل على ارتباطه بوطنه او دلاله على الزمن او الدنيا سدرة هو الامل أو الحلم لذلك الاعمى اختيار الشاعر هنا لسدرة هذه الشجرة المخضرة صيفا وشتاء تنبت بدون أنتزرعها بالذات في البيئة القطرية التي هي بيئة الشاعر حيث ان هذه الشجرة لاتحتاج الى الماء الكثير ولا تجف صورة السدرة ايحاء لقلب ذلك الرجل النابض ورمز على ماضيه قلبه النابض بقناعة الحب والمعروف ان السدرة تزرع في وسط البيت كقلب الانسان متفرعة هذه الشجرة
الليل والصمت ورضا هو رجاويه
........................................عصابة تحصد غنايم عصابه
(الليل والصمت) هناك رابط بين الاثنين وهو برود الكلمة والستار لو لاحظت ان الليل دائما ما يكون بارد والصامت دائما ما يكون هادىء بطئ الحركة تشعر ببرود في انفعالاته.. فالصمت احيانا يجعل صاحبه ساكن كالنسمة الباردة لاتشعر بحركته كما هو الحال بالليل ايضا البرود والستارعلميا تنخفض درجة الحرارة ليلا فيكون الجو ألطف من النهار وظلام هذا الليل الذي حجب الرؤية اضاف اليه نوع من الخصوصية »ورضاه ورجاويه« هناك تناقض او اصطدام واضح حيث انه يحمل بداخله قناعة كامنة بكل ماهو عليه الا ان الامل برؤية الشمس وملامسته للاشياء بالنظر اليها تراوده.
(الليل والصمت) »رضا هو رجاويه« كل منهما كونا مجموعة فالليل والصمت كونا عصابة كما ذكرها الشاعر»رضاه ورجاويه« عصابة ولكن بداخلهما حرب نفسية عنيفة فكل عصابة او مجموعة تود ان تفتك بالاخرى وتجني الغنائم او النتائج قد يكون تركيب البيت للقارئ من الوهلة الاولى عادية جدا ولكن عندما نتعمق ونحاول ان نكون ذلك الاعمى الذي احاطته الدنيا بالتعاسة من كل جهة وخضع للقناعة بما هو عليه تكون الصورة اوضح بكثير مما كتبت.
كن التعاسة غنوة منأغانيه
.................................غريب مدري كيف قضّىشبابه
هنا تساؤل وتعجب في آن واحد.. بعد كل السنوات التي مضت لو حاولنا تخيل او اعادة شريط حياته بسرعة أمامنا.. كيف تكون حياته وكيف عايشتها كيف كانت طفولته كيف تقبل الحياة بدون يأس كيف قضى مراهقته وشبابه؟ كيف فرغ طاقته »كيف« علامة الاستفهام التي تصدرت جميع الاسئلة التي تدور في ذهني.
مدري وش اللي حققه منامانيه
.......................................أحس بأن أيام عمرهتشابه
تكملة للبيت الذي قبله بل اجابة للسؤال الذي يحير الشاعر في محاولة من الشاعر رسم صورة لحياته فلم يجد فيها سوى التشابه المميت في ايامه لا اثارة لا مغامرة أو اي شئ من ذلك هدوء يسكنه لابعد الحدود.
أشعت غبر أصفر تلعثم خطاويه
....................................تحكي تجاعيده سنين اغترابه
من هنا يبدأ بوصف هذا الرجل وصف دقيق وصف جسدي ونفسي في آن واحدة فرتب الابيات على أن يكون مرة وصف جسدي ومرة وصف نفسي او حسي وذلك حتى يجعلك تعايشيه اكثر فاكثر.
الاستعارة او الصورة البيانية هنا اعطت دلالة فنية جميلة اودلالة حسية فكل سنوات الاغتراب والعذاب والشقاء واضح على وجهه.. حاول الشاعر ان يوضح بالتجاعيد مدى المعاناة التي كان يعانيها هذا العجوز بعدما انتهى من ملامحه انتقل الى البيت الذي يليه ليصف لنا بوصف حسي كما يشعر هو به.
ما يشبهه غير الظما بالمهاميه
...................................خانه مطر عمر الصبا والسحابة
عندما يشبهه بالصحراء القاحلة الخالية من أي أثر للحياة فيها يكون هو أشبه بذلك الذي ينتظر السراب ليصل إليه ويرتوي »منه أي يحلم بأنه شرب من سرابه« فقد خانته الظروف و جعلته عاجز أن يستمتع بحياته ويكون طبيعي كبقية البشرولو لدقائق لا بل كان حلم هذا الرجل أبسط من ذلك بكثير كان يتمنى أن يستمتع بحياته في أحلامه.
