المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أم تَرثي نفسها


د. طاهر عبد المجيد
08-18-2010, 02:49 AM
هذه قصيدة واقعية وليست من خيالي. نظمتها في رثاء أمي الحبيبة في الأسبوع الأول بعد وفاتها قبل عامين بتاريخ 12/8/2008 تحت ضغط ظروفٍ موضوعيةٍ ونفسيةٍ خاصة أعطت للقصيدة بعض الخصوصية في مضمونها.

أم تَرثي نفسها
د. طاهر عبد المجيد

أتـى اليومُ الذي ما مِنـه بُـدُّ
ولا مِنْ بعـدِهِ في العمرِ بَعْـدُ

وكنتُ أظنُّــهُ عنـي بعيـداً
إلى أنْ جاءَ مثلَ الريحِ يعـدو

كأنّي لـم أعشْ مـن قبلُ يوماً
ولـم يعبثْ بنبضِ القلـبِ جُهدُ

ولـم أُرضِعْ صغيراً ما بقلبـي
كما لـو أنّ هـذا القلبَ نهـدُ

تُرى هـل بينَنا يا مـوتُ ثأرٌ
قـديمٌ جئتَ تطلُبُــهُ وحقـدُ؟

أم الشـوقُ الذي تخفيـه حيناً
على مضضٍ وحين تجوعُ يبدو؟

بـِودّي لـو تجرّبُ ما نعانـي
وتـُدركُ ما الـذي يَعنيـهِ فَقدُ

وكيف بنا تُحسُّ وهـل سيحنو
علـى ضـدٍّ من الأضدادِ ضـدُّ؟

فكيـفَ وأنتَ مـا ولدتـكَ أمٌ
ولـم تُنْجِب ولم يحضنكَ مهـدُ؟

وتحيـا بيننا مـن غيـرِ قلبٍ
وإن يـكُ فيك قلبٌ فهو صلدُ؟

أنا الأمُ التـي خُلقـتْ لتُعطـي
ومـا لعطائهــا إلاكَ حــدُّ

أنا الأمُ التي انتظـرتْ طويـلاً
ولـم يفِ حَقها في الخلقِ فردُ

أنا بحـرُ العطـاءِ وكـلُ بحرٍ
سـوايَ أنا لـه جـزرٌ ومـدُّ

أجـودُ بمـا لـديَّ ولا أبالـي
إذا مـا نابنـي هجـرٌ وصـدُّ

***
فيـا أحبـابَ قلبـي صدِّقوني
قضـاءُ الله لـم يكتبْـهُ نَـرْدُ

هـو القدرُ الذي إنْ قـالَ شيئاً
فمـا فـي قولــهِ أخـذٌ وردُّ

ويبـدو أنني استوفيْتُ عُمري
ورزقـيَ كلَّـهُ واليـومَ جَـردُ

وعشـتُ بقدرِ ما يكفـي وهذا
نصيبي في الحياةِ فـلا تَحِـدُّوا

ولا تبكـوا علـيَّ فذاتَ يـومٍ
سيجمعُنـا إلـى الجنّاتِ خلـدُ

وهـذي حـالُ دنيانا فشـيءٌ
بهـا يَفنـى وشـيءٌ يَستجـدُّ

وهـل أعطـت لنا الأيامُ شيئاً؟
فلـم تأخذْهُ أو هلْ دامَ سعـدُ؟

ومـا الأرواح فـي الأجسادِ إلا
ودائــع ذات يـومٍ تُستـردُّ

ولـو أنَّـا سَـددنا كـلَ بابٍ
سيبقـى المـوتُ باباً لا يُسـدُّ

ننازعـهُ السعادةَ دونَ جدوى
ومَـنْ منّا لهـذا المـوتِ نِـدُّ

ولا ننفـكُّ نطلبهــا كحُلــمٍ
ودونَ بُلوغِها للمـوتِ عهـدُ

وتبقـى مثلَمـا كـانت سراباً
ضحـاياهُ الكثيـرةُ لا تُعــدُّ

***
لقـد أغضبتُكـم زمناً طويـلاً
بقــولٍ كلّــهُ عَتبٌ ونَقـدُ

وكنتُ أظُــنُّ أنِّـي بانتقادي
أُتَمِّمُ مـا بَنيـتُ ولا أهُـــدُّ

