مشاهدة النسخة كاملة : ساديَّةُ ذاكِرَة .
نبيل الفيفي
06-03-2011, 06:12 PM
لمْ أكُن يوماً دونَ أرجُل , و لَم يبتدِئنِ الرّصيف و أنا حزين .. و لم ينتهينِ و أنا ألهَث ! .. لم أكُن يوماً فاقِداً لأهليّة الحُلمِ و أنا أنضُجُ تحتَ الشّمس , و ما عبرتني نجمَةٌ و أنا أسألُها عنِ الرّاحلين ! , لم أُدهَسْ بحصانِ الرّيح و أنا أبحثُ في عربتِه عنِ وجوهٍ غرَبَتْ ! , و ما أعرتُ الانتظار بالاً و لا حايلتُ زنبقةً عنِ النّوم ! , لَمْ تنطِفئ حُنجرُتي وسطَ النّشازِ المُخيف ! .. و لَم تغفُ عَيني عن مُلاحقةِ خِرافي خشيَةَ لصٍ يفجعني بواحدةٍ منها تحتَ جُنحِ اللّيْل! , لم أتنكّر لِشجرَةٍ أوَتْ ظلّي يومَ لا ظِلاً إلاّ ظلّي ! ..
كنتُ في هُدنَةٍ مع ذاكِرتي و التي طالما خِفتُ مِن أن تفتحَ أحدَ أبوابها في وجهِ الشّمس و أموت وحدي , كنتُ في هُدنَةٍ معَ مدفئتي .. أحطبُ لها مِن الأملِ ما يُسكِتها عن الثّرثرة و يُدفئُني ! لَم أبتكِر مِن الأغاني إلاّ ما يُساقِطُكِ لي ظَمأً, و لقلبي .. و لشوارعي و أرصفتي التي تتكاثَرُ وما استهديتُ إلى الآن كَيْفَ أوقفُ تناسلها فيّ ! بعدَكِ تمنّيتُ لو أنّهُ كانَ بمقدوري أن تُناصفي جسدي لنبدأَ السّيرَ معاً , لنشربَ معاً , لنسبقَ الصّباح و نخطُفَ مِن يدِهِ رغيفاً ساخِناً , و نستحلِبَ مِن سمائِهِ ماءً تُروي عطشنا , ذلِكَ العطَش الذي شرّدني و أنا أسافِرُ مّني إلَيْكِ بحثاً عَن واحَة , شرّدني منكِ إلَيْ و أنا أبحثُ عن ضفيرةٍ يرجَعُ نسبَها إلى اللّيْل إلى اللّيْلِ الأبيض , إلى اللّيْلِ الودود .. إلَيْكِ !
بعدَكِ يا صغيرتي ! فتّشتُ في ذاكِرتي عن قطرةِ دمٍ واحِدَة تُدينُكِ .. تُدينُ ساديّتكِ .. تُدينُ هذا الغيابِ المُجرِم , هذا : اللّص .. و كلّ محاولاتي ترتدُّ إليّ فشلاً ذريعاً .. فشلاً أستحي بالمُجاهرةِ بِهِ أمامَ نفسي , و أمامَ مرآتي ! ما إن غبتِ أخذَ كُلّ شيءٍ فيّ بالانسحاب شيئاً فشيئاً و كأنّها عمليّةٌ خطّطتِ لها و تواطأت أشيائي معكِ و خُلِّفتُ كأيِّ قطعةٍ كانَ لها تأريخٌ و مولِدْ أصبحت أثريّة تدلُّ على قوةٍ خفيّة أحالتها إلى ما هيَ علَيْه و أنتِ من تعلمينَ أنّي أكرهُ الآثار , و تلكَ الوجوهِ التي تنظُرُ لـ اللاشَيء ..
لذا أكرهني الآن جداً , جداً .
رُبمـا !
