المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسودّة _2_


عبدالعزيز رشيد
01-29-2010, 03:31 PM
_1_


"هل يوجد اسبان بالجنّة؟ قالوا:نعم" إذا لاأريد أن أدخل الجنّة! "
*آتاهوالبا ملك الأنكا


في عام 1590 م بعد سنتين من معركة الأرمادا الرهيبة والتي كسر بها الانجليز الاسطول الاسباني "الأرمادا" وبهذا فسح الاسبان المجال للانجليز ولو قليلا لعبور البحر أكثر , وفي مدينة ملقه الأندلسيّة كان روبرتو آسينخو أحد كبار رجال الدين بها والمحترمين كان كبيرا بالسنّ وكان يوجز في مواعظه ويترك البقيّة لملامحه المعبّرة التي كانت كفيلة بالاسهاب أكثر من حديثه ! كان يحبّ الجلوس تحت أشعّة الشمس الدافئة حيث كانوا يأتون إليه ليروي لهم قصصه الشيّقة المحمّلة بالوعظ كان أشبه بذلك الفيلسوف اليوناني الذي طلب من أحد الحكّام وهو جالس تحت الشمس أن يتنحّى قائلا له :"إنّك تحجب عنّي أشعّة الشمس فابتعد قليلا" , وبينما هو جالس أتاه ابن أخيه راؤول شاب مليح وومطّلع ويحبّ أخبار عمّه ومعه زمرة من الشبّان جلسوا بالقرب منه وبعد أن تعرّف عليهم

قال راؤول: هذا فرانشيسكو قدم للتوّ من كوزكو وقد حدّثته عن مغامراتك وكم يتمنّى لو يكون مثل فرانشيسكو بيزارو المكتشف الكبير
فرانشيسكو:تشرّفت بمعرفتك ياعَم , سعدت كثيرا بمعرفتي لأخبارك قدمت من كوزكو وأفكّر بالعودة هناك حيث ساكوّن ثروة من مزارع الهنود هناك ومن ثمّ أعود محمّلا بالحياة من جديد الزمن يمنحني فرصة التغرّب لعشر سنين كي أعود غنيّا عوضا عن قضاء 60 سنة كيّ أكون ثريّا من هنا!
روبرتو: أهلا بك يابنيّ قُل لي كيف هي أراضي الإنكا القديمة مشتاق لرؤية جبالها التي تقف حائلا أمام الباسيفيك
فرانشيسكو : الأرض واعدة ومغرية رغم صعوبة جبالها إلا أن سكّانها أسهل مما نظنّ
روبرتو : لم يخطر بالبال أنّهم سيكونون على موعد معنا لو قدّر لأحدهم أن يحكي عن مفارقاتهم لمأ الدنيا حكايا أكثر مما نظنّ وأكثر مما كنّا سنحكي عن الإنكا والذهب والألدورادو
راؤول: الألدورادو ابتلعت الكثير من الناس وهي لم تكن موجودة أكاد
روبرتو : كنّا على موعد مفاجئ مع الأحداث الغريبة وهذا ماجعلنا نروّج للعديد من الأمور الخاطئة من بعلم أن ماجلان عندما عبر المحيط الهادئ سمّاه بهذا الاسم "الباسيفيك" لأنّه لم يصادف أيّ عاصفة ! في حين كلّ من أعرفهم يقولون بأنّ الاسم كذبة لاتغتفر وكأنّ المحيط لم يعد هادئا من هول ماحدث
أحد الشبّان قال ساخرا: كان عليه أن يثور فرحا فلقد وجد أناسا مؤمنين يسكنون بقربه!
فرانشيسكو: من أجل المسيح وبفضل المسيح دانت لنا تلك الديار وأحد أجمل الهبات هو الإيمان الذي بدأ يستوطن تلك الديار الموحشة بجانب أهاليها المتوحشّين دينيّا
روبرتو : هل امتلأت تلك الدياربالكنائس؟
فرانشيسكو: بدأت الدور والكنائس تُبنى وماهي إلا سنين وتكون تلك الأرض مباركة
راؤول: ليحمي الله ديارنا وكأنّ الله منحنا نعمه تباعا فهانحن بعد أن تمّت لنا اسبانيا وأزلنا المسلمين والبربر سنزيل كلّ شيء من أجل المسيح
روبرتو : نحن في زمن الألدورادو


لم يفهم الشبّان ماعناه العم روبرتو آسينخو وبعد فترة قصيرة استأذنوه اذ أنّه لم يبدو مستعدّا للإطالة بالحديث عن ذلك الزمن الغابر الذي كان فيه شابا يافعا يجول الديار ويجمع ماكتبه ويخبّئه بعيدا عن الأنظار هذا هو روبرتو العمّ الحكيم روبرتو آسينخو

عبدالعزيز رشيد
01-30-2010, 02:35 PM
_2_


روبرتو آسينخو رجل الدين لو قدّر لمحاكم التفتيش التي كانت نشطة في حينها أن تكتشف مافي داخل عقله لأاعدمته حرقا بتهمة الهرطقة أو أعدمته "بعذراء نورمبرج"*! , لم يكن الرجل يصدّق كذبة أن الاسبان منحهم الله حقّ إلهيّا بالاستيلاء على أمريكا كما كان يستخفّ بمعاهدة "تورداسيلس"** التي جرت عام 1494م كان يلعن فرانشيسكو بيزارو ولم يكن يجده لافاتحا ولامكتشفا وكان يستغفر الربّ من هول مارآه في أيّا رحلاته كان الطابع الدينيّ الدارج في اسبانيا مختلفا تماما وفي أوج شدّته أيّام شارل الخامس ومن بعده فيليب ربّما أتت معركة الأرمادا لتجعل العالم يفيق فقد كان يجدها نعمة إلهيّة ! ,كثيرا ماكان يقول:"إنّنا نعتقد بأنّ الربّ أراد لنا ذلك ليكافئنا في حين أنّ الشيطان هو من يفعل ذلك مرتديا زيّه الملائكيّ الكاذب"! , ذهب إلى روما إلى الفاتيكان لكنّه لم يكن مطمئنّا كان عقله مليئا بالأفكار التي تشبه أفكار ديكارت وجون لوك كان في ذلك في اسبانيا لكن لم يكن ممكنا أن يكون ذلك بشكلٍ علنيّ على الإطلاق

راؤول: عمّي روبرتو كنت أريدك أن تسهب بالحديث عن الإنكا وتلك الديار
روبرتو : بنيّ وجدت صديقك مليء بالأفكار التي تخلّصت منها ودفتها بعيدا عنّي لذلك فضّلت الصمت
راؤول: أتعني الألدورادو وأسطورتها؟
روبرتو:نعم
راؤول: أدرك ذلك ياعمّي لكن ذلك يداعب الخيال ويداعب كلّ الناس صحيح أنّها تبدو كذبة خرقاء ووهما طاغيا لاصحّة له أو لنقل دعاية مضلّلة أكاد أشفق على من يصدّق وجودها
روبرتو وهو مبتسم : لكنّها موجودة الإلدورادو فعلا موجودة يابنيّ!