فإنْ آذيتُكـمْ وجرحـتُ فيكـمْ
مشاعِرَكـمْ فمـا لي فيه قصدُ

وإنْ عاتبتُكــمْ فعتــابُ أمٍّ
لكــمْ في قلبهـا سَنَدٌ يَـردُّ

وعـذراً إن قسـوتُ به قليلاً
ففـي بعضِ العتابِ المرِّ شهدُ

أكـانَ علـيَّ أنْ أختارَ موتـي
ليجمـعَ بينكـم حـــبٌ وودُّ

وأنْ أُخلـي مكاني كـي يراني
حبيبٌ ربمــا أعمـاهُ وَجـدُ

فكـم شيءٍ توارى عنْ عيونٍ
لشـدَّةِ قُربــهِ أبداهُ بعــدُ

وكــم شيءٍ تراه العين شرَّاً
وفـي أعماقــهِ بالخيرِ وعدُ

وكـم من أنفسٍ بالحزن طابت
ولـمَّ قلوبهـا بالحـزن عِقـدُ

ولـو أدركـتُ أنْ سيجيءُ يومٌ
ويَجمعُكـم أمـامَ القبــرِ وَردُ

لكنتُ اختـرتُ مَوتيْ من زمانٍ
ولكـنْ دونَ علـمِ الغيبِ سَـدُّ

بـودِّي لــو أعانقكـم قليلاً
لتُشـرق بسمــةٌ ويجفَّ خدُّ

وآتـي تحتَ جُنـحِ الليلِ طيفاً
لأحضنَكـم إذا مـا اشتدَّ بَـردُ

فـإنْ نمتـم أقبِّلكـمْ وأمضي
إلـى بيتـي فبيتـي الآنَ لحدُ

وأرجـعُ مع رحيلِ الليلِ فجراً
كعصفـورٍ على الشُّباكِ يَشدو

أسجِّـلُ مـا أراه على شريطٍ
من الذكرى يروحُ معي ويغدو

***
أحبَّائــي رحلـتُ بـلا وداعٍ
وبي شـوقٌ لكـي أبقـى يشدُّ

كـأن المـوت يعنـي كلَّ حيٍّ
سـوايَ أنا وعُمـري لا يُحـدُّ

شُغلتُ عن الوصيَّة في حياتـي
بدنيـا كلُّهــا هــمٌّ وكــدُّ

وهـا أنذا أقـولُ لكـم بموتي
ليــومٍ مثـل هــذا إِستعدُّوا

فإنَّ المـوت يعمـلُ في خفاءٍ
ولا أحــدٌ يُحسُّ بمـا يُعــدُّ

يُصـوِّبُ كــل آونــةٍ إلينا
سهامـاً لا تَطيشُ ولا تُــرَدُّ

سهامٌ لا تُفـرقُ بين كهـــلٍ
وطفـلٍ لـم يزلْ في المهدِ بعدُ

لكـم مـن هـذه الدنيا نصيبٌ
فـلا يَذهبْ بـه سَفـهٌ وزُهـدُ

وجِـدّوا فـي عبادَتِكـم فإني
وجـدتُ اللهَ لا يُجزيـهِ حَمـدُ

ومـن يجعـل له الرَّحمنُ نوراً
يسيرُ بـه فلـن يُؤذيــه كيدُ

وكونـوا للحقيقــةِ أوفيـاءً
فـلا أحـدٌ بـرأيٍ يستبــدُّ

ومـا أهــواؤنا إلا مــرايا
ترينـا مـن هو الخصـم الألدُّ

إذا الشيطان فرَّقكـم فكونــوا
كأجفـانٍ يفرقهـــنَّ سُـهدُ

وكونوا في خصومتكـم غيوماً
يسـابقُ غيثَهـا بـرقٌ ورعدُ

يهـونُ الصعبُ حين يرى أيادٍ
تصيـرُ يـداً إذا ما جَـدَّ جِـدُّ

وأمـا أنتَ يـا مـنْ كلَّ يومٍ
تُحرِّرنـا يـداكَ وأنتَ عَبــدُ

لقدْ حرّرْتَني مـن أسرِ جسمي
فـإنَّ الجسـمَ للأرواحِ قيــدُ

وفي جسمي من الأدواءِ ما لمْ
يُطـقْ جبلٌ علـى الأهوالِ جَلْدُ

أَخذتَ بأخـذهِ خجلي وخوفـي
فهـا أنـذا أبـوح بمــا أَودُّ

