بقية شمعة : قمري والتجنيس النوعي

[د.جاسم خلف الياس]

بعد مجموعتها الشعرية الأولى (( إمرة من رمل)) الصادرة عن دار الينابيع 2009 ، تصدر الشاعرة العراقية بلقيس خالد مجموعتها الشعرية الثانية (( بقية شمعة: قمري)) وعن الدار ذاتها (الينابيع) 2011. وكالعادة في تناول المؤلفات الشعرية والقصصية التي يجنسها المؤلف بموجهات قرائية مغايرة، لابد من الوقوف عند هذه الموجهات، وتمثل اشكاليتها ودراستها بآليات نقدية تتوخى الموضوعية والعلمية، ولأن مثل هذا العرض لا يمكن أن يكون مناسبا لمثل هذه الدراسة؛ لذا سنؤجلها إلى مقاربة أخرى في قابل الأيام إن شاء الله . ولكن هذا لا يمنع من ذكر الموجه القرائي (هايكو عراقي) والكلام عنه بشكل متواضع. فالشاعرة تدرك خطورة مثل هذه الموجهات التي تثير حساسية ما لدى القارئ ، لذا بعد اهداء المجموعة تمنحنا قنديلا ملونا يعمل على إضاءة المناطق المعتمة في هذا الهايكو العراقي، والغريب في هذا المدخل على الرغم من أنه كتب بلغة نثرية ، إلا إن الشاعرة ارتأت أن يكون التشكيل البصري لهذه الكتابة النثرية ( الطبوغرافيا) تشكيلا بصريا شعريا :

(( تتأنق الأفكار

وهي تبحث عن كل ما هو جديد .

محبتي للشعر لا ضفاف لها،

لا تعصب فيها لنوع معين من الشعر.

كقارئة

تشدني السمة الجمالية في الشعر،

هذا التعامل غير المشروط أو المنحاز،

هو الذي أوصلني إلى

شعر الهايكو الياباني المترجم إلى لغتنا العربية،

وهو شعر يتسم بالرقة/ العذوبة )).

وتعد بحثها عن الهايكو الياباني في المجلات والصحف والكتب والانترنيت، نوعا من الإيمان بسماء المعرفة التي تتسع للتجدد، لا بالاستنساخ. لذا حاولت – حسب قولها – اجتراح طريقة في كتابة الهايكو لا تعتمد على كتابة الهايكو بالشروط اليابانية، وتنوه الشاعرة إلى أن هذه المحاولة (( مثل أي خطوة أولى لا تخلو من تعثر)) . وترى الشاعرة ثمة تقارب بين الهايكو الياباني، والـ(الدارمي) العراقي وهو شعر شعبي من حيث الرقة والعذوبة وتكثيف الصورة الشعرية، وأعطته اسم ( هايكومي) هايكو + دارمي . وعمدت إلى تبويب النصوص بعد عملية فرز متأنية ، إذ جعلت في كل باب المفردة التي أعدت صياغتها شعريا طوال سنوات ، ثم اختارت ما لا يثقل على ذائقة القارئ ((فعلقت هذا القنديل الملون ليضيء طريق القارئة والقارئ )). وهنا لا بد من وقفة قصيرة أمام قولها (قارئة وقارئ) فهذه الواو عاطفة والكل يعلم عملها النحوي، إذن هنالك رابط يجمع اثنين ليس من ذات واحدة، فالأول أنثى بينما الثاني ذكر، وهنا نتساءل هل تعمدت الشاعرة في ذلك لتقول إن تلقي الأنثى للشعر يختلف عن تلقي الذكر؟ وهذا يحتاج إلى مراجعة نقدية تبحث في هذا الطرح المستفز.

قسمت الشاعرة مجموعتها على بابين :

الأول : قرط أول / غصون يبللها المطر

واحتوى على أوتار بكماء، لقاء، رماد بارد، جهاتي الأربع، أحلام، رذاذ، زقزقة.

الثاني : قرط ثان / عناقيد .. مطر

واحتوى على حقائب، مظلات، عصا، جدار، نافذة، رياح، أشجار، جسر فاورنيش مرايا، منديل، قميص، وسادة وشراشف، قلق، قصيدتي، كوميديا صاخبة.

إن مجموعة الشاعرة بلقيس خالد تدعو القارئ إلى التأمل والتأويل بدءا من العنوان الرئيس والموجه القرائي، وانتهاء بمتون النصوص، مرورا بالإهداء وعناوين النصوص الفرعية . وقد اتخذت من تخييب أفق توقع القارئ مرتكزا في الفاعلية الشعرية سواء بالانزياح النوعي أو الصور الشعرية الصادمة، أو المغامرات الجمالية الأخر .. كتاب شعري له ضرورته النوعية في تجاوز المألوف والسائد .

(( في عينيك أراك

الآن

حيرة

لا تشبه بلوتي

تشربني ماء

وأنت

شرقتي

 

[فاتن حسين]

موفقة بإذن الله يـ بلقيس


شكراً لك د. جاسم