نبيل الفيفي
06-08-2011, 01:39 PM
لا أدينُ لأمّي بَشَيْء سِوى : نقشِ حنّائِها , قهوتها , رائحَةِ الرّياحينِ بمدخلِ بيتِها ! , الماء الذي كانَت تجلِبُهُ مِن آخِرِ القريَةِ في السّحر , دلالَها الرّيفي لأبي , رغيفها السّاخِن بُعَيْدِ الفَجرِ , مُساعَدتها لهُ بقلبٍ راضٍ في أرضِهِ الودودِ المُطيعَة - رُبّما خذَت هذهِ الصّفتَيْن مِنها , مِن أمّي ! - , بلهاثِها عندَ الظّهيرة و يدَيْها الماءْ التي تُنبِتُ من أرضِ التّنورِ قُرصَ شَمسٍ مُلتَهِبْ , و أنفاسُها تُطلِقُ في وجهِ القريَةِ الأغاني , و الأهازيجِ بصوَتِها الرّخيم ,
في الحقيقةِ أدينُ لها : بذاكِرةِ الشّيح , ذاكِرةِ الجبالِ , و التُّربةِ الزكيّة , بذاكِرةِ الرجالِ و صَبرهِم على ابنَتِهِم المُدلّلة .. بذاكِرةِ النّساءِ , و أعيُنِهِنّ بكحلها المنُتثِرِ علَيْها , بذاكِرةِ الوشمِ الذي لا زالَ مرسوماً على جباهِ نسوةِ القرية الذي يُذكّرني بأني ابنُ شَجرَةٍ وَ طين ..
ياه , يا أمّي لا أدينُ لكِ بِشَيْء , في الحقيقةِ أنّي أدينُ لكِ بِكُلّ شَيءْ .
.. !
نبيل الفيفي
06-16-2011, 03:16 AM
... مرّ بجانِبِ وردَةٍ يُريدُ اللّحاقَ بموعِدِهِ الضّائِعْ !
- ترفّعَتْ نحوَهُ : خُذني معَكَ لوطني .. خُذني لقلبِ امرأةْ .
رُبمـا !
نبيل الفيفي
11-30-2011, 09:19 PM
أريدُ فردَ أصابعي تحتَ أشعّةِ الشّمس , أن تَعرَقَ , و تُشمّ رائِحتُكِ ! .. الأشياءُ العبثيّة يا فاطِمة التي أحدثتِها فيّ لا تنتمي لغُصنِ واحِد , حتّى لو كانَ يتيماً ..
قبلَ عدّةِ أيّامٍ عُدتُ لشجَرَتَكِ .. مكثتُ في ظلّها ما يُقارِبُ الذّاكِرَة و النّصف , سردتُ فيها طَيشي , نُضجي , عُزلتي الوقِحَة , و حدتي العفيفة .. كتبتُ عن كُلّ شَيءٍ دون قيود , لأوّل مرّة أكتُبُ دونَ الخوفِ من ابتسامَةٍ تمرّني دونَ أن تُخلّفَ في أصابعي وشماً ! كتبتُ بلا مُبالاة , كنتُ أسمَعُكِ تقولينَ : أجمَلُ الكتاباتِ هي التي تولَدُ من العدَمْ ,
فاطِمَة !
.. العالَمُ بعدَكِ ثائِرٌ , مهووسٌ بالدّمِ و الموتِ و الصّورِ المُغتالَةِ , الكونُ واقِفُ دونَ اتّزانٍ و عُكّازَهُ بُندقيّة , صارَ الأطفالُ في قريتكِ يلهونَ بالمُبارَزة بالأخشابِ يتحلّقُ حولَهُم الرّجال و كأنّ الكونُ علّمَهُم كيفَ يتحيّنونَ حرباً مجهولَة قد تأتيهِم في يومٍ و هم غافلون ! و لم تَعُد نساءُ القريةِ يتحدّثنَ عنِ الشّعرِ و الحُبّ العفيفِ الذي يحدُثُ تحتَ سمائِها ! , أصبحَ الشّبابُ يتفيّئون بالسّياسَةِ و الدّمِ المسكوبِ على أعيُنِهم في كُلّ مكان ..
يا فاطِمة !
دسستُكِ فيّ و ذهبتُ لمدينَةٍ تركُلُ من لا يُجيدُ لهجتَها , و أنا القرويُّ الذي لا زالَ يحمِلُ عمامَةَ جدّهِ , و ريحانَة جدّتِه و حقلَ أبيه .. عرّفتُها بنفسي , نستني في اليومِ الثّاني ! , ذكّرتُها بي .. أنكرتني في اليومِ الذي يليه .. كنتُ أرى العالَمَ برُمّتِه : حقلاً و بِضع مواشي و مَسجِدٍ يجمَعُ بركتنا إلى الله ..
يقتُلني الحنينُ يا فاطِمَة .
رُبمـا !
نبيل الفيفي
12-03-2011, 09:22 AM
لم تعترِفْ بي .. !