أسـلُّ القول حين أريدُ ما لـي
سوى صمتي لهـذا القول غِمدُ

فكمْ خجلي بنى لي من سجونٍ
علـى أرجائهـا حرسٌ وجنـدُ

وكـم خوف الملامة شلَّ عقلي
ونغَّصَ عيشتي والعيشُ رغـدُ

ولكـن ما يُعزِّي الـروح أنّي
أموتُ ولي مـنَ الأحبابِ حَشدُ

وأنكَ حينمـا ستمـوتُ يومـاً
وحيداً سـوفَ لـن يَبْكيكَ وُلْدُ


د. طاهر عبد المجيد
20/8/2008

مريم الخالد
08-19-2010, 10:01 PM
في دروبي إليكِ عبرَ الشوارعْ ...... لن أكف النداء والحزن قابعْ !
لاشتياقي إليكِ يا نبضَ قلبي ....... لم توافقْ على رثائي المدامعْ !

ها هي ذي تركتنا وذهبت
أصبحنا من بعدها كالجراد المنتشر
لم نلتفت للوراء
ذهبت وقد تلاشى الضياء
ها أنتِ تحت التراب يا حنونه !
ولم يجف دمعي عليكِ بعدُ !
~ ~ ~
الحزن على الأم حزن طاهر كاسمكَ يا أخي
رحمة الله عليها واسكنها فسيح جناته
المعذرة

حمد الرحيمي
08-22-2010, 05:37 AM
د , طاهر عبد المجيد ...



نصٌ / رثاءٌ فخم التراكيب شائق الألفاظ غني المعنى عميقه ...



رحم الله والدتك و أسكنها و موتى المسلمين فسيح جناته ...

د. طاهر عبد المجيد
09-05-2010, 06:58 PM
أختي العزيزة الشاعرة والكاتبة مريم الخالد:
أشكرك على مرورك بالقصيدة والتعبير عن إعجابك بها بهذه الكلمات اللطيفة. ورحم الله أمهاتنا جميعاً.
دمت بألف خير

صهيب نبهان
09-07-2010, 06:25 PM
..

قدِ انتظرتُ قراءتك طويلاً فإذْ بك تنهالُ علينا بهذا النص الموجع
رحم الله الوالدة وأمهات المسلمين جميعًا

..

أمجاد إبراهيم
09-08-2010, 03:35 PM
ربي ارحمهما كما ربونا صغارا

قصيدة هيّجت بالنفس الكثير
تراكيب الحزن غنية
وانسكابها ذو أثر سرمدي ّ

مشعل الحربي
09-12-2010, 12:27 AM
أنت فخم ، ومفحم في نصك أيها الطاهر الكريم ..
أنت تجيد ما قد نعجز عن البوح به ..

أنا الأمُ التي انتظـرتْ طويـلاً
ولـم يفِ حَقها في الخلقِ فردُ

أنا بحـرُ العطـاءِ وكـلُ بحرٍ
سـوايَ أنا لـه جـزرٌ ومـدُّ

أجـودُ بمـا لـديَّ ولا أبالـي
إذا مـا نابنـي هجـرٌ وصـدُّ

وأنْ أُخلـي مكاني كـي يراني
حبيبٌ ربمــا أعمـاهُ وَجـدُ

فكـم شيءٍ توارى عنْ عيونٍ
لشـدَّةِ قُربــهِ أبداهُ بعــدُ


ولـو أنَّـا سَـددنا كـلَ بابٍ
سيبقـى المـوتُ باباً لا يُسـدُّ

رحلة تثير مكامن الوجد ، وتستجدي من الدمع أدمعاً ..
رحم الله أمك ، وأمهات المسلمين

وفي شوق لنصٍ آخر ، لكن دنما حزن يثير مكامن الوجع لديك .
سعيد بهذه القراءة .. ولروحك السكينة .

