حوارية بين الشاعرة نبض المطر والشاعر عماد صالح نجم - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
لاَ مِسَاس ... ! (الكاتـب : جليله ماجد - مشاركات : 509 - )           »          ارتداد (الكاتـب : ماجد العيد - مشاركات : 325 - )           »          جُمُوحُ العَاطِفة (الكاتـب : محمّد الوايلي - مشاركات : 1682 - )           »          [ #مَعْرِضٌ وَ تَعْلِيْقٌ ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : ماجد العيد - مشاركات : 8214 - )           »          تبّت يدين البُعد (الكاتـب : عبدالله العتيبي - مشاركات : 14 - )           »          [ رَسَائِل أُخَوِيّة ] : (الكاتـب : خالد صالح الحربي - مشاركات : 41 - )           »          العيد والغياب!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 6 - )           »          غُربة .. (الكاتـب : نوف مطير - مشاركات : 13 - )           »          الهبوب الصلف (الكاتـب : عادل الدوسري - مشاركات : 0 - )           »          فلسفة قلم .. بأقلامكم (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 3847 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النقد

أبعاد النقد لاقْتِفَاءِ لُغَتِهِمْ حَذْوَ الْحَرْفِ بِالْحَرْفْ .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-19-2008, 12:17 AM   #1
صهيب نبهان
( شاعر )

الصورة الرمزية صهيب نبهان

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 19

صهيب نبهان غير متواجد حاليا

Post حوارية بين الشاعرة نبض المطر والشاعر عماد صالح نجم


..


نظرةٌ مَبْدَئِيَّة


قليلةٌ هيَ المواقفُ التي تدفعُ شاعرًا بحجم النورسِ ( عماد صالح نجم ) أنْ يُعَبِّرَ عَمَّا في صدرهِ وبالذاتِ بعد تلك الخبرةِ الطويلةِ في الحياةِ والمواقفِ التي عاشها لحظةً بلحظةٍ؛ وأقلّ منها تلك القصائد التي تستفزهُ وتُعجبه لدرجةِ أنه يُكرسُ لها جزءًا مِن وقته ويتخلى عنْ أعمالهِ اليوميةِ التي لا تنتهي فتدفعهُ إلى الكتابةِ نثرًا وشعرًا ..

حينَ قرأتُ نص الشاعرة/ نبضِ المطر ( واخضرتِ الأعماق ) كنتُ أودُّ أن أقول شيئًا، وحينَ نبتتِ الثمار وأوتينا أُكُلَها في هذا النص؛ كان لا بد أنْ يكونَ لكلٍّ منا وقفةٌ طويلةٌ على عتباتِ هذا البَياض ..

حواريةٌ جَمَعَت في طياتها الكثير والكثير مما يُعجزني وإن طالَ الوقتُ عن ذِكْرِ كل ما فيها وأصعبُ من ذلك عدمُ استطاعتي للتعبير في بعض الأحيان؛ فكل واحدٍ منا حينَ يقرأ قصيدةً أيًّا كانت؛ يفهمها بطريقته الخاصة نفسيًّا وروحيًّا في بداية الأمر؛ فإذا استلَّ قلمهُ ليرسمها على وجهِ الورقةِ وَجَدَهُ عَبوسًا كالحًا !

وبرغمِ ذلك الوضوحِ القويِّ للمعنى إلا أنَّ المُدققَ والناقد سيجدُ اختلافًا كبيرًا بين أنْ تقرأ النصَّ وتُعْجَبَ بخاتمته وبين أنْ تتلذذ بكلِّ كلمةٍ فيه وكيفَ لو كانتْ مُختلفةً هل ستكونُ الصورة أجمل أم لا ؟

وأخيرًا أقول أنَّ النبضَ استطاعتْ بتلكَ الشاعريةِ التي لا يُنكرها اثنان؛ أنْ تسرقَ تلك الدقائق والسويعات من عُمر نورسنا ليخرجَ علينا بكلماتٍ كأنها البدرُ في الليلةِ المُعتمة، وكأنها النورُ حين الكسوف ..