* عذراء نورمبرغ: تابوت مليء بالأشواك الحديديّة كانت توضع فيها الضحيّة ويتمّ إغلاقها حيث تخترق تلك الأشواك جسد الضحيّة في كلّ أجزائه وكانت تستخدمها محاكم التفتيش
** معاهدة تورداسيلس: معاهدة عقدها البابا صلحا بين اسبانيا والبرتغال في إطار تنافسهم الاستعماريّ وبموجبها تمّ تحديد خطّ طول معيّن حيث أن مايقع شرقه للبرتغال ومايقع غربه لاسبانيا

عبدالعزيز رشيد
02-07-2010, 10:53 PM
_3_


ولد روبرتو في ملقا وكان ابن أسرة ميسورة الحال في عام 1510م لم يكن قد مضى وقتٌ طويل على إجلاء المسلمين ولم يمضي الكثير منذ أن اكتشفت اسبانيا أمريكا , أراد الشاب روبرتو أن يذهب إلى العالم الجديد فقد سمع الكثير من الحكايا هناك كانت الأرض بكرا لم يكن الاسبان قد غامروا كثيرا بعد كان المجال مفتوحا فقط للمغامرين بدى وكأنّ أمريكا كوكب آخر ومخيف ومريب ومن يذهب إلى هناك يخاطر بحياته لكنّه الذهب الذهب وحده هو من جرّ الإنسان في ذلك الزمان للحروب الذهب نفسه هو من سلخ جلد الانسانيّة وأشعل اطماع الكثير روبرتو كان يحلم بالذهب والثروة وكذلك المعرفة بدى الأمر مثيرا التحق الشاب في احدى الرحلات الذاهبة إلى العالم الجديد

عندما صعد إلى السفينة بعد أن تمّ اعتماد اسمه كأحد طاقم السفينة " سانتا ماريّا" لاحظ أن هنالك العديد من الأغراب لم يكونوا اسبانا بالواقع كانوا مسلمين متستّرين أرادوا الذهاب بعيدا إلى العالم الجديد _ قد يبدو ذلك تفسيرا مقنعا لقول المكسيكيين وهم يخاطبون العرب قصد المداعبة"أهلا بالـ Grandfather"!_ لم يدر في ذهنه حينها إلا أنّهم أرادوا عالما جديدا يناسب طبيعتهم والتي لم تتأقلم على مايبدو في بلدهم على كلّ الحال لم يكن يعرف بأنّهم مسلمين ولايهمّ ذلك فقد كان أكثر البحّارة من أصحاب السجون والمجرمين السابقين واليائسين ليس من السهل أن تُقنع شخصا ميسورا ومسرورا في بلاده بخوض مثل تلك المغامرة لكن روبرتو كان مراهقا وطموحا جدّا كان يريد تلك الأرض التي وهبها الله لاسبانيا إكراما للصليب المرسوم في أشرعتها وعلى صدور جنودها وكذلك الموسوم في صدورهم الباطنيّة

وبعد رحلة طويلة وشاقة أشبه بالجحيم إذ أنّ سفن ذلك الزمان كانت قذرة بشكلٍ لايوصف والطعام كذلك والرؤساء متسلّطين كلّ ذلك اختفى مع الاطلالة الأولى لجزيرة سان سلفادور والتي انبأت عن الوصول للعالم الجديد بعد رحلة عصيبة وعندما سأل روبرتو عن الوجهة التالية قالوا له :" سنقصد سان دومنغو"

عبدالعزيز رشيد
02-10-2010, 01:39 PM
_4_




كانت ساعة التاريخ تشير إلى عام 1529م وبعد رحلة طويلة مزحومة بالكآبة مع قدر بسيط من الاستبشار كانت السفينة مكتومة بالراحلين وكان بطنها مليء بالجوّ الرطب لم يكن هنالك أيّ شيء يدلّ على وجود جوّ صحّي أو قابل لحياة الجوّ أحيانا يكون حارا وعند الهروب إلى جوف السفينة يكون الجوّ أشدّ رطوبة وكأنّ أنفاس الراحلين تعلق في جلودهم كلّ ذلك زال بعد أن صاح الرجل الموجود في مقدّمة السفينة بأنّ سان دومنغو تطلّ بوجهها عبر الأفق الكلّ اندفع ليرى العالم الجديد المأهول لم تكن سان سلفادور إلا جزيرة عاديّة لكن سان دومنغو مدينة يسكنها البشر ورغم قلّة عددهم كان لرؤية كائن حيّ ناطق يبعث الحياة من جديد فمن الصعب أن يقيّد الانسان في عالم محدود يعرف حدوده للك كثيرا ماكان يقول آسينخو :"أتمنّى أن يظلّ العالم مجهولا وأن يكون هنالك عالم جديد لكلّ جيل لأنّ العالم عندما تُعرف حدوده يبدأ بالتقلّص تماما كهذه السفينة"! , هبط البحّارة بالسان دومنغو ولأوّل مرّة رأى روبرتو الهنود الأمريكان بدت وكأنّ وجوههم محمّلة بالكثير من المشاعر التي ثقلت على ملامحهم مغلوبٌ عليهم حتّى مدينتهم الصغيرة تمّ سلب اسمها الأصليّ وتغييرها لسان دومنغو! حدّق آسينخو كثيرا في ملامحهم ورأى ملامحا اسبانيّة بدت وكأنّها فقدت بريق الدهشة الأولى فقد اعتادت على العيش سريعا هنا! , لم يرد أن يكون مثلهم في يومٍ ما بدت النوارس وهي تقول :" مالذي جاء بهم بدأوا يكثرون هؤلاء الاسبان هنا"!

روبرتو:
"خوسّيه , إلى أين سنكون بعدها؟"
خوسيه:
"إلى حاكم المدينة وهو سيطلعنا على مايجب أن نقوم به وقد نخيّر بأمور عدّة أريد أن أذهب إلى بنما"
روبرتو:
"بنما؟!"
خوسيه:
"نعم يقولون بأنّ الهنود هناك أغنياء على عكس هؤلاء يبدو أنّ الذين سبقونا انتزعوا حتّى حلق الذهب المعلّق في أنوف الهنود"!
روبرتو:
"لم يدر في ذهني أن هنالك بشرٌ مثلنا لكن ياترى كيف أتوا إلى هنا هل سنكون مثلهم في يومٍ ما عندما نستقرّ هنا؟"
خوسيه:
"لاأعلم ياعزيزي لكن على مايبدو أنّهم ولدوا هنا وهي أرضهم أو ربّما لم تولد هذه الأرض إلا بعد أرضنا بسنين طويلة" - قالها ضاحكا
روبرتو :
"لاأدري لكنّني رغم الشمس والشاطئ أحسّ بأنّ هذا العالم ليس بعالمنا"


لم يكن هنالك متّسع للتساؤلات كان الأمر أكبر من ذلك كثيرا عالم بكر وسكّان مسالمين ضعفاء القاسم المشترك بينهم هي اللغة فالإنسان لايقوى على السكوت فهو قادر على ابتكار لغة في سبيل التخاطب حتّى الاسبان استطاعوا تعلّم بعض اللغات الهنديّة! انّها غريزة الانسان الحديث وماأصعب أن يجبر الانسان على السكوت , كان الكلّ يتحدّث عن الأراضي الشاسعة التي وزّعت للجنود والمشاركين في غزو المكسيك مع كورتيس عام 1521م حيث كان روبرتو على موعد مثير مع كلّ تلك الحكايات

عبدالعزيز رشيد
02-13-2010, 04:19 PM
_5_

"عندما وصل الاسبان لمكان ما بالمكسيك سألوا سكّانها وقالوا:ماإسم هذه الديار؟ , أجابوهم الهنود وقالوا:يوكاتان , فقاموا بتسمية المكان بهذا الاسم في حين أن معنى كلمة يوكاتان هي (لاأفهمك) ! "


كان روبرتو متحمّس جدّا لمغادرة سان دومنغو كي يذهب إلى بنما أو المكسيك أو إلى أيّ مكان لم يكن يعد للهنود وزن كانت الأرض وكأنّها تقول هيت لك لكن عائقا ما منع روبرتو من الذهاب ألاوهي الحمّى! وبعض الأمراض التي داهمت جسده فجأه فأفسدت عليه فرصته! , ينبغي لنا أن نعرف ماهو أكثر سلاح فتّاك جاء به الأوروبيون للقارة الجديدة بالتأكيد ليست البنادق فهي ليست قادرة على إبادة أكثر من 40 مليون هندي ولوحدها وكذلك ليست المدفعيّة التي لم تستخدم إلا متأخّرا وكذلك ليس الطمع والجشع ولكنّها الأمراض! نعم قدم الرجل الأبيض محمّلا بأمراض قارته القديمة والتي ضاقت بها تلك القارة العجوز فتمّ نقل الكثير منها للقارة البكر \الجديدة والتي عانى أبناؤها تلك الأمراض الغريبة ولم يعرفوا لها علاجا ولم ينوي الرجل الأبيض أن يقدّم ذلك العلاج بالطبع فهو أصبح حليف المرض ضدّ العدوّ المسالم!


