زنة سمران - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
نفثات مقدسة من أنحاء اخرى .. (الكاتـب : محمد الجهني - مشاركات : 0 - )           »          فَــوَاق ! (الكاتـب : ماجد العيد - مشاركات : 14 - )           »          وصب ! (الكاتـب : تركي المعيني - مشاركات : 155 - )           »          هــايــكــو (الكاتـب : حسن زكريا اليوسف - آخر مشاركة : تركي المعيني - مشاركات : 299 - )           »          لاَ مِسَاس ... ! (الكاتـب : جليله ماجد - مشاركات : 509 - )           »          ارتداد (الكاتـب : ماجد العيد - مشاركات : 325 - )           »          جُمُوحُ العَاطِفة (الكاتـب : محمّد الوايلي - مشاركات : 1682 - )           »          [ #مَعْرِضٌ وَ تَعْلِيْقٌ ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : ماجد العيد - مشاركات : 8214 - )           »          تبّت يدين البُعد (الكاتـب : عبدالله العتيبي - مشاركات : 14 - )           »          [ رَسَائِل أُخَوِيّة ] : (الكاتـب : خالد صالح الحربي - مشاركات : 41 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-13-2010, 02:19 AM   #1
تركي الرويثي
( قاص وكاتب )

الصورة الرمزية تركي الرويثي

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 0

تركي الرويثي غير متواجد حاليا

افتراضي زنة سمران


قرية تقع عند مفترق طرق , من يتخطاها جهة الشرق يرتقي هضبة نجد , ومن الغرب تحرسها الحرة الحجازية , ومن الشمال تلوح جبال آجا وسلمى كفنارة . أمتلك مكانها التميز لسنوات طوال , قبل أن يزاحمه الزمان الساكن طيلة مئات السنين , لتبدو من الشرق ملامح تغيير كبير طال البلاد والعباد. تسمى الحناكية , هكذا يقال عنها . يرجع كبار السن التسمية كما جرت العادة لأكثر من سبب , وإن أتفق غالبيتهم على أن بئر أبو هجرس يحمل عبء التسمية . فمنذ سنوات رحلت , كان البدو "يقودون" زملهم وأغنامهم قاصدين هذا البئر الوحيد , ولكثرة المواشي التي ترد عليه , يطغى صوت عطشها وطقطقة أحناكها على كل صوت . سميت البئر لهذا بالحناكية , بعد زيادة و تشذيب مارسته الألسن والأيام . أنتشر الاسم ليشمل المنطقة المحيطة , والآن غدت تلك البقعة التي يقسمها أحد فروع وادي الرمة العظيم هي الحناكية . استوطنتها القبائل القريبة , هربا من بطش الصحراء . قامت معارك كثيرة حول هذا البئر, يرعبهم العطش , يهربون من عطشهم إلى سيوفهم يجردونها . تروي الصحراء خوفهم , فيروون نهمها بدمائهم.
بمثل هذا كان يدور الحديث , أبو لافي يتوسط الجلسة , يحدثهم عن أيام ولت , أيام شهدها وأخرى سمع عنها , رسمت التسعين أخاديد بوجهه , ذقنه بيضاء كالحليب ترافقها حمرة الحناء الخفيفة . يعرف كيف يسلط انتباه السامعين له بصوته الجهوري وحركات جسمه , أبو لافي كبير قومه بعد رحيل صديق طفولته وأيام "الصميمة" , التي مات فيها معظم رجال القبيلة . أبو سمران توفي بعد أن لعب الخرف بعقله , أنمحى كل ما بذاكرته إلا خوفه , كانوا يستيقظون على صراخ يشق عباب السماء
- الأخوان صبحونا , الأخوان صبحونا , الأخوان صبحونا.
وحده أبو لافي من تألم لهذا الصراخ , كان يعلم جيدا سببه , حديث مع أهميته لا يستطيع البوح به لأحد , أبو سمران وحده الآن يستطيع التكلم , لم تكن الحادثة سرا مخفي عن الجميع , بل يعلمون بعض الفصول , يتناقلونها بالخفاء ,وهذا ما يؤلم أبو لافي , يود أن يتحدث بها, أن يقول كل التفاصيل الصغيرة كما هي عادته , أن يتوسط الجلسة كما يفعل الآن, حوله رجال القبيلة يسألونه يجيب ويفصل , يسرق انتباههم إلى أن يؤذن لصلاة المغرب فيصمت ويكمل ما تبقى بعد صلاة الفجر , فكل ما يقال في الخفاء سر لا يطاق , يريد لحديثه أن يكون واضحا كمثل ناموس الصحراء الأهم , لكن الزمان أتى بنواميس أخرى , سلب الصحراء قوانينها, وصب قوانين أخرى, ولم تعد الصحراء وأحاديثهم واضحة كما كانت.