, لم تؤمِن بأهليّتي مدينة واحِدة في أن اتّخِذَ قرار كـ : اقتلاعي لقناديلها المكسورة , أو أن أبتاعَ نورها المتملِّقْ لأحيائها الخلفيّة الساكِنَةُ من الخوف .. أو أن آخُذ نصيبي حتّى من شوارِعها المسفلتَة ..
الغُربةُ يا فاطِمة التي دهستني بعربتِها كسَرت جُزءاً كبيراً من انتمائي لكُلّ شَيءْ , أصبحتُ بعدَ ذلِكَ الحادِثِ المُفجِعْ مُشرّداً يتلوّى بين يدَي الأرصِفة و اللّيْل و الشّرَفِ المهجورة كحيوانٍ أليف بين يدَيْ صاحِبِهْ ! , صِرتُ كَحيِّ قديمْ تبقّت مِن ملامِحِهْ طِفلٌ يلعَبْ , صبيّةٌ تَكنِسُ غُبارَ المدينَةِ اللّامُتوقّعة من فناءِ بيتها , أبٌ يجيئُ لبَيْتِهِ بُخطى تِركِلُ التمدُّنِ المؤجَّلْ , العبورُ إلى اعترافٍ كهذا أمامَ ذاكِرتي ؛ أمامَكِ يُعدّ انهزاماً قد لا أجِدُ ما يُبرِّرُهْ .. لكنّكِ من علّمني أنّ الأشياء التي تؤخَذُ منّي كُرهاً أن أستردّها بالقوّة , أنتِ من علّمني أن لا تبقى في صوتي قصيدَة متدلية دونَ أن أنثرها في الهواءْ و في وجوهِ العابرين ! ..
هذهِ المدينةِ أحبّها سِراً لو تعلمينْ , و أجلِدُها بأصابعي السّمراءْ , برسائلي لكِ ..
.. و يقتلني الحنين يا فاطمة .
.. !
نبيل الفيفي
12-03-2011, 09:13 PM
الجسدُ المُثرثِرُ بالعربيّةِ لا ينبُتُ على صَدرِهِ إلاّ الموتْ , ذاكَ الجسَدُ المُمتدّ مِن أوّلِ مُتظاهِرٍ ظلّ كَتِفُهُ يحمِلُ الجوعْ و التشرُّدْ و الأرصِفة لآخِرِ جُنديٍّ اعتمرَ طائِرَة و حملَ دبّابَةً في يَدِهْ ! , غُرِستُ فيهِ كوردَةٍ مؤجّلٌ كلٌّ شَيءٍ فيها و أنا الرّجُلُ الذي يكرَهُ السّاسَة و طاولاتُهُم الضيّقة و غُرفَهُم المشبوهَة , و أنا الذي يُحبُّ الغناءَ و يتمنّى أن يعودَ لوطنِهِ ؛ أن يعودَ لقلبِ امرأتِهْ .
صديقتي التي رُحِّلَتْ إلى الخَوفْ , إلى الخُطا المُبهَمَة , إلى قصيدَةٍ تَزيدُ هيجانَ صَبيٍ بيدهِ بُندقيّة ! .. قد نلتقي في جوازِ سَفر , أو في حقيبَةِ منفيٍّ , أو رُبّما التَقَيْنا على ظَهرِ دبّابَةٍ ما !
رُبمـا !
نبيل الفيفي
12-03-2011, 09:38 PM
هالوطن حيل مُنصِفْ ! .. علّمنا و اشلون نستَطعِمْ الملْح .
.. !
نبيل الفيفي
12-05-2011, 09:37 PM
دعينا لا نحتمي من البردْ يا فاطِمة , دعينا نتبرّأُ من أصواتَنا و ليَكُنْ اللّيْلُ مسرَحَهُما : يتشرّدان ! .. يُنشّزان .. يتصالحانِ , يتعاركان .. يقتُل بعضُهما الآخَرْ ؛ يموتا , و ماذا سيحدُثْ إن ماتا ؟! .
لا بُدّ أن نعيشَ هذا الشّتاء كما ينبغي .. مِن الظُّلمِ أن يمُرّ بِسلامْ , مِن العيبِ أن لا نحتَفِلَ فيهِ بالموت , و نحنُ في أرضٍ صارتْ توزّعُ أخبارَ الموتى على الشّارعِ و الصُّحفِ اليوميّة , تُهدي منشوراتِ الموتِ بالمجّانِ ..
