المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دَوْرَة


بثينة محمد
11-30-2011, 06:30 PM
اليوم الأول: لا يهم تسمية اليوم، إنه اليوم الأول فقط.

الساعة السابعة صباحا، تخرج متأنقة، رموشها تبدو مثقلة، عيناها باهتتان، و شعرها ترابيّ. المشية الواثقة بلا هدف. هذا النوع من الشجاعة لدى من لا يملك ما يخسره. و مخاوفه الطبيعية تبدو مهولة للآخرين. يمضي الجهد، يأخذ معه الوقت بسرعة، يختطفه من بين أصابعها الدقيقة بأظافر مرتبة و نظيفة، بيضاء جدا! تعود إلى المنزل، تقرأ.. لا! تحاول أن تقرأ، يشتِّتها ذاك الحلم الذي استيقظ فجأة و هرب من سيبيريا الخاصة بها. تقبض على قلبها، و تعاود محاولة القراءة حتى يُنْهَك الكتاب فيسقط من يديها. تغفو و عيناها الجافتان تحاولان ترطيب أرضهما ببضع الدموع التي تقتصدها لما تبقى من الأيام. يحدث المساء سريعا، يُقْبِلُ القمر فجأة كصديق أتى سريعا للمواساة.. لكن ضوضاء الحلم الطفل تضج في أذنيها، فيأخذ القمر مكانه خلفها، ليربِّت على كتفها حتى تصيح خلاياها: " لِنَنَم قليلا.. غدا يكون متسَّعٌ للبكاء ".

اليوم الثاني:

السادسة صباحا، يصحو قلبها فزعا. شهيق، و شعرها مبلَّل بالعرق. ركضت كثيرا في نومها، قفزت من النافذة إلى سطح المبنى المجاور، استمرت بالركض و القفز من سطح إلى آخر حتى وصلت إلى سطح مبنى منخفض و قفزت إلى الأرض و تدحرجت. ركضت في الشارع لكن الظلام حلّ و الطريق مخيف، و لا تعرف إلى أين تتجه، لكنها لم تتوقف. ظلت تجري حتى رأت أضواء و سيارات فركضت بشكل أسرع. استوقفتها سيارة مسرعة كادت أن تدهسها، و ركبت في أول سيارة أجرة توقفت لها رغم أن السائق بدا مخيفا. حاولت الاتصال بعائلتها دون جدوى. شيء ما حدث لا تعرف ما هو و وجدت نفسها في منتصف الشارع تحاول أن تعبر و تدرك الطريق إلى المنزل.. لكنها استيقظت فجأة.

اليوم الثالث:

تنهمك في العمل، تضع ملاحظات هنا، و ملاحظات هناك. تفكر، تفكر، تفكر في حل المسائل المتعلقة بتقدمها المهنيّ. تنجز و تشعر برغبة في الضحك. تكافئ نفسها ببعض الحلوى و حين تجد النافذة قبالتها؛ تسرح لوهلة ، ببلاهة.. يغرق وجهها.

اليوم الرابع:

" لنأخذ إجازة! " تقول لنفسها. تعبر اليوم محاولة أن تمنح صدرها بعض الاستقرار. تجلب العديد من الوسائل للسيطرة على الزوابع داخله. تتدرب على التنفس العميق ببطء. تتزيَّن و تتبسَّمُ للمرآة. تحذر أن تطيل النظر للمرآة أيضا؛" ليس اليوم للانهيار! " يأتي المساء جارفا بعض الشطآن و يسكبها في صدرها. تبتسم لوسادتها و تخبرها: " سنمسح كل شيء. و لن يهمنا الحاضر أو الماضي.. ولا حتى المستقبل. سنفعل كل ما نشاء، سنطير بعيدا، بعيدا ".

اليوم الخامس:

بعد المزيد من الجهد، تتجول في الحديقة. تشاهد طفلا يضحك إليها بجذل. يجر ابتسامتها جرًّا و يلوِّنها بالأحمر. تكلِّمه و بعد دقائق من اللعب تشعر ببعض التعب. تداعب شعره قائلة بخفوت: " لقد أصبحتُ عجوزًا ". تشير إليه مودِّعة فيتسلق كتفيها و يهديها قبلة. تضحك فرحة و يضحك معها - تمر امرأة و تبتسم للنور الذي تشاهده – و تعود إلى المنزل ببعض من الانتعاش. تحاول أن تمد حبلا إلى ما كان يبعث فيها الحب و الضحك. كل الأمور مؤقتة و لها نهاية.. حتى اليوم. تقبل على الوسادة و تغمض عينيها و تبتسم كأنها النهاية.. تنام!