قراءةٌ انطباعية

تقول النبض :

وَدَنوتَ ..
تَحِملُكَ النّسائِمُ
و المَدَى
غَيمٌ تَنَاثَرَ قَطرُهُ
هَزَّ الفؤادَ تَوَدُّداً
وأضأتُ عُمري بالمُنى
فاخضَرَّتِ الأعماقُ ودّا


وكأنها خاتمةُ النصِّ في بدايته، وكأنها المحصلةُ النهائيةُ قبل حسابِ المُعادلة، وكأنه الإقرارُ الجازم والواضحُ بما آل إليه الأمْرُ والعُمْر ..

(ودنوت) دليلٌ على القُرب؛ والقرب دليلٌ على الحب .. وُفِّقَتِ الشاعرةُ كثيرًا في استخدامِ هذا اللفظ عوضًا عنْ (وأتيت) على سبيل المثال، لتُبينَ لنا مدى تلك الأهميةِ التي يُمثلها لها وتمثلها له فكانتِ البدايةُ على رقتها وعذوبتها تُجبرُ القارئ على الاستمرارِ والاستسقاء ..

تَحِملُكَ النّسائِمُ
و المَدَى
غَيمٌ تَنَاثَرَ قَطرُهُ
هَزَّ الفؤادَ تَوَدُّداً


ألم أُخبركم عن تلك الرقةِ التي أثبتتها لنا الكلمةُ التاليةُ مباشرةً؛ ولَكُمْ أنْ تتخيلوا عنِ الذي يأتي محمولاً على النسائم والأفق الشاسع بل ويأتي كقطر الغيم في الظهيرةِ الحارقةِ فيُنعشُ ذلك القلبَ ويُطبطبُ عليهِ تَقَرُّبًا واستعطافًا ..

وأضأتُ عُمري بالمُنى
فاخضَرَّتِ الأعماقُ وِدّا


انتقلتِ الشاعرةِ دونَ أن نشعر من ضمير المُخاطب إلى ضمير المتكلمِ لتُعلنَ عنِ الخبرِ السعيدِ لذلك الدُّنوِّ فقد أضاءَ عمرها بالأملِ والرجاءِ وتلونتِ الأعماقُ القاحلةُ بلونِ خُضرة الحب ونضارةِ الأُلفة ..

كانتْ تلك الكلمات البسيطةِ في مُجملها والعميقة في تَفصيلها سببًا كافيًا ليسكبَ النورس قريحته بقوله:

ودنوتُ أبحثُ عن صبايَ
الغض ألتمسُ الحياة
وَأشتكي
شيب القريحةِ للعيون الشاعرة

ضاق المدى ما ضاقَ قلبك
عن مدايَ
وعن صدايَ
ولا أشحتِ مكابرة
أسرجتِ روحكَ فانتشت بالنورِ
عيني
وانثنتْ للشعرِ
روحي
وارتوى القلبُ العجوز مودةً
فاخضرت الأعماقُ
وانفكت قيودُ الحرفِ
يا نبضَ الحروف الساحرة


مِنَ الأسبابِ التي تدفعني دومًا للهربِ من قراءةِ نصوصِ هذا الرجل الذي يعجز الشعر عن وصفه؛ أنه يستنزفُ – بكل معنى الكلمة – كل شاعريتي لأنَّ قصيدته أشبه بالجريمةِ الكاملةِ التي لا خيوطَ لها !

أحتاجُ إلى فرقةِ مُكافحةِ الصور الشعريةِ لكي نتتبعَ تلك الخيوطَ الرفيعةَ الأشبهَ بخيوط العنكبوت حتى نُفسر المعنى والمغزى وفي النهايةِ نجدُ أننا لم نجتمع على معنًى واحدٍ فالأصالةُ في شعرهِ تحتاجُ مِنا لتاريخٍ طويلٍ لِتَلَمُّسِهَا وَتَنَفُّسِها ..