سيسخَرُ منّا الوطن إن لَمْ تقتَتِلْ أصواتنا يا فاطِمة .
رُبمـا !
نبيل الفيفي
12-29-2011, 11:04 PM
/ هل ما زال الرّغيفُ في قريتي يكفي أهل البيتِ و جيرانهُ
- ما عُدنا نملِكُ حبّةَ قمحٍ واحِدَة ..!
/ و فزّاعاتكم ؟
- ابتلعتها الرّيحُ فضلاً عنِ الغربانِ يا فاطِمة ..
/ ما هيَ أحوالُ نساءِ القريَة بعدَ الفاجِعةِ و رجالها .. ؟
- يُصبِحونَ على خُطا الموت الذي يدوسُهُم و يُمسونَ على فجيعتَهُم العُظمى !
/ هل أنتَ فيهم الآن ..؟
- و أخطٌّ لكِ و أنا تحتَ إشارَةِ توقُّفٍ على يمينها ساعي البريدِ مقتولاً و الرّسائِلُ التي بحوزتِهِ قد تطايَرَتْ ..
/ كم منَ الأشخاصِ ماتوا فيها .. ؟
- الشّوارِعْ ..؟
/ الرّسائِل ..؟
بعُمقِ انتكاسَتي الآن و أنا الموقن أنّي أوّلُ المقتولينَ فيها .. !
رُبمـا !
نبيل الفيفي
01-08-2012, 02:02 PM
الاستسلامُ لفكرَةِ غيابكِ الأبدي يُعدّ أمراً لا يَسعني الإحاطَةُ بهِ , و لا أملِكُ مُقوّماتٍ تُخوّلُني لارتداءِ شماغ الصّبرِ و المَشيّيْ في حيِّ النّائِم بحُلّتي الكامِلَة - التي طالَما راهنتُ علَيْها كثيراً أمامَ عَيْنَيْكِ و كنتُ دائِماً ما أفوزُ بكِ و أكسبُ الرّهان ! - و أتظاهَرُ أمامَ الحَيي بأنّي الرّجُل الذي لا يُبالي بامرأةٍ أخذَتْ كُلّ ما يخصُّهُ و ما أخذَ مِنها سِوى رسالةً استلقَتْ على سَطرِها بنيَةِ الغيابِ .. ! ما عادَتِ أقنِعتي تُسكِتُ ثرثرَةَ أعينٍ تتعلّقُ بالشُّرفاتِ خلفَ ستائِرها .. ! و ما عُدتُ أحتمِلُ تلكَ الابتِسامات التي تُبرِّرُ لعَيْني شرودها
- ذلِكَ الشّرود الذي يُسمّرُني كحائِطٍ بُنِيَ ليُكوِّنَ ملامِحَ بيتٍ لله يجمَعُ الخَيْرَ كُلّه ليُحالَ في نهايَةِ الأمرِ لحائِطِ مَبكى ! -
نيَةُ الهروبِ منكِ أو مِن كُلّ الأشياءِ التي أصبَحت مُلكيّتها تخصّكِ رجوع إلَيْكِ بطريقَةٍ أتجاهَلُها , بطريقَةٍ أتناسى فيها أن خُطوَتي التي تُبعِدُني منكِ في الحقيقَةِ تُقرّبُني إلَيْكِ , الأحياء التي أحاوِلُ جاهِداً أن تفصِلَ بيني وبَيْنكِ في واقعِ الأمرِ ما هيَ إلاّ مساحَةُ عَيْنَيْكِ التي أفقدتني محاولةَ الوصولِ إلى حدودكِ لأخرُجَ منكِ لَيْلاً دونَ أن تَشعُري .. !
اووه !
أشعُرُ بإعياءٍ في ذاكِرتي , أشعُرُ باستفحالكِ فيها , بتوسّعكِ , باستحلالِ دَمِها ! و كأنّكِ تُجبريها على حفظِ تفاصيلكِ التي كُل ما فيها كانَ مُغرٍ للـ : الغياب , الرّسائِلِ الموؤودَةِ , الأصابع التي تنهشها الذّاكرة , للمراجيحِ المهجورَةِ , للضّحكاتِ المُغادِرَة , للدُّمى المَنسيّة , للأغاني المُسافِرَة , للألحانِ التي ماتَتْ في دَهشَةٍ ما ! , و لأنّي مُشرّدٌ ! كُنتُ أتهذّبُ لكُلّ امرأةٍ تمرُّ على صَدري , كي تُطيلَ البقاءَ فيّ رُغمَ اقتناعي أنّ الحَبيباتُ لا يُرِدنَ تهذيباً مُفتعلاً بقدرِ ما يُرِدنَ جنوناً صادِقاً , و أنتِ أتَيْتِني : مُهذّبةً , مُعلّمَةً , مُعدّلَةً لكُلّ شَيءٍ يخصّني , كُلّ شَيءٍ مِن حولي و نَسيتي أهمّ شَيءٍ في هذهِ المُعادلة , نسيتيني أنا .. !