عندما تحامل روبرتو على نفسه ومشى قليلا رغما عن الحمّى كان يشاهد المرضى من حوله وأحسّ بأنّ القارة حانقة على النزلاء الجدد كان الجوّ رطبا وحارا عاد ليستلقي ليأتي أحد المهاجرين واسمه خوان فوق رأسه ويؤانسه ويتحدّث إليه ويحاول طمأنته بأنّ المرض سيزول قريبا

روبرتو:
"حدّثوني عن الدون فيغا الذي قدم هنا ومات بالحمّى!"
خوان:
"وماذا قالوا عنه؟ المسكين أتى إلى هنا وأراد أن يكمل بقيّة حياته الأخيرة في العالم الجديد كان يحبّ الاكتشاف لكنّه مات سريعا"
روبرتو:
"يالله لاأتخيّل كم أنّ الانسان قد يكون تعيسا لدرجة أنّه يضيّع آخر لحظات حياته كيّ يموت في عالمٍ غريب مجهول وبعيدا أن أصحابه كان الأجدر به أن يبقى وأخشى أن يقول أحدهم هذا الكلام عنّي لاحقا"
خوان:
"لاعليك فيغا كان مريضا من قبل ولم يكن شابا مثلك ثمّ ان هذا العالم لم يعد غريبا فهو يوما بعد يوم يزداد ألفة ومن يدرِ قد يأتي أبناء الدون فيغا ليدفنوا بالقرب منه"

استبشر روبرتو قليلا كان مليئا بالحسرة جرّاء تلك الأمراض لم يدر في باله أنّ طموحه سوف يعترضه حاجز كهذا عند أوّل خطوة ومما زاد الطين بلّة خوفه من الموت المبكّر فالمرض قد يؤجّل رحلتك لكن الموت يؤجّلها للأبد ,كان يحسّ بأنّ الأغلال تطوّق أحلامه وكأنّه يرى مفاتيح تلك الأغلال ليست بالبعيده لكنّها في يد لحظة ستأتي في يومٍ ما

عبدالعزيز رشيد
02-16-2010, 07:39 PM
_6_


بدأ آسينخو يتعافى فقد بدأت شهيّة للأكل تتفتّح بدت العديد من الأشياء تستجدّ عليه فمثلا كانت التي تضع الضماد وتعتني به فتاة هنديّة لم يعرف اسمها ولم يكن بمقدوره الحديث معها لكنّه لم يعتد على الهنود بعد فمنذ قدومه لم يمهله المرض وكذلك لم يتسنّى له أن يرى الكثير من الهنود إلا عن بعد بدأ يسأل خوان رفيقه وقال:
"أين هم الهنود كنت أسمع عنهم الكثير لم أتخيّل أنّهم قلّة لهذه الدرجة "
خوان:
" لا بل موجودين لكنّهم الآن قلّة في هذا المكان عندما تذهب لأطراف الجزيرة ستجدهم وكذلك ستجدهم أكثر في بنما هناك"

دهش روبرتو لم يعرف سبب قلّة عددهم ولم يدر في ذهنه أن ذلك الشبب قد يكون موحشا تخيّل أنّهم غادروا المكان أو باعوا الأرض أو أيّ شيء من هذا القبيل على كلّ حال لم يمض الكثير من الوقت إلا وكان روبرتو يجري من فرط نشاطه وعافيته وبدأ يخالط الناس أكثر رآى هنودا أكثر لكن المكان بدى وكأنّها مدينة اسبانيّة تقطنها أقليّة هنديّة! بدأ يخرج مع المستوطنين والجنود إلى الغابات بدا الأمر طبيعيّا لكن في مرّةمن المرّات وبينما كان يتجوّل سمع صراخا كان ذلك الصراخ يشبه صراخ امرأه هرع للمكان كان خائفا ومع ذلك اندفع صوب المكان! ركض خلفه بعض من رافقه فوجؤوا بركضه وركضوا من خلفه واستقرّت عينه على منظر بشع كان هنالك رجل يقطر الدم من رمحه لم يفهم المنظر بعد لكنّه رأى منظرا عند قدم ذلك الرجل لم يكن المنظر مألوفا أبدا وجد رأس طفل كانت قدم ذلك الرجل تدهسه بل إنّه مشى من فوقه والتفت وصاح له بـ "مرحبا"! ,التفت روبرتو إلى رفقائه وصعق عندما وجد ملامحهم لم تبدِ أيّ رغبة بالإستنكار !! أعاد النظر في ذلك الرجل علّه يكون واهما لكنّ المنظر كان نفسه لم يتغيّر بل شاهد سيّدة مسكينة ملقاة وهي مطعونة من ذلك الرمح

عاد روبرتو وتمنّى لو أنّ المرض دام طويلا كي لايستنّى له رؤية ذلك المشهد تذكّر بعض القصص التي قام بها الاسبان بالمسلمين لكنّه لم يتخيّل أن يرى ذلك بأمّ عينيه كان يسمع تلك القصص ولم يكن يصدّقها لكنّه الآن رآها أيعقل أن يكون أبناء جلدتي بهذه القسوة؟!

لم يكلّم روبرتو أحدا كان الكلام الوحيد الذي يستطيع قوله هو ردّ التحيّة وإبداء رغبته بالذهاب إلى بنما سريعا بعيدا عن هذا المكان اللعين.

عبدالعزيز رشيد
02-18-2010, 11:17 AM
_7_


عاد روبرتو مفجوعا لم يستطع انتزاع ذلك المشهد من مخيّلته لكنّه على الأقل استطاع كسر حاجز الذهول المهيب بحديثه مع خوان وقال:
" لماذا يحدث ذلك وماذا اقترفت تلك السيّدة؟"
خوان:
" لاتتعب نفسك بهذه الأمور ستجد ماهو أكثر فهؤلاء البرابرة لايستحقون ذلك القدر من الاهتمام فهم كفرة"
روبرتو:
" كفرة؟! لكن لو كانوا كذلك لمَ لا يقاتلونكم ويحاولوا فرض ديانتهم "
خوان:
" لأنّ دينهم أكذب من أن يستحقّ الموت من أجله"!
روبرتو:
" وماذا لو كان الدين يكذب؟ قد يكون رهبانهم أو احبارهم سبب ذلك فهم المذنبون وليس النساء والأطفال"
خوان:
"على كلّ حال قبل مجيئك تمّ تعذيب أحد زعمائهم تم رفعه بالحبال وانزاله رأسا على عقب على حوض ماء من تحته النار تغلي وكان الجلادون ينهالون على جسده المتبقّي بالضرب الغريب انّ هنالك بضعة هنود ارتموا يريدون الشافعة له وبدلا من ذلك تمّ قتلهم والضحك كان يتعالى عليك أن لاتدقّق كثيرا بتلك المسألة فهي ستتعبك كثيرا لاأجد هؤلاء بشرا مثلنا فهم مسالمون أكثر مما ينبغي ولايملكون غريزة البحث والتحقّق والايمان فهم ينقادون بسرعه"
روبرتو:
"وهل هذا مبرّر لكلّ مايحدث؟"
خوان:
"بالطبع لا وأريدك أن تدرك بأنّني لست راضيا كليّا عن ما يحدث"

كان صدمة آسينخو كبيرة أستغرب أنّ الحجر والشجر لم ينطق حينها بأيّ شيء! كانت هنالك فظائع كبيرة وماحدث مع روبرتو لم يكن شيئا فبعد سنين سيصل حاكم كوبا دي سوتو ويستكشف مناطق ماتعرف الآن بلويزيانا وتكساس وسيقوم بقطع رأس طفلٍ هنديّ من أجل تجربة سيفه فقط! علما بأنّ قبيلة هذا الهندي كانت قد أوت دي سوتّو واستقبلته؟ أيّ جريمة أكبر بشاعة دي سوتّو أم الطبع المسالم للهنود؟؟ أعتقد أنّ الطبع المسالم كان المذنب الأكبر في تلك الجريمة الشنعاء!