أشعرُ حقيقةً بالإرهاقِ الكاملِ حينَ البدءِ في قراءةِ بيتٍ ما لأنني أقول في نفسي
( هُوَّه أَنَا لِسَّه هَقُولْ كُل دَه ؟! ) مِنْ روعةِ ما تكتنزهُ أبياته ..

(ودنوتُ) ولم تكنْ هناكَ مُفردةٌ أخرى تناسبُ البدايةَ إلا هذه فكانت كما كُنا نُريد !
حينَ نبحثُ عن الصبا الغض فلا بدَّ بطبيعةِ الحال أنْ يكونَ هذا التماسًا للحياةِ فكلنا يرى في صباه العمر كله والقوة كلها والسعادة كلها ، وماذا بعد ذلك ؟ لنفترضْ أننا وجدنا ما نبحثُ عنه أو أننا لم نجده ففي كلتا الحالتين نلجأ إلى الشكوى عسى أنْ نُجاب، ولكن انظروا معي إلى تلك المفاجأةِ الغريبةِ الرائعةِ حينَ نعلمُ أنِّ تلكَ الشكوى كانت بسببِ جدب القريحةِ التي كانت سَيَّالةً دومًا بكل ما هو جميلٌ وجديد وكأنَّ النورسَ قبل أنْ يستعطفها يستعطفُ نفسه ويحثها على إكمال القصيدةِ التي لا يعلمُ كيف بدأت وأين ولكنه رغبَ في ذلك بكل حواسه وضربَ على الوتر الحساسِ ليُشعرَ نفسه بالخجلِ إنْ لم تُسعفه القريحة على مواصلة القصيدة؛ ولكن هيهاتَ أنْ يقفَ النورسُ عند هذا الحد !

الشيب : الشيخوخة
العيون : النضارة

وكأنهُ يعلم علم اليقين أنَّ تلك العيون الممتلئة شعرًا وإحساسًا حينَ ترى شيب شاعريته ستمنحه ما كان يطمعُ إليه وتدفعه إلى مواصلةِ الكتابةِ بالرغمِ منْ شحِّ الحبر وانثناء الريشةِ وانكسار الدواة !!

(ضاق المدى) لماذا ؟ وكيف ؟ ومتى ؟ وتساؤلاتٌ أخرى يطرحها هذا الضيقُ الذي كانَ مِقدارهُ يساوي ضيقَ قلبها ولكنه يُعاكسُ اتجاهَ رغبةِ الشاعر؛ وهو بذلك يحققُ أحد القوانين الفيزيائية المهمة ألا وهو قانون نيوتن !!

ولو تَمَعَّنا قليلاً لوجدنا الإجابات كلها في طَيِّ الكلماتِ التي تَلَتْها ..

أسرجتِ روحكِ فانتشت بالنورِ
عيني
وانثنتْ للشعرِ
روحي
وارتوى القلبُ العجوز مودةً
فاخضرت الأعماقُ
وانفكت قيودُ الحرفِ
يا نبضَ الحروف الساحرة


انتشت وانثنتْ وارتوى فاخضرت وانفكت : تُعجبني كثيرًا تلك السلسلةُ المُتسلسلةُ مِنَ الأحداثِ المُترتبةِ على بعضها البعض وإنْ دلَّ ذلك على شيءٍ فإنما يدلُّ على أنَّ سقوطَ حلقةٍ واحدةٍ يجعل الدائرةَ مفتوحةً وتظل الأطرافُ تائهةً تبحثُ عن همزةِ الوصلِ التي بِسِحرها تَنْفَكُّ القيودُ الدائمةُ على الشعر لتسيلَ القصيدةُ عذبةً رقراقةً جميلة .

وتستمر النبض في أغنيتها فتقول :

و تجولُ في عينيكَ
تمتَمتي و ذاكَ الحزنُ في
عينيّ حينَ أتيتَ
أوّل ما أتيتَ
وَقَد تَشَعّبَ بي الحنينُ
وَهَدّني الكِتْمانُ هَدّا


ألم أقلْ لكم أنه من الصعبِ على الشاعرِ أيا كانَ أنْ يقرأ تلك الكلمات ويقف مكتوف اليدينِ عاقدًا حاجبيهِ مُندهشًا مِنْ لذةِ مذاقِ الحُزنِ عند النبض !!