رُبمـا !
نبيل الفيفي
01-27-2012, 02:12 PM
أمرٌ مُحتمل أن نفترِق و أن نتّفِقَ على نهايةٍ مُلائِمة لكلَيْنا ! , من الطبيعيٌ جداً أن نصِلَ في فيلمنا إلى مشهدٍ أخير العزاءُ الأكثر رواجاً في مشهدنا المتوقّع أنّ الاحتمالات في العلاقاتِ الإنسانيّة محدودةٌ للغاية و هذا ما يجعلُ أصلُ الصّدمةِ من فشلِها مقدورٌ على تقبّلها لكنّ تبعاتِ الفشل و كميّةِ الخيباتِ المُصاحبةِ هيَ ما يُعمِّقُ الانكسارات , و إلاّ لماذا تبدو فجيعةَ قلبي على ملامحي واضِحَةً و أنتِ تُغنّينَ و أقربُ ما يكونُ للهاويةِ هوَ أنا ؟! .
في لحظةٍ شتويّة شارِدَة كنتُ أظنّ بأنّي أمسِكُ عُمري جيِّداً و أتحكّمُ بكميّةِ العاطفة التي تستحقّها علاقتنا ! و أنّي الرّجلُ الذي يأتيكِ من بينِ يدَيْكِ و من خلفكِ ! حتى رأيتُ اللّيْل يأخذُكِ بكلّ وقاحَةٍ من خطوطِ يدِ و أنّ عُمري المبعوثِ من بينِ أوراقي و الطّامِحُ في أصابعي و المتحفّزُ في تقاسيمِ وجهي و المُتدلّي من أغصانِ صدري و الذّائِبُ في عرقِ جبيني خرجَ من النّافذةِ و تسرّبَ من تحتِ الباب لحاقاً بعَيْنَيْكِ المبهورتَيْن في الغيابْ ! .
رُبمـا !
نبيل الفيفي
01-31-2012, 11:21 AM
لماذا لا تأتينَ معَ وجوهِ الأطفال , و في عِراكهِم البريء .. ؟ لماذا لا تأتينَ معَ العِطرِ و بخورِ جارتي .. ؟ و لا في الحواراتِ الهادِئَة , و الابتساماتِ البيضاء .. ؟ لماذا لم تُفكّري مُطلقاً أن تُقلّكِ إليّ نملة تُكافِحُ مِن أجلِ حبّةَ أرُزْ ؟ لَم تُسعِفكِ حاجَتي و ترمي بكِ لمُخيّلةٍ بعيدَة تقولُ لكِ : ماذا لو أتَيْتُهُ لتكوني لهُ باباً بلا عَينٍ سحريّة , نافِذَةً مِن غَيْرِ جُدرانٍ تُسمّى ستائِرً .. كُلّ هذهِ الأسئلة و ذاكِرتي تنازِعُ ذكرياتي بكِ .. كُلّ هذهِ الجُثثِ من الأسئلةِ أدفِنُها بي و ذاكِرتي تُقاوِمُ عبثَكِ فيها .. لا تُريدُ أن تموتَ دونَ شَرفِ المحاولة , لا تُريدُ الموتَ دونَ أن أقولَ أمامَ مرآتي قَدْ حاولنا .. !
* أوووه ! تلكَ الأسئلةَ هيَ مَن تُطيلُ عُمرَكِ فيّ , و الأجوبة المُحلّقة في سماءِ اللّاحريّة هَيْ مَن تنفي فِكرةَ انتصاري علَيْكِ و على ذاكرتي المنتميةِ إلَيْكِ .