اليوم السادس:

معكرة المزاج، دون أن تدرك تصدم رأسها بأول حاجز. تتأمل يديها، لا تقول شيئا. تأمل أن تجد النافذة و تشاهد العالم. تشاهد المخلوقات تتحرك و تعبر و.. تنتهي! لكنها تكتفي بالتمنيّ فقط. في خلال بداية الأمنية و نهايتها تشغل نفسها بمشاهدة فيلم ما أو ببعض الثرثرة و الوجبات الخفيفة. في المساء تسمع كلمة تثير ذاكرتها. تشعر بألم في رأسها و الذكريات تطفو و تعرف سبب
مزاجها. ينقبض قلبها إذ تذكر كيف اختنقت في نومها و استيقظت باكية.. دون صوت. تصمت! و تدفع نفسها لعمل آخر و آخر، و آخر.. تذرف قطرتين قبل أن تنام و..

اليوم السابع:

الأحداث غير محددة، إنه وقت الضباب. يبدو الزمن المحصور هنا متذبذبا بين سرعة السهام و التوقف! كلمة قد تكون ملائمة و قد لا تكون لوصفه: لا شيء! في وقت ما، لا تشكو من شيء، لا تشعر بشيء، لا تبالي بشيء. تهجم كالمساء تماما رغبة بالبكاء الطويل. يتسارع النبض و لا تكاد كفاها أن تصل إلى صدرها لإقفال الثغرة التي يقفز القلب منها بشجاعة من ليس لديه ما يخسره. ذاكرة ما يحدث بعد ذلك؛ مفقودة! عند النوم، تحضر البحر إلى الوسادة و تستيقظ مرة أخرى من كابوس آخر، تشهق و تشهق و ترجوها عيناها أن لا تعودي للنوم. لكنها تصر و تهمس: " غدا يوم أول جديد، ربما أرى الشمس أيضا! ".





27 سبتمبر، 2011

صالح الحريري
12-01-2011, 05:54 PM
أيامكِ حبلى بلغتك الولادة بالأفكار الشهية يــ بثينة :)

فاتن حسين
12-02-2011, 08:44 PM
قرأتكِ يـ بثينة.. ارتواء بلل الروح المتبعة من دورة الأيام..!
دمتِ مبدعة..!

همس الحنين
12-02-2011, 09:21 PM
" بثينة / سطورك عبرت من متصفحك لذاكرتي / متألقة / باقات فل "

د. زينب الطائي
12-03-2011, 01:22 AM
بثينة\

أبدعت يا نقية
كم هو جميل حرفكِ\ قلمك
دمت بود

فرحَة النجدي
12-03-2011, 02:37 PM
و اليوم الأول من جديد ينتهي بـ: لِنَنَم قليلا.. غدا يكون متسَّعٌ للبكاء !!
و تأجيل البكاء لن يُعدمه .!


لا أدري يا بثينة لم تمنيت الأيام كلها يومك الخامس ،
أو أن يكون هو اليوم السابع أقلها راحة بعد تعب منتهي لا أن يتوسطه !


" لقد أصبحتُ عجوزًا ".

ترى ، هل ننتظر موقفاً لنعلم اننا نتقدم في السن .؟!
و ما العمر إن كان حاضراً ، هه ، هباء !


بثينة ،
أنا التي أغرق في الفوضى حالياً ،
و أحاول أن أعوم مديرة ظهري لإتجاه أمواجه ؛
قرأتُني هُنا و لذلك قرأتكِ بِـ حُب !


شكراً لكِ .

بثينة محمد
12-06-2011, 10:09 PM
أيامكِ حبلى بلغتك الولادة بالأفكار الشهية يــ بثينة :)


شكرا جزيلا لمتابعتك :)

بثينة محمد
12-06-2011, 10:10 PM
قرأتكِ يـ بثينة.. ارتواء بلل الروح المتبعة من دورة الأيام..!
دمتِ مبدعة..!


أهلا فاتن، دورة الأيام بلا نهاية..
شكرا لك. :34:

بثينة محمد
12-08-2011, 11:12 PM
" بثينة / سطورك عبرت من متصفحك لذاكرتي / متألقة / باقات فل "


همس الحنين، أهلا بكِ. باقة ياسمين لك يا جميلة.

بثينة محمد
12-08-2011, 11:15 PM
بثينة\

أبدعت يا نقية
كم هو جميل حرفكِ\ قلمك
دمت بود

د. زينب الطائي
شكرا جزيلا لك و لإعجابك.
تحياتي.

يحيى الحكمي
12-09-2011, 03:00 AM
في هذا النص بالذات يظهر لدى الكاتبة

نفسَها القصصي ،، والسردي

ومهارة ترويض الحكايا ، ،





.

عبدالرحيم فرغلي
12-10-2011, 10:51 AM
جميل أيتها الفاضلة .. جميل جدا .
الفكرة نفسها .. عشنا معك لأسبوع ، بداية من اليوم الأول .. كان مذهلا بحق .. حتى وددت لو كانت بقية الأيام على نفس المنوال .. ، لكن جاءت بقية الأيام في زفر العاطفة وألمها وتعبها .. جميلا .