هذا المقطع مليءٌ بالأسى، ممزوجٌ بالتَّنَهُّدِ، مُتشعبٌ منذ حنينِ البداية إلى هَدَّةِ النهاية !

ويبدأ النورسُ في بَسْطِ أجنحته التي أضناها سكونُ الغربة، ويبدأ في استعادةِ تلك الشاعريةِ المفرطةِ التي تجعلُ القارئُ يتمنى لو أنه إحدى جناحي هذا الطائر :

عينايَ بحرٌ يحتوي الأحزانَ
وجهي
حكمةُ الأيامِ تحكيهِا السطور الغائرة

بوحي بحزنكِ
إنني أرضٌ يغيضُ الحزنُ فيها
إنني
.
.
.
فردوسُ أصحابِ القلوب الحائرة

يا صنو أغنيتي :
أنكتم جرحنا..؟
أم نحنُ تكتمنا الجراحُ
وترتوي
من دمعنا قبل الدما
كل السيوف الغادرة...؟

يا أخت حزنٍ
إنَّ بوح الروحِ يُحزِنُ حزنها
بوحي قصيداً
أنتِ شمسٌ من حروفٍ
رغم أنف الليل ظلت سافرة


هِيَ شجرةٌ تحملُ ما لذَّ وطابَ من الثمَرْ
هِي قصةٌ تحكي القديم والجديدَ مِن العِبَرْ
هِيَ أنفاسٌ - برغم انقطاعها - ستمتدُّ إلى آخرِ العُمُرْ !

أكثر ما لفتَ انتباهي في تلك المقاطع حينَ قال :

بُوحي بحزنكِ
إنني أرضٌ يغيضُ الحزنُ فيها


تأملتُ كثيرًا في تلك الصورةِ التي انتزعها النورسُ ببراعةٍ منقطعةِ النظيرِ وبديهةٍ سريعةِ التفكير، وشعرتُ به أكثر وهو يطلبُ منها البوح من كل أعماق قلبه بل ويُعطيها الأمانَ على حُزنها ويبرر لها ذلك الطلبَ بكل مصداقيةٍ ورجولة!

وتعود الأنثى الحالمة إلى إطلاقِ العنانِ في ذِكْرِ الماضي فتُنشد :

ها قَد أتيتَ
إلى رُفاتِ الرّوحِ
تسألُهُ المُضيَّ لعالمٍ
حيٍّ تَوَشَّحَ
بالزّهورِ
و بالعُطورِ
و بالسّرورِ
و بالأماني البيضِ
و الفَرَحِ المُقيمِ
و بالغَدِ الخالي من
الشّجَنِ القَديم
أكَانَ حَقّاً ما جَرى ؟
خُذني إذاً ..
خُذني أيا غَدِيَ
المُدَثَّرُ بالسّعادةِ
أوفِ بالوعدِ القَريبِ
فَلَستَ تُخْلِفُ
أنت وَعدا


هل هناكَ مَنْ تأبى حياةَ الزهورِ والعطورِ والسرورِ والأماني السوسنيةِ والأفراح الدائمةِ والغدِ المُشرقِ المُبتسمِ دائمًا وقد أتتها على طبقٍ مِنْ شِعر ؟!!

أذلك حقّ ؟ إذنْ .. خذني .. هَيَّا ماذا تنتظر ؟ خذني ولا تعد بي مرةً أخرى .. أنتَ سعادتي الحقيقيةُ وقدْ سلمتُ لك أمري فابتعدْ بي قدر ما تستطيع وأَوْفِ بِوَعْدِكَ فإني عرفتكَ صادقًا في وعدك؛ أمينًا على حُبي وحبك !! يا الله

الآن أستطيعُ أنْ أكشف لكم عنْ سرٍّ ربما نعرفه منذ زمن، إلا أنه يتضح جليًّا في هذه الأبيات؛ هل تريدُ أنْ يكتبَ النورس أفضل ما لديه ؟

اِجْعَل أُنثى تستفزه شعريًا !