"هل الدين يعطي كلّ ذلك الحقّ؟" , سأل روبرتو نفسه في الواقع كان الدين ذو حصانة مخيفة بحيث أنّ الجرائم التي ترتكب ماإن يقال عنها أنّها كانت من أجل الدين إلا وتختفي كلّ التساؤلات التي قد تسبّب الإزعاج لمسيرة هؤلاء المجرمين , إذا كان الإنسان بطبعه مسالم هل الدين هو من زرع فيه كلّ تلك العداوة؟ أمورٌ كثيرة تربط بالأديان ولو كان للدين لسان لنطق واستنكر مايحدث فكرة أن أمريكا واكتشافها كانت هبة ربّانيّة ومهمّة اسبانيّة لإدخال سكّانها إلى الدين المسيحيّ كانت مجرّد خرافات ساذجة ويستطيع العالم أن يفهم ويقول بأن القبطان الانجليزيّ فرانسيس ديريك كان قد ولد عقابا من الله للإسبان أكثر من القول بأنّ أمريكا كانت هبة من الله للإسبان

لم تبدأ مثل تلك الأفكار تنمو في عقل روبرتو بعد كان أصغر من ذلك

عبدالعزيز رشيد
02-21-2010, 10:34 PM
_8_

"لو لم يكن الله موجودا لوجب اختراعه"!*
* فولتير




ساعة التاريخ تشير إلى عام 1530م مضى عامٌ منذ مجيء روبرتو إلى العالم الجديد هذه المرّه سيرحل عن هيسبانيولا(ساندومنغو) إلى بنما قبل الذهاب وبعد أن ضاق روبرتو ذرعا كان قد جمعه الحديث مع أحد الاسبان الذين قدموا منذ فترة للعالم الجديد واسمه بارتولوميو وهو من اشبيليه عندما سأله بارتولوميو:
"تبدو غير مسرور من هذا المكان"
روبرتو:
" لقد شاهدت أشياء لاأحبّها ولم أطق العيش في عالم صغير وقاسي كهذا على الأقل سيبدو العالم أكثر قدرة على احتواء القسوة هناك"
بارتولوميو:
" تلك المساحة لم توجد إلا لمساعدتك بالواقع وإلا فإن القسوة سوف تصادفها هناك وهي بكر"
روبرتو:
" ربّما أحتاج لتلك المساحة وبعدها سأرى مايمكنني التفكير به"
بارتولوميو:
" لازلت أصغر من التفكير ستكبر عندها ستستيقظ الأفكار في داخلك , أتمنّى لك التوفيق وراع المسيح في أعمالك في سرّك وفي علنك"
روبرتو:
" بالطبع , الربّ معنا وهو ربّ الجميع وكلّ ابن أنثى يؤمن به مع اختلاف الأفكار"
بارتولوميو:
"انّه الانسان ياروبرتو"

عبدالعزيز رشيد
02-23-2010, 04:23 PM
_9_

"سأل هاتوي قومه وقال:هل تعلمون لماذا يفعلون ذلك؟ ,قالوا:انّهم يفعلون ذلك من أجل ربّهم الذي يعبدونه ويقدّسونه انهم يريدوننا أن نؤمن به ولهذا يقتلوننا,وكان هاتوي يملك سلّة مليئة بالذهب وقال وهو مبتسم :هذا هوو ربّ المسيحيين!"*
*من كتاب بارتلوميو دي لاس كازاس (مذابح الهنود الحمر)


غادر روبرتو هسبانيولا(ساندومنغو) أخيرا بعد أن ضاق ذرعا منها ومن قسوة قومه هناك لم يكن يعرف بأنّ هذه الجزيرة كانت عامرة بالهنود وكانت بها عدّة دويلات مستقرّة وسعيدة لأنّه لم يجد إلا قلّة منهم لم يدر في ذهنه أنّ أغلب سكّان تلك الجزيرة أبيدوا بوحشيّة بدت القسوة كشيءٍ عارض ولم يعتقد بأنّها ستكون عادة للاسبان هناك مورست لأكثر من 100 سنة!, تُرى مالذي جعل الاسبان يقتلون ويفعلون مايفعلون هل هو الرب؟ واختلاف وجهات النظر من الناحية الإيمانيّة هل من الممكن أن تصل القسوة لهذا الحدّ فقط لمجرّد اختلاف الآلهة؟! لا طبعا لم يكن الربّ هو السبب كما يزعمون فقد كان الذهب وحده لطالما كان طريق الدين والايمان للدخول في قلوب البشر بالتي هي أحسن لكنّه بهذه الحالة لم يكن كذلك كان الذهب وراء كلّ تلك الجرائم التي حصلت والمجازر والتي فاقت مافعله التتار بآسيا كلّها الذهب والطمع والحكم كلّ ذلك كان تحت غطاء الدين وهذا ماجعل بارتولوميو يؤلّف كتابه , بالغوا الاسبان في كلّ مافعلوه بالرغم من أنّهم لقوا المعاملة الحسنة والطيّبة الكريمة من الهنود ولطالما استضاف الهنود المساكين الاسبان كمبشّرين لكنّهم ماإن يستيقضوا إلا ويجدوا سيوفهم تنهال على رقابهم وعلى أطفالهم وهم يسلبون مالهم ويرحلون وقبل الرحيل يحرقون بيوتهم ! أيّ طيبة كانت مسلّطة على هؤلاء الهنود! قد تكون الطيبة نقمة بل جريمة لاتغتفر وحماقة كبرى يدفع مرتكبها حياته ثمنا لها

كان البحر هادئا عندما وصلوا إلى القارة الجديدة عندها رسوا عند منطقة كانت بها مستعمرة بسيطة شاهد روبرتو مالم يرجوه يوما شاهد بضع هنود يغوصون وعند صعودهم يأتون وهم محمّلين باللؤلؤ كان أحد الهنود هزيلا ولم يكن يقوى على الغوص أشفق روبرتو عليه وبعد برهة شاهد الرجل الاسبانيّ الذي وقف في عوّامة و يحمل السوط والرمح معه وهو يغرس الرمح في عنقه! لأنّه لم يحصل على مايشفع له من اللؤلؤ! , أصيب روبرتو بالغثيان وتفطّرت كبده سكّان البلاد الأصليين باتوا عبيدا بكلّ بساطة صرخ روبرتو :
" حلّت عليك لعنة الربّ, ماأنت فاعل"
التفت إليه زميله خوان وقال له:
" ماذا دهاك دع الرجل وشأنه ولاتسبّب المشاكل لنفسك"
فقال روبرتو:
" وكيف ذاك؟ وماذا تسمّي مايقوم به تبشيرا أو دعوة لمجد المسيح؟"
خوان:
" هنالك أمورٌ لاينبغي أن تقال وأن تُبدى أتيت إلى العالم الجديد ولازلت في بدايتك دع الأيّام تحكم وامنح عمرك فرصة أكثر ليكتمل أكثر عندها يمكن أن تفعل أشياء أكثر"

ابتعد روبرتو وهو يكتم غصّة في قلبه ويكاد يبكي من فرط مارأى الشاب الذي نشأ وهو يتعلّم اللاهوت والدين والرحمة والإنسانيّة فُجع عندما رآى أبشع الجرائم ترتكب بسم كلّ ذلك !