لا أدري كَيفَ تستطيعينَ المشيَ فيها حافيَةً وقد ملأتِها شوكاً دونَ أن تُجرحَ قدمَيْكِ .. و كَيْفَ تستطيعينَ التنفّسَ و هواءُها مُنتِنٌ و لا تمرضين ؟ , تمارَضي , تظاهري بالمرض أمامَها فقَد تعودُ إليّ و علَيْها ابتسامَةُ نَصرٍ كاذِب .. و تعلَمينَ ما معنى أن نكذِبَ على أنفُسِنا بانتصاراتٍ مزعومة !.. تعلمينَ ماذا يعني أن نحفِرَ لنا قبوراً و نحنُ نسخَرُ مِن العالم و في داخِلنا مدينَةٌ منكوبَة ! , تعلمينَ جيِّداً كَيْفَ يكونُ الموت الذي ظاهِرهُ الحياة و باطِنُه محوُ تأريخٍ مُلتصِقٌ بِنا ! .. أذكُر في مرّةٍ غنّيتُ أغنيَةً و نَشّزتُ فيها كعادتي .. أحسَستُ حينها بأنّكِ تركُضينَ في دمي , تَرقُصينَ في قلبي .. تنثُرينَ أنوثتَكِ في طُرقي , و أزقّتي الخلفيّة .. تُنيرينَ قناديلَ أرصِفتي .. أذكُرُ أنّي معها واصلتُ العزفَ مُنفرِداً أمامَ عَيْنَيْكِ التي لم تراني أحمِلُ العودَ و أُدَوزِنُه و لكنّها الذّاكرة التي تُحيلُ كُلّ شَيءٍ أمامي إلى قِطعَةٍ ثمينَة , إلى قِطعَةٍ تُشبِهُكِ رُغمَ اختلافِ بعضِ التّفاصيلِ ..
التّفاصيل .. ؟!
.. التّفاصيلُ مَن كوّنَتْ ذاكِرتي معكِ , و نفسُ تِلكَ التّفاصيل هيَ مَن ستَبني جِدارَ عَزلٍ بيني و بينَ ذكرياتِكِ , و لكِن السّؤال الذي لا يَودُّ أن يموت : متى .. ؟! .
رُبمـا !
نبيل الفيفي
02-10-2012, 01:51 PM
اصبَحتُ عُملَةً ما عادَتْ تُنفَقُ في سوقِ العلاقاتِ العابرة و لا يخفى علَيْكِ أنّي صِرتُ كَقِطعَةٍ نقديّة إن بَقِيَت في جَيبِ البائِعِ أو في يدي المُشتري لا يُنظَرُ لها و لا لقيمتِها ! , يا ابنَةَ ذاكِرتي العاقّة: لم يعُدِ الوقتُ سانِحاً لتذييلي في قائِمَةِ علاقاتٍ تأخذُ مِن رصيدِ إنسانيّتي أكثَرَ ممّا تُعطي ! .. قبلَكِ قَدْ كُنتُ رجلاً ذا حقٍّ في ذاكِرَتِه , و في ذاكِرةِ الأشياء.. قبلَكِ كُنتُ في سلمٍ معَ أمّي , ووجهِها الذي أشتاق ! .. لَم أتشرّد في الوجوهِ بحثاً عنكِ , و لَم أسرِقْ مِن جيوبِ المارّةِ آمالاً قَد تكونينَ المُحرّضَة الأولى على تناسُلِها .. و لَم أتلصّص على عربَةِ الحياة لأنهَبَ منها بعضَ أحلامٍ قَد تزيدُ من اتّساعِ رئتي إن زُرتِني وحيداً و كُلّي يتنفّسُكِ غياباً ! ..
- حسناً !
حسنا! لا تعبُريني هكذا دُفعةً واحِدَة .. -
بُندقيّتي التي رأيتِها أوّلَ مرّةٍ تقابلنا فيها , ما كانت إلاّ للصّيْد , لصَيْدِ العصافير .. لصَيْدِ الأحلامِ الطّائِرَة للعابرينَ بي ! نعم كُنتُ أرشيهِم بأحلامهِم كَيْ يمضوا فيّ بسلام !
أعلَمُ بأنّ الحديث عنِ الماضي ما هوَ إلاّ اجترارٌ للحياةِ من معدَةِ الموتْ ..