لأول مرة يجذب انتباه القوم حدث غير حديث أبو لافي , كان الوقت عصرا حين سُرِقوا من أمامه, فوق "دكة" تتوسط بيوت الشعر, ترتفع بمقدار أربع من الحجر , أغرقت بتراب ناعم أملس , فرشت بزل عراقي مزج لونه الأحمر بسواد متعرج , صنعت من الصوف , جلبها حميد من المدينة المنورة قبل ثلاث سنوات, أشتراها بشاه "نجدية" . مر سمران من أمامهم يجره كائنا لا يعرفون له أسما ولا شكلا , لأول مرة يرون كائنا "يقود" راعيه , تبعه القوم بعيونهم ثم لحقوه بأجسادهم , أمطروه أساله كثيرة , وسمران يقاد من ذلك الكائن , تجمع الرجال أكثرهم يشد حزام من جلد خاصرته ويحاول "بالقديمي" مجاراة كبار القوم , وكبار القوم يلمع "الفشق" وسط صدورهم , انضمت النساء بأطفالها حولهما , فزع هذا الجمع الكائن قفز ثلاث مرات و أصدر أصوات مزعجة و متواصلة , فتح الصوت في الجدار البشري فتحة أخترقها الكائن ومشى يتبعه سمران الذي لا يعرف أن سوف يذهب به .
وحده أبو لافي من لم يتزحزح من مكانه , أبن صاحبه , "عقيد" القوم يجري له هذا , غير من قعدته , ضم ركبتيه ناحية صدره , لم تؤلمه ركبته هذه المرة , آلمته الحادثة , كأنه عرف السبب , لا يمكن أن يكون إلا هو , فسمران لا يفعل مثل هذا. سكبت عيناه دمعة , مسحها بطرف ثوبه حين أقبل القوم , عادوا لأماكنهم . بادرهم لافي بسؤال
- هذا وش يصير؟ وسمران يتبعه؟
قال كلمات أخرى غير مترابط , فهذه عادة لافي , حين تشتد المواقف , تختلط مخارج الحروف عنده , فيبدأ بالتمتمة , يحمر وجهه ويداه تلوحان كثيرا , وحين يصعب عليه القول يبدأ بالشتم , ويستعمل يديه بدل من لسانه .
لم تخرج إجابة من أحد, فهم أيضا لا يعرفون ما هذا , وما الذي يفعله سمران .
خرج سؤال من أبو لافي , بعد أن عاد لجلسته السابقة , مرر يده على لحيته البيضاء , كما تعودوا أن يفعل قبل حديثه.
- سمران وش قال.
قال القوم ما حدث , صوت الكائن لحق إجابتهم لأذن أبو لافي , التفتوا جهة بئر الحناكية , صوت متفجر حتى الهواء لم يعتاد على ثقله , سدوا أذانهم , قفز لافي واقفا وأطلق عدد من الشتائم , سقط عقاله وبانت يديه إلى مرفقيهما , قال أخيرا
- سكتوا اللي يزن لأذبحه.
حملت الجملة الأخيرة لقبا لهذا الكائن , سمي "الزن" لصراخه الحاد والمتواصل . زاد الهرج وغدت الحادثة حديث الكل في تلك العصرية , لم ينفض المجلس كما هي عادتهم عند آذان المغرب, اجتمعوا مرة أخرى , طلب أبو لافي أن يحضروا سمران الذي لم يصلي المغرب مع الجماعة , وصلهم سمران بوجهه البشوش , جلس بمكانه قرب أبو لافي بعد أن حيا القوم , مسك يد كبير قومه وضغط عليها , سرد لهم تفاصيل ما حدث , أخبرهم أسم الكائن و الطريقة التي وصل بها ومتى يرحل , قال لهم ما يطمئنهم , ويده تضغط على يد أبو لافي الصامت .
قبل أن يرفع حميد صوته مناديا لصلاة العشاء من بين حصيات , أمر أبو لافي الجماعة بالانصراف , ويده ممسكه بيد سمران .
غادر الكل الدكة , وهم يضحكون من أسم الزن الحقيقي و "الورطة" التي وقعت لسمران , أربع أيام "يرعى" الزن لهو أمر مضحك . ألتفت أبو لافي ليعرف من سمران حقيقة الوضع.
- العلم وش يا سمران.
- العلم ماهو طيب يا أبو لافي
قالها وقد تغيرت نبره صوته , خالطها خوف و ارتباك , قبل أن يكمل مسك أبو لافي يده وضغطها بقوة
- أدفنه بصدرك يا سمران
- أبشر يا أبو لافي , بس يدي لا تكسرها . قالها باسما
- أدفنه بصدرك يا سمران
**