عبدالعزيز رشيد
03-04-2010, 11:35 AM
_10_

http://www.youtube.com/watch?v=n8g6Tqqc6DQ&feature=related

"ماريّا
المليئة بالنِعم .."*

جملة لطالما وجدت على ترتيلهم وسط أناشيدهم


بينما كان البحّارة يتطلّعون لرؤية بنما المطلّة كان روبرتو وحيدا يتلو صلواته وهو يتذكّر كلّ ما حفظ ويسأل نفسه هل كنّا صادقين بإيماننا؟ خاف أن تكون أمريكا الأرض التي سيزرع بها دين يدّعي الإيمان ولكنّه يرفضه من غير الاسبان! بدأت النوارس تداعب صواري السفينة وبدأ البحّارة يتطلّعون للأفق أكثر لقد رأوا ذلك البرزخ الذي يفصل بين المحيط الأطلسي والهادئ بضع كيلو مترات فقط كانت تفصل بينهما ولو كان مفتوحا لربّما حكمت اسبانيا بلدانا أكثر وجثمت على صدور شعوب أكثر كذلك لكن وكأنّ أمريكا خافت على أبنائها ومدّت في أرضها لتتصل وتمنع السفن الاسبانيّة لكي تجبرها على المضيّ بعيدا جدا جدا إلى مضيق ماجلان المرعب كي يصلوا للهادئ!

وصل روبرتو لبنما كان الأرض أجمل من هسبانيولا كثيرا كانت الأرض خصبة جدّا ومثاليّة البحر يحيط بها والغابات تغطّيها والسكّان ودودون لقد وصلوا إلى مستعمرة سكنها البيض وعندما اجتمع برفقة خوان مع العديد من المغامرين كانوا يرووون حكايات الذهب حكايات الشعوب الغريبة أحدهم قال:"ألبسوني بالذهب حتّى كدت أختنق "! وآخر يقول:"لم أجد الذهب لكنّي حصلت عليه بعد أن أخذت عشرين صبيّا عندي وبعتهم كعبيد لم يكن الثمن أكثر من إشهار سيف مهترئ"! عندها وجد روبرتو رجلا كان جالسا وكأنّه لم يكترث للحديث فخمّن أنّه قد تشبّع منها وهو يعلم بها كثيرا ففضّل الجلوس معه ومنادمته

روبرتو:
" سيدّي مرحبا"
الرجل:
" محربا بك أيّها الشاب تعال اجلس يبدو أنّك لم تستوعب مايقولون؟"
روبرتو:
" لقد طفقت من كلّ هذا أريد أن أسمع حديثا بعيدا عن رنين الجشع"
أجاب الرجل مبتسما:
" كلّ ماحولنا يدعو للجشع , تخيّل أنّك تأتي لبلدة ما هناك في اوروبا لم تتجرأ وتحاول الحصول على شيء من غير حقّك لأنّك تعرف أن هنالك من يمنعك لكن فمابالك بقومٍ يقدّمون ذلك لك وكأنّهم يقولون:نريد أن نمنعك من أخذ ماتبقّى فلانستطيع منعك بغير ذلك ؟!, سيقفز الشيطان النائم في جوفنا ويطمع أكثر لاأدري أحسّ بأنّ هؤلاء الحمقا_الهنود_ طعمٌ من الشيطان كي يوقعنا وكأنّه اختبار من الربّ كي يرينا فضاعة طمعنا وجشعنا"
روبرتو :
" سمعت عن أمور فظيعة جدّا يقولون بأنّ كورتيس كان قبل أن يدخل قرية هنديّة يقدّمون له الذهب والفضّة ويعدّون الولائم من أجله وبعد أن يأكل كلّ شيء يعود بالذهب الذي أهدوه لهم ومعه زعيم تلك القبيلة عبدا هو وأسرته!"
الرجل:
" ذلك لاشيء انّها جنّة الخطيئة الهنود هنا وديعون جدّا وبشكلٍ ساذج عرفت شعوبا طيّبة لكن لم أدرك بأنّ هنالك طيبة حمقاء كهذه بل كان الرجال يأخذون مؤنة الشتاء لديهم ليتركوهم للموت بردا بل ويأخذون معهم أجمل النساء ليتسلّوا بهم وهم بالطريق وبعدها يلقون بهم إمّا طعاما لكلابهم أو للوحوش البريّة لم أعرف شعبا أحمق كهذا كان يقدّم الولائم بمناسبة موته!"
روبرتو :
" ولكن ألم يأمر صاحب الجلالة أن تكون هذه الأرض اسبانيّة ومسيحيّة؟ أم أن الهنود امتنعوا"
الرجل:
"عزيزيّ لقد كنت مبشّرا لكنّي تركت كلّ ذلك فهؤلاء كفّار على كلّ حال وثمن الحصول على ذهبهم أغلى من إيمانهم"

صعق روبرتو وهو يسمع كلماته وبدى عليه الخوف لم يكن يتصوّر أنّه سيكون مثلهم في يومٍ ما بالواقع إن الشعوب قد تفتن وكذلك كان الاسبان لقد أتتهم فتنة الذهب والسلطة والسيطرة وبثمنٍ بخس الانسان أضعف عندما يسيل لعابه من مغريات الدنيا يبدو كالحيوان ان لم يكن مؤمنا صادقا في وجه الجشع والطمع كانوا يقضون ثلاثة أشهر وهم بالسفينة التي تبدو وكأنّها سجنٌ مقيت في عرض البحر يمشي كان القباطنة متسلّطين والطعام رديء والأجواء سيّئة ومع ذلك لم يمنعهم شيء من المضيّ قدما بدى وكأنّ العالم أصبح أكبر من ذي قبل لكنّه بالواقع أصبح أصغر مع الاكتشافات الجديدة فالمسافة بين القسطنطنيّة وروما كانت تعتبر كبيرة جدّا في ذلك العصر لكن وبعد اكتشاف أمريكا أصبحت قصيرة وكأنّ المسافة التي كانت تفصل بينهما انتقلت بين اسبانيا والعالم الجديد! ومع كلّ اكتشاف كانت المسافة تقصر في أعين الطمّاعين

"روبرتو خوان "
أحد الرجال قام يناديهم ولم يكن إلا احد بحّارة تلك السفينة وأكمل قوله:
" تعالوا القبطان يريدنا فورا"

ترك روبرتو الرجل ورحل بعد أن ودّعه وعندما أتوا عند القبطان أخذهم مع مجموعة كبيرة منهم إلى مكانٍ ما كان أشبه بالبيت الكبير أو القصر بقياس العالم الجديد قام القبطان بتحيّة رجل كثيف الللحية وكثيف الحواجب عيناه كانت غارقة في وجهه وكأنّها تخفي أمور كثيرة ملامحه حادة قاسية لم يكن ذلك الرجل إلا فرانشيسكو بيتزارو وكان قد عاد قبل ثلاث سنوات من مدينة تمبيز لم ينسى منظر تلك المدينة وهيبة الامبراطوريّة التي اكتشفها عاد وهو محمّل بالكثير من التباشير والذهب والمغامرات كان قد بدأ يشتهر على أنّه أحد رجال العالم الجديد المغامرين الجشعين كان الزمن قد غادر 1530م إلى 1531م عندما عاد إلى العالم الجديد وهو يحمل الاذن المهيب من الملك شارل الخامس باكتشاف أراضي الأنكا ومعه الأمر الذي يقضي بتعيين بيتزارو حاكما على كلّ الديار التي يفتحها! بدى الأمر واضحا عندما عانق القبطان بيتزارو لم يكن بحّارته وهو إلا جزء من تلك الرحلة والتي ستنطلق قريبا فقد غادر القبطان هسبنيولا أواخر عام 1530م ووصل في كانون الثاني 1531م وعلى أهبة رحيل لاكتشاف الأراضي الواسعة

"أنت محظوظ الكثير قضى فترة من عمره كيّ تتاح له مثل تلك الفرصة للبحث عن الذهب والألدورادو"!
هذا ماقاله بينتو أحد البحّارة ليجيبه روبرتو:
" الألدورادو؟"
بينتو:
"نعم مدن الذهب"!!