أحمد رشاد
09-12-2010, 12:22 PM
هو الموت الذي يرغمنا على فعل ما لانتوقع
نص مترع باللغة والحزن

د. طاهر عبد المجيد
09-18-2010, 11:46 AM
أخي العزيز حمد الرحيمي:
أشكرك على هذه الكلمات التي وصفت بها القصيدة ورأيك بالنسبة لي من الآراء التي أنتظرها وأعتز بها.
دمت بألف خير

د. طاهر عبد المجيد
09-18-2010, 11:55 AM
أخي العزيز الشاعر صهيب نبهان:
أشكرك على تثبيت القصيدة مما يدل على إعجابك بها ويشرفني دائماً مرورك وانتظارك لما أكتب. لكن لي رجاء عندك باعتبارك مشرف الشعر الفصيح يتعلق باستبدال النسخة المعدلة بالنسخة القديمة والمنشورة في الموقع. فقد نبهني أحد الذين قرؤوا القصيدة وأعجبوا بها إلى خطأين نحويين وردا في بيتين من أبيات القصيدة فقمت بتصحيحهما وأثناء ذلك أجريت بعض التعديلات عليها فأصبحت على الشكل التالي:
هذه قصيدة واقعية وليست من خيالي. نظمتها في رثاء أمي الحبيبة في الأسبوع الأول بعد وفاتها قبل عامين بتاريخ 12/8/2008 تحت ضغط ظروفٍ موضوعيةٍ ونفسيةٍ خاصة أعطت للقصيدة بعض الخصوصية في مضمونها.