ليقول :

ها قد أتيتُ
وفي الضميرِ قصيدةٌ من أمسنا
كانتْ
بأوردة الحنين مسافرة

عدنا لننفخ في الرفاتِ الروحَ
نحيي ميِّتَ الذكرى
( فيصبح أمسنا
الآنا
وننسى رحلة الأشواقِ
بينهما
و
تنسانا )
ألا
لا يأسَ
إنَّ اليأسَ من شيمِ النفوس الكافرة

ألا
لا تيأسي أبداً وإن طال النوى
سنؤوب
.
.
.
أرواح الأحبة قادرة


سأكتفي بالقراءةِ والابتسامةُ تعلو مُحَيَّاي، فأنا أرغبُ في التأمُّلِ قليلاً وَحدي !
وهنا تنقلبٌ الدفةُ ويفقدُ الربانُ السيطرة، وتعلو أمواجُ الفراقِ مُزمجِرَة :

أسَفي ..
وَقَد أزِفَ الرّحيلُ
رحيلَ حزني يا لحزني
حينَ يرحلُ عن حياتي
هل أُطيقُ الصّبرَ
يا بعضي إذا
يَمَّمتَ بُعدا ؟


طبعًا أنا الذي فقدتُ السيطرة ! لأنني تعجبتُ لماذا الأسفُ على رحيل الحزنِ وهو ما تنشدهُ الشاعرةُ منذ بداية النص ؟ هل ذلك الحزن متمثلٌ فيه هو ؟ ربما، وأجزمُ أنكِ لن تطيقي الصبر إذا يَمَّمَ بُعدًا لأنه (بعضكِ) ! أليس كذلك ؟

حتى وإن غبنا كما غابت سنون الحب بالأفراحِ والأحزان
ظلَّتْ
في ضمير الروحِ آلامُ التشوقِ حاضرة

يا لهف نفسي كيفَ صارَ الحزنُ بعضاً
مِن أنا
من أنتِ
مِنا
من خلايا الروحِ في الجسدِ الترابِ
وسعدنا عنا بعيدٌ
بُعْدُهُ بُعدُ السنين الغابرة

باقٍ هناكَ
كأننا
حينَ افترقنا
لم نجدْ في الروحِ متسعاً لغيرِ همومها
آهٍ لها من خاسرة


( في ضمير الروحِ آلامُ التشوقِ ، من خلايا الروحِ في الجسدِ الترابِ ) صُوَرٌ أكثر من رائعة وتشبيهاتٌ تجعلُ المتأملَ فيها يسبحُ في فضاءاتِ خَيَالاتٍ بعيدة ، لم نجدْ في الروحِ متسعاً لغيرِ همومها: ويحَ تلك الروحِ التي لا تحملُ إلا الهموم! ولكنْ يا سيدي أرواح الشعراء جميعها هكذا إلا مَنْ أغناهُ الشعرِ وسَلْطَنَهُ ! وهيَ فعلاً خاسرةٌ لا محالة؛ إلا إذا كانت ستموتُ وتدفنُ الحزنَ معها وهذا مستحيل !

وتختم النبضُ النَّصَّ بنشيدها الجميل :

قَد كنتَ أصدَق ما تراءى
للفؤادِ من الحَقائِقِ
لم تَكُنْ وَهْماً ولا طيفاً
و لا للغَدرِ نِدّا !

قَد كنتَ أوفى الصّحبِ
كنتَ مِدادَ حرفي ..
كنتَ أُنسِي حينَ
غادَرتُ الحياةَ ..
و حينَ عُدتُ ..
وحينَ رفَّ القَلبُ سَعْدَا !