عبدالعزيز رشيد
03-12-2010, 05:23 PM
_10_

"عندما خاف رجال بيزارو من المسير قدما رسم خطّا على الأرض وقال: هذا الفاصل بين الثروة والجاه والفقر فعلى من يريد الجاه والغنى أن يعبر هذا الخطّ! "



قبل يوم من موعد الرحيل شرب روبرتو مشروبا ساخنا مرّ الطعم لكنّ ذو نكهة أخّاذة شيء يشبه القهوة لم يكن إلا شراب الهنود "الكاكاو" دهش روبرتو فبعد أن ذاق الذرة لأوّل مرّة في حياته هاهو يتناول ثمرة حمراء اللون حلوة الطعم وليّنه لم تكن إلا البندوره أشياء كثيرة تمّ اكتشافها لكنّ تلك الأشياء لم تكن لتحتلّ أيّ جزء من حديث القوم فالإلدورادو كانت حديث الكلّ شاهد الأراضي الخصبة ومباني الهنود والتي استوطن بها البيض وعندما اقترب من أحد المنازل رآى هنديّا يحمل أغراضا لم يكن إلا صاحب البيت الأصليّ ووجد الأبيض ينهره ويوبّخه ! غضّ الطرف لم يكن يحتمل أكثر من ذلك فقد رأى الكثير ونفذ صبره طبعا وبعد أن نام على سرير الأفكار استيقظ وهو يحلم كيف ستكون الإلدورادو وماذا سنشاهد هناك؟ كان الأمر أشبه بغزو الفضاء في الحقيقة كان الاسبان أشجع من رجال الفضاء الأوّلين فقد كانت أمريكا مجهولة والخوض في عمقها أمر مليء بالغموض والأغرب من ذلك أن كلّ شيء كان يسهّل طريقهم عندما قدم الاسبان كان الهنود يعتقدوم باقتراب قدوم المنقذ الأكبر ذو الوجه المضيء أبيض اللون وعندما كان يأتي اسبانيّ إلى قرية ما يبتهلون ويعتقدون أن الاسطورة كانت على حقّ! انّه لأمر غريب افلاطون اعتقد بوجود قارة جديده لكن غارقة ! والهنود اعتقدوا بوجود رجل أبيض يأتي إليهم لينقذهم فقد صدقت نبوؤة كهنتهم ولكن كذب الساحر ولو صدق لم يكونوا أبدا منقذين بل كانوا شياطين مرعبة لم يكن على الاسبان بذل أيّ جهد في أيّ حرب فالأحصنة ومنظرها كان كفيلا بزرع الرعب بالهنود وهربهم ! ولم تكن أسلحتهم إلا ادوات يستعملها أطفال أوروبا في ذلك الزمان ! لم يدري المسلمون عندما فتحوا المغرب أن وراء بحر الظلمات قارة جديدة ولو علموا لكان الأمر مختلفا جدّا ربّما كانوا يعلمون لكنّهم لم يتيقنوا بعد

كانت الرحلة في بدايتها 3 سفن ومئة رجل وبضع بنادق ورجال مسلّحون بالرماح والسيوف تحدّث روبرتو لخوان:
" هل سبق وشاهد أحدهم ماوراء هذا البرزخ؟"
خوان:
" نعم القائد بيتزارو كان قد عبر هذا المكان لكنّه توقّف عند مدينة تدلّ على وجود حضارة كبيرة وعاد ليعدّ العدّة لهم"
روبرتو:
"أيّ عدّة؟!"
خوان:
"لغزوهم"
روبرتو:
"لكن مع بضع رجال هل أنت متأكّد بأنّنا سندخل مدنهم؟"
أجاب رجل كان بالقرب منهم:
" الهنود لايملكون إلا أسلحة مضحكة لكن الغريب أن مدنهم ليست كذلك الجميع كان يتحدّث عن كوزكو مدينتهم"
روبرتو:
" الأرض هنا غريبة نحن نسير لاتشبه اوروبا كثيرا"

تمّت الرحلة البحريّة وعبروا البرّ وبعد مسيرة طويلة وأحداث لم تكن ليسجّلها التاريخ وكانوا في كلّ مرّة يقتربون ينتابهم شيء من الذعر لكنّ الطمع كان أقوى إلى أن وصلوا إلى مدينة تمبيز والتي أوقف بيتزارو كان الأمر مريبا بدأ رجال بيتزارو يستعدّون بدأت البنادق تُحشى بالبارود وبدأ الجنود لسنّ رماحهم كانوا على موعد مع مهاجمة هذه المدينة والتي تشرف على مزارع كثيرة أرجع روبرتو إلى مكان متأخّر لم يكن إلا مرافقا بسيطا ومضى الرجال بعيدا للأمام وبقي روبرتو ومعه القليل بانتظار ماسيحدث , كان بيتزارو قد هاجم تمبيز وقتل ماقتل وأسر ماأسر فكان رجاله يدخلون كلّ بيت يقطّعون الأطراف ليصرخ ضحاياهم وكان الصراخ كفيلا بزرع الرعب في أوجه الهنود وزرع النشوة في أنفسه الاسبان كانت ساحة المدينة مضطربة كان الهنود يقاومون بالحجارة من دون جدوى شيخٌ هرم يتوسّل إلى أحدهم لكنّ الجنديّ يغرس الرمح في صدره! تمّ احراق المساكن وقتل كلّ ماأمكن قتله من الشيوخ والأطفال الذين لم يكونوا ذات قيمة وبعد أن انتهت المعركة الصغيرة أستولى بيتزارو على مؤن المدينة واطّلع على مزارعها والتي وعد جنوده بتوزيعها عليهم وأمر بجمع الهنود وتمّ قطع أذان الهنود التي كان الذهب يزيّنها ! وسوقوا كعبيد كانت تلك هي البداية لم يكن بيتزارو يحتمل الانتظار ولم يكن يعرف شيء يُدعى الدبلوماسيّة كان يريد كلّ شيء وبأسرع وقت فقد وعد الملك شارل بالذهب وهاهو يجمعه بداية من تمبيز ! , وهناك كان روبرتو ينتظر لايعلم مايحدث إلى أن أتى رسول من بيتزارو يأمر بقيّة الرجال بالقدوم أتوا ودخلوا المدينة والتي أصبحت خرابا والموت يخيّم عليها فجع روبرتو المسكين كان منظر النساء اللاتي يملأهنّ الرعب مؤسفا لأبعد حدّ وقف بيتزارو وهو يلاعب أسورة من ذهب وهو يقول :"هذا لاشيء" ! لم يتفهّم روبرتو ذلك الشيء الذي يطمح له ؟ طالما أن هذا لاشيء هل كان ذلك يستحقّ كلّ هذا القتل والدمار؟! نعم بيتزارو فعل ذلك ليملأ الهنود رعبا فبعد أن واصلوا المسير كان منظر الهنود المختبئين بالجبال والشقوق وهم يهربون ويحاولون تبليغ قراهم مألوفا كان الأمر أشبه بدخول بيتٍ مليء بالسكّان لكنّهم مختبؤون الاسبان أحسّوا بهم وكأنّهم لصوصٌ أتوا ليسطوا على البيت والذي اختبأ فيه أهله أحسّوا بأنّهم أسياد هذا العالم ألقوا القبض على أحد الهنود وعذّبوه حتّى يدلّهم على قريته وأبى إلى ان قطّعوا اطرافه ودلّهم على قرية صغيرة وبكلّ بساطة استولوا على المؤن وماعندهم من حيوانات اللامة كيّ يحملوا بها امتعتهم وكلّما ازدادت المؤن وقلّت حيوانات اللامة أخذوا أحد الهنود ليحمل أمتعتهم بالقوّة!