أم تَرثي نفسها
د. طاهر عبد المجيد

أتـى اليومُ الذي ما مِنـه بُـــدُّ
ولا مِنْ بعـدِهِ في العمرِ بَعْــدُ

وكنتُ أظنُّــــهُ عنـــي بعيـــداً
إلى أنْ جاءَ مثلَ الريحِ يعـدو

كأنّي لـم أعشْ مـن قبلُ يوماً
ولـم يعبثْ بنبضِ القلـبِ جُهدُ

ولـم أُرضِعْ صغيراً ما بقلبـي
كما لـو أنّ هـذا القلبَ نهـــدُ

تُرى هـل بينَنا يا مــوتُ ثأرٌ
قـديمٌ جئتَ تطلُبُــهُ وحقـــدُ؟

أم الشـوقُ الذي تخفيــه حيناً
على مضضٍ وحين تجوعُ يبدو؟

بـِودّي لـو تجرّبُ مــا نعانـي
وتـُدركُ ما الـذي يَعنيـهِ فَقــدُ

وكيف بنا تُحسُّ وهـل سيحنو
علـى ضـدٍّ من الأضدادِ ضـدُّ؟

فكيـفَ وأنتَ مـــا ولدتـــكَ أمٌ
ولـم تُنْجِب ولم يحضنكَ مهـدُ؟

وتحيـا بيننا مــن غيـــرِ قلبٍ
وإن يـكُ فيك قلبٌ فهو صلدُ؟

أنا الأمُ التـي خُلقـتْ لتُعطــي
ومـــا لعطائهــــا إلاكَ حــــدُّ

أنا الأمُ التي انتظـرتْ طويــلاً
ولـم يفِ حَقها في الخلقِ فردُ

أنا بحـرُ العطـاءِ وكـلُ بحـــرٍ
سـوايَ أنا لــه جــزرٌ ومـــدُّ

أجـودُ بمـا لـديَّ ولا أبالـــي
إذا مـا نابنـي هجـرٌ وصــــدُّ

***
فيـا أحبـابَ قلبـي صدِّقونــي
قضـاءُ الله لـم يكتبْـــهُ نَـــرْدُ

هـو القدرُ الذي إنْ قـالَ شيئاً
فمـا فـي قولـــــهِ أخـــذٌ وردُّ

ويبـدو أنني استوفيْتُ عُمري
ورزقـي كلَّــهُ واليـومَ جَـــردُ

وعشـتُ بقدرِ ما يكفـي وهذا
نصيبي في الحياةِ فـلا تَحِـدُّوا

ولا تبكــوا علـيَّ فذاتَ يــومٍ
سيجمعُنـا إلـى الجنّاتِ خلـــدُ

وهـذي حــالُ دنيانا فشـــيءٌ
بهـا يَفنـى وشـيءٌ يَستجــــدُّ

وهـل أعطـت لنا الأيامُ شيئاً؟
فلـم تأخذْهُ أو هـلْ دامَ سعــدُ؟

ومـا الأرواح فـي الأجسادِ إلا
ودائــــع ذات يـومٍ تُستـــــردُّ

ولـو أنَّـا سَـــددنا كــــلَ بابٍ
سيبقـى المــوتُ باباً لا يُسـدُّ

ننازعـهُ السعادةَ دونَ جدوى
ومَـنْ منّا لهـذا الخصمِ نِــــدُّ

ولا ننفــكُّ نطلبهــــا كحُلــــمٍ
ودونَ بُلوغِها للمـوتِ عهـدُ

وتبقـى مثلَمـا كـانت ســراباً
ضحـاياهُ الكثيـرةُ لا تُعــــــدُّ

***
لقـد أغضبتُكـــم زمناً طويـلاً
بقــولٍ كلّــــهُ عَتبٌ ونَقــــــدُ

وكنتُ أظُــنُّ أنِّــــي بانتقادي
أُتَمِّمُ مـا بَنيـتُ ولا أهُــــــــدُّ

فإنْ آذيتُكـمْ وجرحـتُ فيكــمْ
مشاعِرَكـمْ فمـا لي فيه قصدُ

وإنْ عاتبتُكــمْ فعتـــــــابُ أمٍّ
لكــمْ فــي قلبهـــا سَنَدٌ يَـردُّ

وعـذراً إن قسـوتُ به قليــلاً
ففـي بعضِ العتابِ المرِّ شهدُ

ألم يكُ غيرَ موتي من سبيلٍ
ليجمـعَ بينكــــــم كالعقدِ ودُّ

وغيرَ البعدِ عنكم كـي يراني
حبيبٌ ربمــــا أعمـاهُ وَجــــدُ

فكـم شيءٍ توارى عنْ عيونٍ
لشــــدَّةِ قُربـــــهِ أبداهُ بعـــــدُ

وكــم شيءٍ تراه العين شــرَّاً
وفـي أعماقــهِ بالخيرِ وعـــدُ

وكـم من أنفسٍ بالحزن طابت
ولـمَّ قلوبهـا بالحــــبِ عِقــــدُ

ولـو أدركـتُ أنْ سيجيءُ يومٌ