نهايةٌ تضخُّ المزيد من الحقائقِ التي أَصَرَّتِ الشاعرةُ على توكيدها رغم معرفتنا بها مسبقًا، إلا أنها لا تريد أنْ تدع مجالاً للشكِّ في صدرِ المُخاطبِ نفسه، فتُثبتُ له بعض الصفات الحميدةِ وتنفي عنه الخبائثَ الخُلُقِية، فقد كان صادقًا، وفيًّا، مُلبيًّا للدعوةِ في أي وقتٍ، أنيسًا في الرخاءِ والشدةِ والبلاءِ والمِحنةِ والغيابِ وحتى في أوقاتِ السعادةِ كلها وفوق كل ذلك لم يكنْ بالوهمِ ولا الخيالِ ولم يتخذ الغدر خليلاً له في يومٍ من الأيام ..

ما زلتُ ..
لو أمعنتِ ..
ما زلنا
وما زالت نواظرنا
لموعدنا المُؤمَّلِ ناظرة

نشتاقُ ..
تُرسلُ روحُنا أطيافنا
لتكونَ أُنساً للعيون الساهرة

ورسالةً مكتوبةً بدموعنا :

( ...وسنلتقي
ـ عهدٌ عليَّ ـ
فإن أبَتْ دنيا العذابِ لقاءنا
فلنا لقاءٌ
في ..
..
الحياةِ الآخرة )


يا الله .. يا الله .. يا الله

أشعرُ بعدمِ الرغبةِ في (التطاولِ) على هذه النهايةِ البديعة، فقد جَمَعت في طياتها الكثير والكثير، بدءًا بالتَّوْكيد (ما زلتُ)، ومرورًا بالتَّجْدِيد (نشتاقُ)، وانتهاءًا بالعهدِ والوعدِ (وسنلتقي) !!

(لو أمعنتِ) وهو يعلمُ بطبيعةِ الحال أنها تُدركُ ذلك تمامًا إلا أنَّ هذا الأسلوب يستحثُّ تلك المشاعرَ الساكنةَ بين ضلوعها للتحركِ والغليانِ والانصهارِ على ضلوعِ القلبِ الظمآن ..

(ما زلنا) أعجَبَني كثيرًا هذا الترتيبُ الذكيُّ للغاية، فقد بدأ بضمير المتكلم، ثم طلبَ منها التفكير والتأنِّي، ثم تَحَدَّثَ بضمير الجمع لأنه يعلم علم اليقين أنها تذكُرُ جيدًا تلك المشاعر التي لا تستحقُّ أن تموت، وتعلم علم اليقين أنها مهما بالغت في نسيانها فلن تنال إلا التعب والسهد !

(وما زالت نواظرنا لموعدنا المُؤمَّلِ ناظرة) الموعدُ مُؤمَّلٌ والعيونُ شاخصةٌ وكأنني بزرقاء اليمامةِ تنظر للمستقبلِ البعيد؛ وهو في الحقيقةِ أقرب من مَدّ البصر .

نشتاقُ ..
تُرسلُ روحُنا أطيافنا
لتكونَ أُنساً للعيون الساهرة


يا لها مِنْ أمنيةٍ يطلبها ذلك القلبُ الذي هده وآلمه طول السفر، يتمنى لو أنَّ الأطياف تلتقي بعيدًا عنْ خوفِ الأجسادِ لتبعثَ الطمأنينة والهدوء في الآماقِ التي صاحَبَها القمر !

وأخيرًا فأنا لا أحتاجُ أنْ أكتبَ حرفًا واحدًا عن البيتِ الأخير، فمُذْ قرأناهُ أولَ مرةٍ ونحن نتلذذُ بطعمهِ المتجددِ دومًا وإحساسهِ المُختلفِ قلبًا وقالبًا، إنه وبكل اختصارٍ يُلَخِّصُ هذه القصيدةَ التي لا أجد لها اسمًا ولا عنوانًا يليقُ بها سوى:

( تجربةُ حياة )

 

صهيب نبهان غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-19-2008, 03:32 PM   #2
د. منال عبدالرحمن
( كاتبة )

الصورة الرمزية د. منال عبدالرحمن

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 459

د. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


الكمّ الهائل من التُشبيهات المُدهشة في هذهِ الحواريّة , في هذين النّصين المتفرّدين بتماهي الأرواح و اندماجِ القريحةِ الشّعرية ,
و كأنّ كاتبَ النّصِّ شخصٌ واحدً يرسلُ كلَّ مرّةٍ رئةً لتكتبَ بروحِ المطرِ و النورس ,

قراءةٌ عذبة تلكَ الّتي أبدعتها أستاذ صهيب ,

كلُّ الشُّكرِ و لا يكفي لإمتاعِ الذّائقةِ هُنا .