ملأت أخبار قدوم بيتزارو أسماع الهنود المرعوبين وألتفّوا حول ملكهم آتاهوالبا والذي قال لأحد رجاله:
"ماذا يريدون هؤلاء القوم؟"
يجيبه أحد مستشاريه:
" انّهم يبحثون عن الذهب وعندهم حيوانات غريبة يركبون فوق ظهورها وتجري وهي تجاري الرياح سرعة !وحديدٌ يبثّ من فمه الناس الذي يخترق الأفئدة! ليسوا إلا شياطينا لعينة أتت تبحث عن الذهب"

فكّر آتاهوالبا لم يكن يعرف مايصنع كان للتوّ قد استولى على الحكم بعد حروب طويلة وكان يملك جيشا جرّارا قوامه 80000 ألف جنديّ لكنّ البلاد كانت للتوّ قد خرجت من حرب طاحنة ولم يكونوا مستعدّين لحربٍ جديدة مع هؤلاء لكنّ احد رجاله قال:
" لماذا لاندعوهم لياتوا إلينا ونرى مايريدون ويروا مانملك من جيش ويهابونا فيعودوا من حيث أتوا ونعطيهم مايبعدهم عنّا إلى الأبد"
غضب أحدهم وهو يقول:
"وهل نحن بهذا الجبن حتّى نخضع لهم بدون أيّ قتال؟"
أجابه:
"الحكمة تقتضي ذلك لاقبل لنا بمقاتلته "
الملك آتاهوالبا:
" سأدعوهم لياتي إلينا ونرى مايريدون فهم يقتربون منّا الأخبار في غاية السوء وعلينا أن لانُظهر الخوف في قلوبنا نحن لم نحكم البلاد بعد ولاتنسوا ذلك"

كانت المسافات بعيدة والوسيلة الوحيدة لإيصال المعلومات هي بواسطة العدّائين! وبرسائل مشفّرة على خيوطٍ غريبة ! كان الخبر ياتي متأخّرا جدّا وكأنّه الموت الذي يقترب ولاتُعرف ساعته!

كان الاسبان قد اقتربوا كثيرا من كاهاماركا عندها وقف بيتزارو وسأل رجاله وقالوا له بأنّ الامبراطور هناك وأنّه يملك الكثير من الجنود ولاسبيل لقتاله إلا بالحيلة عندها أمر بيتزارو بإحضار أحد الهنود وبعث معه برسالة للامبراطور مفادها ان بيتزارو مستعدّ ليعقد الصلح والوئام مع آتاهوالبا! , دهش روبرتو من الخبر كان يعرف أن الأمور ليست كذلك لكنّه لم يكن ليتخيّل الوضع من قبل كانوا يواجهون الرعيان الصغار أمّا الآن فهو الامبراطور نفسه ودهش من جرأة الغزاة فقد كانوا مستعدّين للغوص في أعماق الخطر من أجل الذهب !

وصل مبعوث بيتزارو وأخبر الامبراطور بماينويه بيزارو

قال آتاهوالبا:
"الماكر يريد أن يعقد صلحا!"
فقال مستشار له:
" انّهم يريدون الذهب والفضّة فقط لم أرى في حياتي أناس كهؤلاء يقتلون بهذه البشاعة ويكذبون من أجل الذهب"
آتاهوالبا:
" سأوافق على قدومه أعدّوا الرجال ولنستقبلهم بحفاوة سيعود أدراجه منهم هؤلاء كيّ يستولون على بلادنا"!

كان الملك ساذجا بهذا القول فهو يقول :من يكونون" وهو يعرف بأنّهم أنفسهم من أطاحوا بامبراطوريّة الآزتيك وزرعوا الرعب في قلوب شعبه وهو حاكمٌ لهم!

خرج بيزارو سعيدا فقد وافق الامبراطور على مقترحه وطلب من رجاله أن يكونوا رابطيّ الجأش وأن ينزعوا الخوف وقال:
" لو كان ثمّة خطرٌ من هؤلاء لما تركونا نتوغّل كلّ هذه الأميال الطويلة دون عناء انّهم أناس لايستطيعون أن يضرّوا ذبابة تطير وتقضي حاجتها في أنوفهم!"

قال روبرتو لأحد الجنود الذي كان يحادثه :
" هل سندخل المدينة كضيوف؟؟"
الجندي:
"نعم"
روبرتو:
"وبعد كلّ ماكان؟"
الجندي:
"ومالمانع من ذلك سبق وفعلنا ذلك لكنّهم لايتعلّمون على الاطلاق"

كان الرعب يملأ الاسبان كذلك لم يكونوا ليعلموا مدى قوّتهم أكثر من قطع كلّ تلك المسافة دون عناء كانوا على موعد للدخول إلى أحد المعسكرات المهيبة وفعلا بعد قدومهم ذهلوا من كثرة الجنود وترتيباتهم أصابهم الرعب أحسّوا بأنّهم ارتكبوا خطأً فظيعا هل سيستقبلهم الرجال بحفاوة؟! عندها راوا من بعيد آتاهوالبا قادما وهو فوق عرشٍ مذهّب! وحوله الجنود كان المنظر مهيبا لماذا لم يكن هذا الامبراطور قادرا على حماية رعاياه وهو يملك مايملك ألهذه الدرجة كان يملك الكثير لدرجة أنّه لايكترث بهم

استقبل آتاهوالبا بيزارو وقام ادمه بتقديم شراب له بكأس من ذهب وعندما شربه بيزارو وكأنّ الشيطان همس في اذنه :"هم ليسوا على شيء من القوّة فدعك منهم" قام بإلقاء الكأس على الأرض! امتلاأ الكلّ رعبا من ذلك الموقف كان بيزارو يثق بقوّته مقابل ضعفهم وكان في كلّ مرّة يحفلون به يسخر منهم ويتحكّم عليهم وكأنّه الملك المنتظر! فقد سبق وأن استقبل كالملاك في عدّة قرى وهذه لن تكون الأخيرة هذا ماكان يدور في باله!

عندها دعوا إلى وليمة ونصب خيامهم وطلب منهم أن يناموا الليلة بهدوء فهم الآن ضيوف !!!!

عبدالعزيز رشيد
04-03-2010, 05:42 PM
_11_

هجع الجميع في خيامهم عدى الملك آتاهوالبا فقد كان يحتفل بانتصاراته وكان يخطّط لما سيقدمه مع الاسبان فهو كان واثق من أنّه في مأمن لكن ماإن دوت عدّة طلقات من بنادق الاسبا إلا وانقضّ هؤلاء كالوحوش يفترسون كلّ شيء لقد حدثت الجلبة ودبّت الفوضى فجأة أصيب الهنود بالرعب كانت البنادق تخترق اجسادهم وتدميها وكانت قلوبهم يخترقها الخوف فلم يعد أحدٌ يفرّق بين الحيّ والميّت وفي خضمّ كلّ ذلك انقضّ أحدهم على آتاهوالبا وجماعته وأُسر وطلب منه بأن يعتنق المسيحيّة وأن يعترف بأنّ المسيحيّة حاكمة العالم ويعترف بسلطة البابا وملك اسبانيا لكن آتاهوالبا استخفّ بذلك وقال:
" كيف لكم أن تحاولوا اقناعي بشيءٍ كهذا أنا لاأعرف أيّ شيء من ذلك فكيف أقرّ به؟"
لم يمهل الاسبان ماتبقّى من الهنود فقد بدأ القتل مرّة أخرى أُلقي النبلاء رفقاء الملك أرضا وداس الاسبان على أجسادهم بعد أن مزّقوا جلودهم بالرماح وقطّعوا رؤوس الهنود وماستعتصى منهم قطعوا له ذراعه وأرجله وبدأوا يعمدون إلى تشويه كلّ شيء لم تسلم الخيام من الحرق ولا الطعام من النثر بدى الهنود مشلولين مسألة وقتٍ فقط تكفي لإبادتهم لم يكن يعيق الاسبان أيّ شيء أوقفوا الاسبان كلّ ذلك فقد تعبوا من القتل والهنود الملقين على الأرض مقطّعين الأطراف لم يستطع أحدٌ منهم أن يقوم بعدها وتظاهر غيرهم بالموت وفرّ آخرون وبقي البقيّة دون حراك والموت يمزّق أحاسيسهم كان آسينخو مثلهم! لم يكن ليحتمل مثل ذلك لكنّ ياللغرابة عندما همّ أحد الهنود بالنهوض انقضّ عليه وركله وأخذ رمحا قريبا وهمّ به إلا أنّه توقّف قليلا ودنى وهو يخنق الهندي وقال له بلغة لم يفهمها ذلك الهندي:
" تظاهر بالموت"!
بالطبع لم يفعل الهندي شيئا كان آسينخو غير مدرك حقيقة أن ذلك الهندي لايفهم عليه لقد سرق باله من هول مارأى كان يريد من ذلك الهندي أن يهرب ولم يرد أن يلتفت أحد الجنود إليه لذلك تظاهر وكأنّه ينقضّ عليه