فيه الألم وأقول وش عاد مافيه
.......................................ناحل مثل قوس النبل والربابة
أبطت عيوني تستمع له تحاحكيه
..................................واقف يجر أخطاه ضعف وصلابه
فمازال مشاهد الوصف الجسدي والحسي هنا مرتبة ومعبرة.
تضحك دموعه بالعيون ويداريه
......................................ما بين ذله مع شموخه مهابه
هنا حاول الشاعر أن يجعل الدموع ضاحكة.. لكي لا يرسمها حزينة كما هو الحزن في عيون ذلك الرجل.. بل أكد على أن المهابة التي بدا عليها المسن.. كانت توحي بأن تلك الدموع ما هي إلا ضاحكة فقط.
بعض الصبر لو ينشرى منه لا أشريه
...................................راضي.. بلاه!! إن الزمن ما رضى به
بالرغم من المعاناة التي يعيشها هذا الرجل الطاعن في السن إلا أنه يمتلك طاقة كبيرة في الصبر والتحمل لدرجة أن الشاعر تمنى الحصول عليها وإن كان ذلك بثمن.. وبالرغم من أن هذا المسن رضي بما قسمه الله له.. إلا أن الزمن لا يرضى بمثله أبداً.
بعده.. دريت أن الزمن تيه في تيه
.................................وإن السكوت أرقى معاني الإجابة
هنا يكتشف الشاعر بأن هذا الزمن ضائع.. وأن كل الاستفسارات وعلامات الاستفهام التي طرحها الشاعر لم تكن في محلها.. وآن له أنيصمت.. ويطبق شفاه الاسئلة.. لأن ذلك هو أرقى معاني الإجابة.
الصلة بين الشاعر والنص والبيئة والزمان :
هذه النقطة جداً حساسة لدى الشاعر القطري أو بالأحرى مميزة لديه فالشاعر سابقاً تجده أما بدوياً يكتب المفردة البدوية التي تدل عليه بيئته أو حضرياً فيكتب المفردة التي تدل على بيئته البحرية ولكن ما تميز به الشاعر القطري ا لحديث أنه دمج البيئتين في بيئة واحدة حيث أثرت عوامل الحضارة والانفتاح عليه كثيراً فأصبحت قطر ليس لها حدود معينة في مفردة مواطنها وهذا الدمج أو الانفتاح أرى أنها نقطة حداثية صنفها الشاعر القطري في قصائده وقد يرى البعض بأن كل ما سبق لا جديد فيه ولكن حدد الشاعر هويته في قصيدته من دمج البيئيتين وابراز صورة للبيئة أو المجتمع القطري.
»بيت عتيق- سدرة البيت«
تدل على البيئة الحضرية فأهل الحضر سكنوا بيوت واستقروا وتميزت منازلهم بالسدرة التي توسطت تلك المنازل.
»أشعث أغبر أصفر« تلك صفات تدل على هيئة البدوي، وقد اقتبسه الشاعر من حديث رسولنا الكريم عن الأعرابي.
دراسة الأساليب:
تتضمن القصيدة وصف بارع لمعطيات البلاغة وأنها مملوءة بالصور الطباقية والجناسية والتشبيه ولذلك فهي غنية بالتخيل فقد استطاع الشاعر أن يرسم لنا صورة واضحة الملامح يراها كل من يقرأها باستخدامه لغة بيضاء في الكتابة فلم يستخدم أسلوب التعقيد والغموض بل كان رائعاً في لغته القريبة من القلب.
أما من ناحية القافية فقد اعتاد الشاعر الكتابة على هذا النوع من القافية بالذات فقد تجد أغلب قصائده بنفس الختمات.
فمن الصورالبيانية
القصيدة كاملة تحمل الكثير من التشبيهات والصور.
»عصابة تحصد غنايم عصابه« »تحكي تجاعيد سنين اغترابه«
»خانه مطر عمرالصبا والسحابة« »تضحك عيوني دموعه«
ختاماً:
المهم فيما سبق الكيفية التي عبر بها الشاعر عن عواطفه وأحاسيسه وكيف يدمج انفعالاته بمشاعره بحيث تتوزع في نسيج النص الذي يكتبه لو نظرت إلى القصيدة لوجدنا الشاعر يعبر عن نفسه وما بداخله من ألم وتعاسة عكسها على قصيدته وذلك بسعادة هذا العجوز البائس بالرغم من أنه كفيف وأطرش وأعمى فكيف له أن يكون قانع بهذه الحياة وهو لا يمتلك إلا أقل من القليل وحتى هذا القليل لا يملكه أصلاً وهو وصفه بالأرض الجرداء أو الأرض التي تجهل المطر.
شاعرنا هنا أظهر ضعف إنساني واضح في قصيدته حينما يصف حال هذا الكفيف وفقره وعجزه وغلبت الدنيا عليه.