في اليوم الأول كان الشعر ترابي .. موافق للصفات قبله .. موافق للحالة النفسية التي وددت نقلها وتوثيقها ، ثم هرب من سيبيريا الخاصة بها .. جميلة هذه الالتفاتة وهذا التصوير . وخاتمة اليوم الأول هي أيضا لها روعتها ووقعها في النفس .

أما اليوم الرابع فكان قولك .. تحذر أن تطيل النظر للمرآة أيضا؛" ليس اليوم للانهيار .. جاء في السرد ليزيد فيه موسيقى النفس .. فتجعلنا نسمعها بوضوح .. النفس المتعبة التي تخاف أن تطيل النظر للمرآة .

أما الأمل الذي زرعته في خاتمة اليوم السابع .. فهو موفق بحق .. لا ينسب كل هذا الجمال لغير بثينة .. تحياتي وتقديري

بدرية البدري
12-11-2011, 09:12 AM
الأيامٌ ودورتها التي تتكرر ..
لا زلنا نحن الذين نحاول انتهاك شيءٍ من الصبرِ ونفشل !

لقلبكِ زهر

بثينة محمد
12-13-2011, 04:13 PM
و اليوم الأول من جديد ينتهي بـ: لِنَنَم قليلا.. غدا يكون متسَّعٌ للبكاء !!
و تأجيل البكاء لن يُعدمه .!


لا أدري يا بثينة لم تمنيت الأيام كلها يومك الخامس ،
أو أن يكون هو اليوم السابع أقلها راحة بعد تعب منتهي لا أن يتوسطه !


" لقد أصبحتُ عجوزًا ".

ترى ، هل ننتظر موقفاً لنعلم اننا نتقدم في السن .؟!
و ما العمر إن كان حاضراً ، هه ، هباء !


بثينة ،
أنا التي أغرق في الفوضى حالياً ،
و أحاول أن أعوم مديرة ظهري لإتجاه أمواجه ؛
قرأتُني هُنا و لذلك قرأتكِ بِـ حُب !


شكراً لكِ .



فرحة، قصة الحياة دورة .. لا تنتهي و إن غادر الأبطال فحتى الرحيل دورة.

شكرا جزيلا لك.

بثينة محمد
12-13-2011, 04:28 PM
في هذا النص بالذات يظهر لدى الكاتبة

نفسَها القصصي ،، والسردي

ومهارة ترويض الحكايا ، ،





.

يحي الحكمي، في الحقيقة حين قمت بكتابة هذا النص تصورته كقصة قصيرة، و لكن قيد الحبكة رفض تصنيفها كقصة. في نظري الحبكة هي الحياة. و الحياة مفتوحة النهاية. تدفع للتفكير.
أهلا بك. تحياتي.

بثينة محمد
12-17-2011, 07:28 PM
جميل أيتها الفاضلة .. جميل جدا .
الفكرة نفسها .. عشنا معك لأسبوع ، بداية من اليوم الأول .. كان مذهلا بحق .. حتى وددت لو كانت بقية الأيام على نفس المنوال .. ، لكن جاءت بقية الأيام في زفر العاطفة وألمها وتعبها .. جميلا .

في اليوم الأول كان الشعر ترابي .. موافق للصفات قبله .. موافق للحالة النفسية التي وددت نقلها وتوثيقها ، ثم هرب من سيبيريا الخاصة بها .. جميلة هذه الالتفاتة وهذا التصوير . وخاتمة اليوم الأول هي أيضا لها روعتها ووقعها في النفس .

أما اليوم الرابع فكان قولك .. تحذر أن تطيل النظر للمرآة أيضا؛" ليس اليوم للانهيار .. جاء في السرد ليزيد فيه موسيقى النفس .. فتجعلنا نسمعها بوضوح .. النفس المتعبة التي تخاف أن تطيل النظر للمرآة .

أما الأمل الذي زرعته في خاتمة اليوم السابع .. فهو موفق بحق .. لا ينسب كل هذا الجمال لغير بثينة .. تحياتي وتقديري


الأستاذ المحترم/ عبد الرحيم فرغلي. شكرا جزيلا باذخا لتعليقاتك الجميلة على مقاطع هذه الدورة. إنها الحياة دورة لا تكِلُّ ولا تمِلًّ ولا تنتهي بانتهاء شخص معين..
تحياتي لشخصك الكريم.

بثينة محمد
01-07-2012, 09:55 PM
الأيامٌ ودورتها التي تتكرر ..
لا زلنا نحن الذين نحاول انتهاك شيءٍ من الصبرِ ونفشل !

لقلبكِ زهر


و ما زلنا نحاول
و هذا ما يهم :)

لقلبك حديقة ياسمين.
أهلا بكِ.

تناهيد
01-07-2012, 11:12 PM
حرف أنيق تتدلى منه الصور ناطقة بفحوى المعاني ؛

سلِمتِ أختي ؛

بثينة محمد
01-14-2012, 11:32 PM
حرف أنيق تتدلى منه الصور ناطقة بفحوى المعاني ؛

سلِمتِ أختي ؛


الأخت تناهيد،
شكرا جزيلا لإعجابك.