طبعا أُخذ آتاهوالبا أسيرا ومعه ماتبقّى من حاشيته اقترب بيزارو منه وقال له:
" الآن سأكون حاكما لبلدك ومالكا لكلّ مافيها لم يكن متوقّعا أن أشاهد ملكا بهذا الغباء"
وتنحّى وهو يطلق ضحكة هستيريّة أخذ آتاهوالبا أسيرا من كان يتصوّر ذلك بكلّ هذه السهولة ملك وحاكم كلّ تلك البلدان الآن أسير بعمليّة بسيطة من كان يتصوّر أن مئة من الرجال ويزيدون قليلا قطعوا كلّ تلك المسافة لو قدّر لهم أن يفعلوا ذلك بأوروبا مثلا وقطعوا جبال البيرينيه لن يكونوا ليصلوا لتولوز أو مونوبيليه حتّى ألهذه الدرجة كان العالم الجديد متأخّرا أم أنّ البشر لم يعرفوا القتل بالقدر الكافي ؟!

بعث بيزارو بالرسل إلى أقطار معارضيّ آتاهوالبا بدأ يخطّط المملكة الآن خاضعة له والمتمرّدون قد يكونوا مفيدين فهو مستعدّ بأنّ يساومهم سوف يذهل كلّ معارض آتاهوالبا العظيم بالسجن؟! وعند الاسبان ستحمل هذه الحقيقة أمرين هو أنّه لابدّ من الخضوع لهم ولابدّ من استغلال ذلك برفق وبشكلٍ لايتعارض مع رغبات الاسبان

لم ينم آسينخو تلك الليلة ولم يحتفل معالجنود كان يصلّي خارج الساحة تلك عندها اقترب إليه أحد الجنود وقال:
" لم لاتحتفل معنا ؟"
روبرتو :
" كنت أصلّي فحسب لم أعد أطيق هذه البلاد"!
فوجئ الجندي وقال:
"وكيف ذاك الآن أنت على اعتاب ثروة لاشكّ بأنّها حاصلة"
روبرتو_ولم يكن يستطيع التصريح بكلّ مادار في ذهنه إلا قليلا_ :
"لاأبدا ولكنّي اشتقت فعلا لدياري هؤلاء ليسوا بشر هم حيوانات أليفة كان بالإمكان العيش معهم وكأنّهم دواب"
ضحك الجندي كان كلام روبرتو الرحيم قاسيا وقال:
" أنت محقّ فهؤلاء الوثنيّين أوغاد"
ابتسم روبرتو كان هنالك فارق كبير في نظراتهم أدرك بأنّه لامكان له في هذه الديار ,وبعدها دخل خيمته ووجد خوان وقال له:
"اسمع سأعود حالا "
خوان:
"هل أنت مجنون؟!"
روبرتو:
"الجنون هو أن أبقى هنا"
خوان:
"ومالضير في ذلك؟"
روبرتو:
"بصراحة لاأطيق أن يُفعل كلّ ذلك "
خوان:
"العودة ومانفع العودة أنت تهدم مابنيت"
روبرتو:
"وماذا بنيت غير ذكريات مؤلمة فظيعة لاأكاد أحتملها"

هدّأ خوان من نبرة صاحبه وذهب هو للنوم في حين ذهب روبرتو ومشى بعيدا عن المخيّم بقليل وعندما كان يتأمّل الأرض ونقاء رائحتها كان يشمئزّ كثيرا من رائحة عفن الجثث كان الأمر فظيعا فقد حاول الابتعاد أكثر لكنّه وجد أن الرائحة تزداد بعد كلّ خطوة وكأنّ هنالك مذبحة أخرى حصلت هناك! اقترب أكثر كان يستغرب انبعاث الرائحة أكثر في تلك الزاوية وعندما اقترب وجد هنديّا مُلقى على الأرض وبجانبه هنديٌّ آخر! لقد كان أحدهم ميّتا والآخر كان يزحف ساحبا صاحبه الذي مات قبل أن يصلوا لمكانٍ آمن يختبؤون فيه وكان هنالك رجل ثالث كان هو الآخر جريحا حاول الهندي النهوض ولم يستطع كانت ملامحة مليئة بالرعب والحقد وأحسّ روبرتو بذلك لكنّه وجد الهنديّ الثالث يهدّئ من روعه ويطلب منه الجلوس لم يكن هنالك شيء يستحقّ أكثر من كلّ مامرّ من عناء فهم روبرتو ماحصل واقترب لقد كانوا مجروحين وكان الهنديّ الثالث كبيرا بالسنّ ويبدو كاهنا او رجلا مهمّا في حين كان الشاب الهنديّ جنديّا أمّا الشخص الميّت لم يكن إلا خادم الكاهن نفسه قام روبرتو بتمزيق جزءٍ من ثيابه كي يضمّد ماستطاع من جراح ذلك الشيخ والشاب لم يكن يصدّق مايحدث كان مرتابا وروبرتو كان مستغربا من ذلك إذ أنّه كان يضمّد الجراح ومع ذلك كان الهنديّ الشاب يبعث بنظراته وكأنّه يقول : بأنّك طامعٌ بما يملك؟! , طبعا أنهى روبرتو تضميد جراح ذلك الشيخ وحدّثهم بإسبانيّته التي لم يفهم منها الشيخ إلا بضع كلمات قليلة جدّا!! تعجّب روبرتو وعرف بأنّ هذا الشيخ على قدر من المكانة طبعا طلب منهم روبرتو البقاء كي يعود لاحقا لهم وغادر والريبة تملأ قلوب الهنديين لكنّه عاد أخيرا ومعه شيء من الطعام لقد عجبوا من صنيعه لكنّهم كانوا بحاجة لذلك عندها ترك الشاب يتوكأ عليه وكأنّ الشاب يعرف مكانا قريبا ولكنّ الشاب رفض وقام بحمل ذلك الشيخ! كان الليل موحش وكانت أصوات حيوانات الليل مرعبه خاف روبرتو كثيرا وهو يتبعهم حيث أرداوا لقد جالت في ذهنه عدّة أفكار لكنّه بدى وكأنّه مستعدّ لتسليم نفسه تكفيرا عن ذنوب قومه إلا أنّهم وصلوا لمخبأ ما واستلقى الشيخ والشاب فيه وشكروا روبرتو بطريقتهم فقد عرفوا بأنّ من بين هؤلاء الوحوش وحشا لكن بقلبٍ بشريّ ! عاد روبرتو ونام ماتبقّى من الليل في الواقع كان الليل قد غادرهم تاركا المجال للفجر كيّ يهيّأ الأجواء للصباح استلقى روبرتو ونام بهدوء فهو منذ زمن لم يعش اجواءً انسانيّة كهذه!