أرخى الليل سدوله على قمر خجل من ضعفه , الطرقات خالية إلا من نباح الكلاب القادم من بعيد وبعض عواء , رجل يمشي أمامه حيوان سيره بين القفز والمشي , تخطى بيت أبو لافي "المروبع" بخطى سريعة , سحب الحيوان ليجاريه , وصل أمام بيت مثلوث , نادى صاحبه بصوت خفيض , لم يجب أحد , تقدم ناحية قسم الرجال , هز صاحب المنزل النائم , طلبه أن يهدأ و يخفض صوته . خرج سمران فزعا .
بادره الزائر
- أنت سمران
- الله الله, تفضل حياااك
وعيناه تراقب حيوان أسود يقف على قدميه , ربط من رقبته بقطعة من جلد فاخر .
- أنا الشيخ مفضي الدغم
كان للاسم وقع كالصاعقة على سمران, هلل ورحب بالضيف, وقبل أن يكمل ترحيبه , أمسك بيد سمران , ناوله الحيوان وهو يقول كأنه تخلص من حمل كالجبال
- وصلتك الأمانة .
- وش العلم يا شيخ.
- العلم .غيوم تلاطم وما أظن بها خير.
- حنا لها يا شيخ
- الرَجال ناويين نيه .
- فهمني يا شيخ , وهذا وش ينقاله
- هذا عذر يا سمران , يقولون له قرد , وصلني من الشيخ الأدهم الراوي و قبله عند الشيخ حسين سعد , وهذا هو عندك , لازم توصله للأمارة المدينة المنورة بعد خمسة أيام , حياته يعني حياتك يا سمران , هذا كلام حاكم حائل بن مسعود.
- يا شيخ أنا سمران عقيد قومي! , أرعى ذا.
- أختارونا الربع لنية بصدورهم. ولى زمن الكلام هذا يا سمران , الرجال يتوعد ويحلف , وصله والله يعينك , سلام عليكم.

**
خمسة أيام والزن يعبر الحناكية من أولها لأخرها , أحيانا يهرب من سمران , يقفز فوق المنازل يصفق بيديه يصرخ بصوته الحاد , تبعه سمران, لا يملك مع حركته السريعة حلا , "يحايله" إلى أن يمسك "الرسن" , يقوده معه إلى كل مكان يذهب إليه , غضب لافي من تصرفات سمران واستسلامه الغير معتاد , قاده الغيظ لمجلس والده .
- يابيي هذا ما يصير , سمران يتبع الزن , لقاه مع طرقي قلنا الشكوى لله بس يصير سمران راعي هذي ما تصيير. هو ناسي من يكون .
أشر أبو لافي الصامت منذ خمسة أيام , خمسة أيام لم يحدثهم بقصصه و"علومه" , عيناه تنظران إلى مكان بعيد , أبعد مما ترى أعينهم , صامت كأنه ينتظر شي ما قد تأخر كثيرا , وهم يلوكون بسيرة الزن وسمران , بعضهم أتهم سمران بقلة العقل , وآخرون قالوا أن هذا الزن ما هو إلا جني ألتصق بسمران ولن يفارقه أبد الدهر , وحده لافي من قرر يوقف هذه المهزلة.
أشر الشيخ الصمت لأبنه بالتوقف , كأن سيد الحديث نسي الحديث , خطفت الحروف من لسانه ولم يعد كما كان . غادر لافي الدكة غضبان آسف لحال أباه وسمران , سمعه القوم يهدد بقتل الزن فهو سبب كل المصائب .
في تلك اللحظة فر الزن من سمران , حين أنشغل "بالرشى" و سحبها , أنحلت العقدة و أنطلق الزن كأنه لا ينوي على العودة, ترك سمران كل شي خلفه , إبله والرشى والبئر وعيون تأكدت من مس أصاب عقيد قومهم , أعتلى الزن "رِجم" عيناه تتابع حركة صاحبه ويداه تصفقان كرسالة تحذير , حاول سمران التقدم ببطء , صرخ بأعلى صوته اتكأ على يديه , تراجع سمران للخلف قليلا , كان يخشى أن يطلق الزن ليديه وقدميه العنان عندها لن يستطيع أن يلحقه , لم يجد معه حيله إلا أن يحايله , أخرج بعض "النِقس"* وبدأ يرميه أمام الزن . رأى لافي بعض من هذا المشهد , جن جنونه حين نادى سمران الزن
- ياوليدي خذ .
قفز بمكانه , أخرج غضبه صرخة مدوية . أراد أن يقول كلاما كثيرا ولم يستطع , قاده غضبه للقديمي سلها, برق نصلها تحت شمس تحاول النوم
- سمران وخر عني بقتله
- لافي تعوذ من أبليس
- كل بلاوينا منه
- لافي اليوم آخر يوم , بكرا أوعدك ما تشوفه , من الفجر باخذه للمدينة وترتاح منه , يا لافي شيل شرك .
- تهددني يا سمران .
- ما أهددك بس روح , أوعدك بكرا ما تشوفه بس رجع القديمي وروح من هنا لا يجفل.
**
بدأت الشمس تطرد فلول الليل , صياح الديك ينادي اليوم المطل , سبق سمران كل هذا ناحية المدينة , مخترقا بيوت من الشعر متقابلة . رافق نداء الديك الأخير , صوت أرعب النائمين , صوت يذكرهم بصوت نسوه مع تلاحق الأيام و صروف الدهر عليهم , قادم من قرب الدكة
- الأخوان صبحونا , الأخوان صبحونا, الأخوان صبحونا

* النِقس : إقط

 

التوقيع

الكتابة ليست عميلة بناء دائما
قد تكون أحيانا معول هدم..!

تركي الرويثي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:06 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.