 

التوقيع

و للحريّةِ الحمراءِ بابٌ
بكلِّ يدٍ مضرّجةٍ يُدَقُّ

د. منال عبدالرحمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-20-2008, 08:18 AM   #3
حمد الرحيمي

كاتب

مؤسس

افتراضي




صهيب نبهان ...


حوارية رائعة مزجتَ لنا فيها الشوق بالحزن مع قليلٍ من الأسى و كثيرٍ من المواساة النبيلة ...


استمتعت كثيراً لتجوالك بنا في أعماق هذه الانطباعية الهادئة ...




مودتي ...

 

التوقيع

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

حمد الرحيمي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-20-2008, 12:23 PM   #4
صهيب نبهان
( شاعر )

الصورة الرمزية صهيب نبهان

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 19

صهيب نبهان غير متواجد حاليا

افتراضي


..


الفاضلة منال عبد الرحمن

القارئ لنبض المطر أو النورس يُصابُ بحالةٍ منَ الهوسِ الشعريّ الذي لا يلبثُ أن يتحول إلى إدمان

تجدين الجديد دائماً في كل نصّ

وحين يجتمعانِ في نصٍّ واحد ؛ فإن ذلك هو الشعر بعينه


كل الشكر لمرورك


..

 

صهيب نبهان غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-20-2008, 09:41 PM   #5
قايـد الحربي

مؤسس

عضو مجلس الإدارة

افتراضي


صهيب نبهان
ــــــــــــــ
* * *



شاعري و صديقي الأجمل ..

قلّةٌ هم القادرون على الجمع بين [ النار و الماء ] ، دون أنْ يُلغي
أحدهما الآخر ، بل على العكس تماماً ..
يجعلهما مانحانِ للحياة .. عندما يُدْفئ الماء بالنار ليحميه التجمّد / الموت ،
بينما يَحوْل بالماء دون النار أنْ تتحوّل إلى حرائق و دُخان .

هنا و بالكثير ، كنتَ من أولئك القلّة ،
فأدهشتَ بالجَمْع و أجْمعتَ على الدهشة ..
و لا عَجبَ و أنتَ المُتّكئ على لُغةٍ تتّكئ هيَ على فكْرٍ يمنح الشرق
فوانيسه و قواميسه .

:

صهيب
أحبّك جداً ،
فشكراً جداً .

 

التوقيع

[ الموزونات ]

http://greeb2.blogspot.com/?m=1

قايـد الحربي متصل الآن   رد مع اقتباس
قديم 09-20-2008, 09:48 PM   #6
صهيب نبهان
( شاعر )

الصورة الرمزية صهيب نبهان

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 19

صهيب نبهان غير متواجد حاليا

افتراضي


..

أخي حمد الرحيمي

وجودك يُضفي الكثير من الهدوءِ على هذه البُقعة

والمزيد من الألوان المتناسقة ..

فشكراً لك

..

 

صهيب نبهان غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-21-2008, 10:10 PM   #7
صهيب نبهان
( شاعر )

الصورة الرمزية صهيب نبهان

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 19

صهيب نبهان غير متواجد حاليا

افتراضي


..


أخي وصديق طفولتي الأدبية/ قايد الحربي


قليلونُ هُمْ مَنْ يُتقنونَ الضَّادَ كما تُتْقِنها



رسماً وتصويرا

إحساساً وشعورا

شعراً ومنثوراً


فكنتَ برغمِ أولئكَ المُدعينَ لـ سِيبَوَيْهِيَّتِهِمْ أعلى وأرْفَعَ منزلةً ومكاناً


فلك الحبُّ قلباً وقالباً وكيانا


..

 

صهيب نبهان غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:36 AM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.