لذا يا صغيرتي المُختَبِئَةِ خلفَ جِدارٍ في هذا الكون لا أعرِفُ عنوانهُ و لا اسمَهْ ! قَد تَكونينَ الآن في ظلّ جدارِ الوحدَة , و قَدْ يكونُ الأرق قد يبّسَ أغصانَ عَيْنَيْكِ و حطَبتِها لتَدفئي من بردِ الخَوفْ ! و قَد تكونينَ مُستنِدَةً على جدارِ اللّاشَيْ حتّى .. و قدَ .. و قَد !
- الخاسِرُ لِكُلّ شَيءْ يُعزّي نفسَهُ بأيّ شَيْ –
أمّي !
يا أمّي ..
لا عَلَيْكِ من هذا كُلّهْ عيشي فيّ و أعِدُكِ أن أعيشَ فيكِ بسلام ,
ما أنا إلاّ مُتظاهِرٌ مُسالَمْ لَن يُراقَ مِن ذاكِرتِه قطرَةَ دمٍ واحِدَة , لا تخافي .
رُبمـا !
نبيل الفيفي
07-03-2012, 12:44 PM
لا بأس في أن نفترق ، أن نبكي قليلاً ، أن نندُب حظّنا ليلةً كاملة ؛ المخيب للآمال هو أن نفقد اتّزاننا بهذا الشّكل الفاضحْ .
رُٰبمـا ! *
نبيل الفيفي
07-03-2012, 07:14 PM
" إضافة بعد " !
كُلما عصرتُ جُمجمتي ، وحايلتُ أنثةً ما في أن تلعق أصابعي ؛ و أفلحت في ذلك .. أفاجأ بـ " إضافة بعد " و أكون حينها في عراكٍ دائم لاقتناعي أن ثمّة ما هو أعمق من الكتابة هو " المَسْحْ " .
اممم !
لماذا لا يكون الخيار المتاح بدل من " إضافة بُعد " " تدوينُ الممحي " ؟ .
رُبمـا ! *
نبيل الفيفي
07-03-2012, 10:54 PM
لا أريدُ أن تجمعنا النّهايات .. لا أحبّها .. كلّ النّهاياتِ موتْ , موتٌ لكلّ الأشياءِ الجميلةِ و نقيضها ، أحبّ أن أبحثَ عنكِ في السّطرِ نائِمة .. و بينَ الفواصِلِ و علاماتِ التعجّب ..
أريدُ أن أبحثَ عنكِ في صدرِ الغَيمِ ..و في أحضانِ المفجوعين و في أفواهِ المقابِر ..
رُبـما !
نبيل الفيفي
07-05-2012, 11:39 AM
لا أستطيعُ مُجاراتكِ في الغباب .
الغيابُ يأخذ مني عافية ذاكرتي ، اتّزان نبضي ، استقامة قصائدي ... الغياب الذي تجازينني به قد يكون عقاباً لإسمي الذي أراد أن يعتنق اسمكِ وينتمي لاسمٍ مُركّب أتيت به ساعة اكتمال جنونك .
رُبمـا !
رُبمـا !
نبيل الفيفي
07-10-2012, 01:04 AM
يَسْمعُني الله .. !
.. !
نبيل الفيفي
07-25-2012, 05:09 PM
التفاصيل الصغيرة التي كنتِ تولينها كُل اهتمامكِ هي ذاتها الأرضة التي تنخرُ عصاة الصّبر المتّكئ عليها .
رُبـما ! *
نبيل الفيفي
08-07-2012, 02:28 PM
*دعينا في لقائنا هذا نحرث حقلاً من الخيارات و لتكن البذرة الأولى : اسماً مشتركاً *لكلينا ، البذرة الثانية : اسم لهذا الشعور الي يجمع ملامحنا ، الثالثة : اسم للكلام الذي سيُنفق بيننا ، الرابعة : اسمٌ لسجننا الذي نقوم الآن بتفصيله بحجم رغبتنا في الحرية*.
رُبمـا !
نبيل الفيفي
08-09-2012, 12:12 AM
أعتدُّ بكِ .
يقيـناً .
نبيل الفيفي
08-09-2012, 04:08 PM
أناضِل من أجل عيْنَيك
أنشدُ الشعر ، أصادقُ الورق و أختصم مع القلم و تدمى أصابعي ..
أنتِ قُرة عيني ، مُلهمتي ، سربُ الكلام الذي يطير من سور صدري لعينيكِ ، أصابعي و اتّزان ركضها ، سُمرتها و امتداد قريتي فيها ...
أشتاقُك و أضمّ صوتكِ ، أعتّق ابتسامتك بصدري ، و أعلّق رائحتك في مدخل ذاكرتي .
