لست مهيأ

[فيصل الرحيّل]

لست مهيأ

فتح باب غرفته، ألصق ورقة كتب عليها "لست منسجمًا، ولست مهيأ للانسجام" وأغلق الباب نهائيًا.
هذا العالم القبيح يثير غثياني، يزاحمني حين أسير، يبعثر أوراقي حين أكتب، يصدر ضوضاء مزعجة حين أستمع
إلى الموسيقى، يدفعني بقوة وبقسوة كي أصبح منتميا لأحدهم، وكأن الانتماء وثيقة لا يمكنك العيش من دونها.
لماذا يشعر هذا العالم بالذعر من الفرد، فقط لكونه ليس منتميا، كيف يطلب مني بهذه البساطة أن أنتمي لفئة معينة،
وأنا الآن أثناء كتابة هذه الجملة لست أنا بعد الانتهاء منها، وكما يقول بوالو "اللحظة التي أكلمك فيها باتت بعيدة"
بعيدة جدًا، يجب أن يحيا المرء حالة الفينيق على مدار الساعة، فهو ليس كائنا معرفيًا بقدر ما هو كائن يحيا في حالة
تعرّف مستمر، ناضل لكي لا يتم تدجينك في هذه الحياة، وتذكر دائمًا بأنك لست مرنًا ولا مطاوعًا لمثل هذه العمليات
التي تصنع منك مسخًا، كن مع الإنسان، الحب، الموسيقى، الجمال.. وكل هذا لا ينتمي إلى الإسلام أو اليهودية
أو المسيحية، لا ينتمي لهذه المجموعة أو المجموعة المعادية لها.

أنا لا أطلب منك معجزة، أنا أطلب منك فقط أن تكون أنت، أن ترسم نفسك كما تشتهي أن تُرى، أن تبتسم في وجه
هذه الحياة وتخبرها أنك من أولئك الذين يواجهون قسوة هذا العالم بوردة، من تخترقهم القصيدة أسرع من الرصاص
من يحاولون مساعدة الطائرة الورقية على التحليق دون أن يكترثوا كم مرة وقعت فيها على الأرض، من يؤمنون بأن
الآلات الوترية بإمكانها أن تخيط جراح هذه الأرض، وتصل بين أي ضفتين متخاصمتين، من يطلقون سراح الموسيقى
في الازدحامات المرورية بدلا من إطلاق الشتائم على أصحاب العربات الأخرى، من إذا حل الشتاء ضيفًا على قريتهم
وارتجفت الشجرة، هموا بنزع قمصانهم ليغطوها، من يحاولون رسم الرائحة لا الوردة، من يؤمنون بأن الحياة لن تكتمل
إلا بوجود شريكة رقص، من يؤمنون بأن الطريق ليس للوصول إلى نقطة ما، الطريق لئلا تقف، من ينظرون للنوافذ
على اعتبار أنها مكان مناسب للقفز، من يعتقدون بأن الله يصغي لكلام الشاعر عن حبيبته في القصيدة أكثر مما يصغي
لهم في المنابر وهم يدعون على بعضهم البعض، أنا من أولئك الذين.. الذين.. من هم؟ لا أعلم.. لو كنت أعلم من هم
لما كنت وحيدًا!


*في قلب قنينة*
- لماذا نفتح النوافذ كلها في المساء؟
كي يشعر المارة أن المنزل يبتسم.