ويَجمعُكـــم أمـامَ القبــــرِ وَردُ

لكنتُ اختـرتُ مَوتيْ من زمانٍ
ولكـنْ دونَ علـــمِ الغيبِ سَـــدُّ

بـودِّي لــو أعانقكــــم قليــــلاً
لتُشـرق بسمــةٌ ويجفَّ خـــــدُّ

وآتـي تحتَ جُنـحِ الليــلِ طيفاً
لأحضنَكـم إذا مـا اشتدَّ بَــــردُ

فـإنْ نمتـم أقبِّلكــمْ وأمضـــي
إلـى بيتـي فبيتـي الآنَ لحـــدُ

وأرجـعُ مع رحيلِ الليلِ فجراً
كعصفـورٍ على الشُّباكِ يَشدو

أسجِّـلُ مـا أراه علـــى شريطٍ
من الذكرى يروحُ معي ويغدو

***
أحبَّائــــي رحلــــتُ بـلا وداعٍ
وبي شـوقٌ لكـي أبقـى يشــدُّ

كـأن المـوت يعنـي كلَّ حـــيٍّ
سـوايَ أنا وعُمـري لا يُحـــدُّ

شُغلتُ عن الوصيَّة في حياتـي
بدنيـا كلُّهــــا هــــــمٌّ وكــــــــدُّ

وهـا أنذا أقـولُ لكـــــم بموتي
ليــومٍ مثـــل هــــــذا إِستعدُّوا

فإنَّ المـوت يعمـلُ في خفاءٍ
ولا أحــدٌ يُحسُّ بمـا يُعــــــدُّ

يُصـوِّبُ كــــل آونـــــــةٍ إلينا
سهامـاً لا تَطيشُ ولا تُـــــرَدُّ

سهامٌ لا تُفـرقُ بين كهـــــــلٍ
وطفـلٍ لـم يزلْ في المهدِ بعدُ

لكـم مـن هـــذه الدنيا نصيبٌ
فـلا يَذهبْ بـه سَفـــهٌ وزُهـدُ

وجِـدّوا فـي عبادَتِكـــم فإنــي
وجـدتُ اللهَ لا يُجزيـهِ حَمـــدُ

ومـن يجعـل له الرَّحمنُ نوراً
يسيرُ بـه فلـن يُؤذيــه كيـــدُ

وكونـوا للحقيقــةِ أوفيـــــاءً
فـلا أحــــــدٌ بـرأيٍ يستبـــدُّ

ومــا أهـــواؤنا إلا مـــــرايا
ترينـا مـن هو الخصـم الألدُّ

إذا الشيطان فرَّقكـم فكونــوا
كأجفـانٍ يفرقهــــــنَّ سُــهدُ

وكونوا في خصومتكـم غيوماً
يسـابقُ غيثَهـا بـرقٌ ورعــدُ

يهــونُ المستحيلُ علـى أيادٍ
تصيـرُ يـداً إذا ما جَــــدَّ جِــــدُّ

وأمـا أنتَ يـا مـنْ كـــلَّ يـــومٍ
تُحرِّرنـا يـداكَ وأنتَ عَبــــــــدُ

لقدْ حرّرْتَني مـن أسرِ جسمي
فـإنَّ الجســـمَ للأرواحِ قيــــدُ

وفي جسمي من الأدواءِ ما لمْ
يُطـقْ جبلٌ علـى الأهوالِ جَلْــدُ

أَخذتَ بأخـذهِ خجلي وخوفـي
فهــــا أنـذا أبـــوح بمــــا أَودُّ

أسـلُّ القول حين أريدُ ما لـــي
سوى صمتي لهـذا القول غِمدُ

فكمْ خجلي بنى لي من سجونٍ
علـى أرجائهـا حرسٌ وجنــــدُ

وكـم خوف الملامة شلَّ عقلي
ونغَّصَ عيشتي والعيشُ رغـدُ

ولكـــــن ما يُعزِّي الـروح أنّي
أموتُ ولي مـنَ الأحبابِ حَشدُ

وأنكَ مثلنا ستموت يومــــــاً
ولكن دون أن يَبْكيـــكَ وُلْـــدُ


د. طاهر عبد المجيد
20/8/2008

د. طاهر عبد المجيد
09-18-2010, 11:58 AM
أختي العزيزة أمجاد إبراهيم:
أشكرك على مرورك بالقصيدة ووصفك لها بهذه الكلمات الجميلة.
دمت بألف خير

د. طاهر عبد المجيد
09-18-2010, 11:59 AM
أخي الكاتب العزيز مشعل الحربي:
أشكرك على هذا الإطراء الذي لا أستحقه.
دمت بألف خير.

د. طاهر عبد المجيد
09-18-2010, 12:00 PM
أخي العزيز الشاعر أحمد رشاد:
أسعدني مرورك بالقصيدة وإعجابك بها.
دمت بألف خير.