يوميات عاشق

[عبدالرحيم فرغلي]

بارٌ أنا بهذا المساء .. فلأول مرة أدعو له بطول العمر .. قبلت يده ورجوته أن يسامحني .. رحمته من سواد أحزانه وأشعلت له كل القناديل .. أهديت قصائداً رائعة لابنته القمر .. أخليت شوارع مدينتي الضيقة ليمارس هوايته في المشي بلا ضجيج الأبواق وأنفاس البشر .. لأول مرة لم أشقيه بذكرياتي .. لم العنه في داخلي وأنا أدعو عليه بالموت .. مارست معه تلك الرقصة الشقية .. فمنذ زمن لم يمارسها بكل هذا النشاط .. تركته ينام بجانبي وأغلقت جميع النوافذ التي تزعجه برفيف هواءها .. إن البر خلقُ عظيم .. سعدتُ بنفسي كثيرا هذا المساء ..

..............................................هل رأيت ما يفعله صوتك بي ..............................................

 

[عبدالرحيم فرغلي]

صار الوقت بلا لسان ...أحدهم سرق ثوانيه ودس في جيبه كل دقائقه .. يوماً ما سأقتص من هذا السارق اللعين .. حاولت أن أذكّره أننا في المساء .. لكنه فتح فمه حزيناً .. تناقشت أنا والقمر واتفقنا أن يدغدغ البحر علّ البسمة تعود إليه ..لكن فجأة وجدته مصلوباً على الجدار يريد أن يشنق نفسه .. انقذته من حماقته .. افهمته أن العالم لن يسير بدونه .. ارتمى على صدري وبكى .. بكى طويلاً .. حاولت أن القمه حلوى من ذكرياتي .. لكن نظرته إلى جعلتني اتراجع .


.............................................. آه يا حبيبتي ما اقسى انتظارك ...........................................

 

[عبدالرحيم فرغلي]

لا تغضبي .. نعم لم اشتاق إليك اليوم .. فأنا ممتلئ بك .. ممتلئ حد التخمة .. ما ذنبي .. أنتِ من نصب مرآته في كل مكان .. اراك على أوراق الشجر وأنت تكتبي .. على نوافذ البنايات وأنت تقتحمين خصوصيتها وتضحكي .. كيف اشعر بالفقد وأنت شربت كوب الشاي معي وكنا نثرثر عن اقلامنا .. كيف اشعر بالإحتياج وأنت بجواري على المقعد الآخر من سيارتي .. تقولي لي : لتكن قيادتك اسرع من سلحفاة .. تشاكسيني وتمدي يديك للمقود وترقصي .. .


حسناً ... حسناً .. اشتقت إليك اليوم .. قربي أذنك الآن لأقول لك .... أني أكذب .

 

[عبدالرحيم فرغلي]

حزين هذا المطر .. حزين جداً .. كل الصحف لن تعلن بالغد عن مآساته .. حتى الشعراء الحمقى سيجدون فيه مادة يمطرون بها كتاباتهم .. وحدي أنا من أعرف سر حزنه .. أردت لو انزل إليه وابتل به .. اهدهده .. لكن غيمتين زرعتا في عيني وكادتا أن تمطران معه .. قطع مسافات هائلة ليسقى زهرته البيضاء .. تحدي مناطق الحروب ليأتي إليها ويهبها الحياة .. لم توقفه الشوارع المزدحمة .. الرياح العاتية .. جميع المقابر التي بعثت فيه طعم الموت .. سقى كل العالم من أجلها .. لكنه اليوم سألته : أتحبني ؟

.................................................. قال لي : مؤلم هذا السؤال يا سيدي .. مؤلم

 

[عبدالرحيم فرغلي]

الأبواب مفتوحة في صدري .. والنوافذ تمارس غوايتها في شرب نبيذها مع ستائر ماجنة . كوب الشاي شوارع مرصوفة بالشتم .. والجدار يعشق الركل كحمار أبله .. لم استطع أن اسكب عيني في كتاب كما هي عادتي .. التلفاز نصوص بائسة تستحق الرثاء .. حلقي يجلس فيه عبد شرس يجيد خنق أوردتي .. ريشة القلم عاشقة بلهاء لا تعرف كيف تثير غيرة السطور .. إن الفقد يا حبيبتي بومة شؤم تثير الريبة في شجرة الوقت .. وحده عدنان الصائغ من وهبني عزاءه وربت على قلبي وهو يبكي مثلي حبيبة غائبة .

 

[عبدالرحيم فرغلي]

ثعبان بطول الأفق يمتد داخلي .. يسبح متأنقاً على رمال صحرائي .. يقتات على كل أعشابي التي نمت والتي لم تنمو .. يلتهمني كعصفور شهي بعد أن التهم جميع ارانب مواعيدي .. يلقيني ورقة عانس لم ترتضي خطوبة القمر .. المساء تعرى من كل أقمصته ليريني جسده البشع .. الشوارع الخالية تسكنني والطرقات تمتد بلا عيون .. نقش السجادة تحتي مدينة لم تمل الحرب .. المنضدة عجوز تسخر من نظراتي إليها .. كم قلت يا أنتِ .. لا اطيق الانتظار .

 

[عبدالرحيم فرغلي]

عمال النوم لم يبدأوا بعد في تنظيف قلبي المتسخ بالقلق .. سريري ما عادت تعبث به احلامي المتخمة بك .. احدهم عصر الشمس في رأسي .. االرابعة صباحاً متورمة بجوال عفن .. لم تستلق شاشته عارية أمام حروف رسالة مشتهاة .. لم يغسل وجهه بعد برنين رائع ...... الرابعة .. أطراف اربعة وجسدي مبتور بينها .. القمر فمٌ كبير ادماه الصراخ .. النجوم تكتم اسئلتها الحائرة وهي تختبئ في شرشف السماء .. في يدي أفواه خمسة تثرثر مع بعضها بعدائية مجنونة .. ثم وبكل براءة تتصافحا وتتعانقا .. كنت اعلم أن لكل سعادة ضريبتها .. ما أقساها اذن ضريبة الحب .

 

[عبدالرحيم فرغلي]

لصمتك ضجيج لا يُحتمل .. يزرع حقولي التائهة بخمر معتق .. يسكر منه الهواء والوقت والنوافذ المشرعة والأبواب النائمة .. القمر اشدهم سكراً .. له هيئة كهف قديم تملأه الندوب .. لست أدري كيف رأيته في حجرتي انثى لعوب .. مارس هوايته في رقص مجنون .. قلد اصوات الزهور وهي تنشد أغنية المساء .. رش على صدره عطر الغواية .. ثم بكى .. بكى كما لم يفعل من قبل .. حينها ضج بي السؤال .. هل اصابك مكروه يا حبيبتي .. ..

............................................. أي هذيان هذا الذي اكتبه .................................................. .............