اشتقتُ لكِ يا أغنيتي .
يقيـناً .
نبيل الفيفي
08-10-2012, 03:39 AM
في غيابي عنك أشعرُ أنّ الشّوارع و الغالبيّه العُظمى من المارّة يُحيكون لي مؤامرةً ما ! ، هذا الهاجسُ النّامي في عقلي يُحيلُني لشخصٍ مُتربّص ، عدوانيٌّ على كُل الأشياء للحدّ الذي قد أسقُط من هاويةِ اتّزاني دون ارتيابْ .
يقيـناً .
نبيل الفيفي
08-12-2012, 06:52 AM
ماذا لو كان هذا الغياب قصيدةً رمَتْ بصاحبها من أولِ شطرٍ تدلّى من مخيّلتِه ، و أصْبح في جوّ القصيدة يطفو في ملامحها المُختبئةِ في صورَةٍ رمزيّة ! و هذا الحزن هو عنوان القصيدة ..
ياااه !
ماذا لو كنتُ معكِ مُجرّد فكرتَيْن تنموان في مخيّلة شاعرٍ ما ؟
رُبمـا ! *
نبيل الفيفي
08-13-2012, 04:51 AM
لستُ صالحاً بما يكفي لأقول : أن صدقات الرسائل الوردية في زمن الحرب يُذهبن سيئات الخوف ،*
تخيلي لو كُنا بلا أسماء و لا هويّات و لا تواريخ ميلاد ! كيف سنكون ؟ و كيف سنصيرُ متحرّرين من كل شيء .
رُبمـا !
نبيل الفيفي
08-20-2012, 06:33 AM
أخبريني كيف لي أن أكذبَ عليكِ بقولي : لا تحزني على المسافة الفاصلة بيننا بطريقةٍ لا تُشعرك بأني حزينٌ جدًا ؟ .
رُبمـا !
نبيل الفيفي
08-25-2012, 02:19 AM
لقرية السابحة في سمرة الليل
أصلها عينا امرأةٍ تطحن البن
و*تغني للرياحين النابتة في جوف ذاكرةٍ مُبهمَه ..
في غضون المسافة الفاصلة
بين رائحة القهوة و بين أول سُنبلة صغيرة ولدتُ على جبين فلاّح أحَبّ امرأته
تجذّر في تربتهِ و عادَ دون أن يعلمْ
لنشأتهِ الأولى وهو يحسبُ
أن ولادتي على جبينه هي استمرارٌ لاسمه و لنقش بيت الطين الذي ينتظرُه ..
هويتُ على الأرض ، تشبّثتُ برجل أحدهم و هو يمشي ، تعلقت برجلٍ أخرى حتى صِحتُ في يومٍ ما : كفى !
يجب أن أصبِح من الطين رجُلا
*بصدره طائرٌ صغير
تقفُ على ملامحه قرية أحيطَتْ بالخوف الظاهر على شكل أغنية قديمة .
رُبمـا !
نبيل الفيفي
06-20-2020, 01:44 AM
في يومٍ ما كنت أكتب بعينيك و كانتا تنجب أطفالًا
لا يشبهون هذا العالم ، أطفال كان بمقدورهم أن يصبحوا وردةً في وجه دبابة أو رسالة حب في جيبي جنديّ يحمله السلاح ...
كان باستطاعتهم أن يبصقوا في وجه هذا العالم و يركضون مع ضحكاتهم بعيدًا ،
و في نهاية السطر نبتسم للأزرق منا و تتعرق يديك و اقبلها كعادتي .
رُبمـا !
نبيل الفيفي
07-08-2020, 11:42 PM
انسَي سحنة الحاجة ..و تعالي ! نعيش على كسرة خبز يابس و نبض ،
و غضْ عن فكرة التطنيش ، تعالي نطيش ! بشوية ضحك مالح و دمعة مستحيه
متعلّقة برمشك تبي توصل لآخر مدى فيك
تبي حدّك .. !
تبي خدك .. شيطَنتْنا بطرف خدك ..
اممم
فكرة !
وش يعني لو خذينا هالطريق رحله
و نعولنا ضحكة ؟ وش يعني لو أهدينا هالمسا اثنين
أنت و أنا
قصدي : احنا ؟
و الله قصدي " احنا " .
..!
vBulletin® v3.8.7, Copyright ©2000-2025,