منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (https://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد القصة والرواية (https://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=33)
-   -   كأنَّها سَتُمْطِر: (https://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=23575)

سعد العتيق 04-25-2010 09:07 AM

كأنَّها سَتُمْطِر:
 
العَطَشُ يأخُذُهُ إلى مكانِهِ القَصِيِّ, داخل حجرةٍ اعتاد اختيارها لخلوته ليلاً مع نفسه, وقد غفا أطفالُهُ, وأجَّلَتْ زوجتُهُ طلباتِها لِنَزَقٍ آخَر, فغَطَّتْ في تَعَبٍ عميق, أحَسَّ بهواءٍ بارِدٍ يتسلَّلُ داخل الحجرة ما لبث أن جعل ستارة النافذة تعلو وتهبطُ معلنةً عن ريحٍ ينتقلُ صَخَبُها من الخارج إلى الداخل.. قال يُسِرُّ كلماتِهِ إلى أشيائِهِ المصغيةِ إليه ـ هاتِفُهُ الجَوَّال, وروايةٌ مُلْقاةٌ أمامه انثناءُةٌ في غلافِها وصفحاتِها تَدُلُّ على أنَّها تَعِبَتْ من التصفّح, وكوبٌ من الشاي خَمَدَتْ أنفاسُهُ رغم برودة الجو ـ : "كأنها ستمطر".. قالها, وهو يتحرّك داخل لحافِهِ الذي اسْتَلَّهُ من سريره, يبحث عن دفء, ويقترف القراءَةَ, بعيدًا عن ضجرِها من بعض عاداتِه السيئَةِ, كما تقول.. استوقفه ليعود للوراءِ لَغَطُ الرِّيح, واستغاثةُ الستارة, وسياطُ البرق فوق جسد الحجرة, وبدء انفلات قطراتٍ من السُّحِبِ التي قهرت الشمس منذ الصباح, فرفع نظره المنهك, إلى ناحيةٍ من سماءِ الحجرةِ المُجَبَّسَةِ بأضوائها الخافتة الخائفة, فإذا به يرى سقف بيت طفولته, وقطراتٍ تتساقط لامعةً بصُّفْرَةٍ استلَّتْها من ضوءِ سراجٍ مُعَلَّقٍ بجدارٍ طيني, في مسمارٍ صَدِئٍ معقوف كهيئته في لحافِه.. القطراتُ تتخلَّلً جذوعَ نَخْلٍ لم تمنع رغبة سماءٍ في ملامسة بقعةٍ من الأرض أصبحت مكانه القَصِيِّ, وصَخَبُ رجال الحارة يملأ أذنيه بأصواتهم الخشنة, فيراهم وقد وضعوا أكياس الرز الفارغة فوق رؤوسهم بطريقةٍ يتَّقونَ بها المطر, وهم يشقُّونَ مجاريه في الطرقات.. يرى نفسه واقفًا على عتبة بيتهم كما أطفال الحارة وهم يرقبون من عتبات بيوتهم برغبة المشاركة, آباءَهم, لكنها تترك عتبة بيتهم لتلتصق به, وتضع ذراعها على كتفه, يرى النساء يصلحن للماء طريقه بالفؤوس من دهاليز بيوتهن المتربة العطشى, يسمع والدتها تناديها للمشاركة, فيترك لزوجته بملابس نومها التي لا تمنع بلل المطر, وقد أنساها الخوفُ من الرَّعْدِ الاقترابَ من عاداتهِ السيئة, أنْ تَنْدَسَّ في لحافِه.. ألْقَى نَظْرَةً باسِمَةً إلى أشيائِهِ المُصْغِيَةِ إليه, فأسَرَّها: "كأنَّها سَتُمْطِر".

وئيد محمّد 05-06-2010 08:46 AM

تمطر بحق من بعد حرفك , ممتعة القراءة لك يا أستاذ سعد .. بل هي ملهمة للعصافير بنبش أعشاشها و إخراج الأجمل من تغاريدها في هذا الصباح .

سعد العتيق 05-07-2010 07:46 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وئيد محمّد (المشاركة 637931)
تمطر بحق من بعد حرفك , ممتعة القراءة لك يا أستاذ سعد .. بل هي ملهمة للعصافير بنبش أعشاشها و إخراج الأجمل من تغاريدها في هذا الصباح .

هناك ما يرجعنا إلى ما ابتعدنا عنه, أو ابتعد عنا.
وأمطرت, فكان استمتاعي بحضورك:34:

وديع الأحمدي 05-07-2010 10:46 PM


الجميل , سعد العتيق ,
تملك عدسة حرفية , تلتقط الدهشة ,
دمت بـ روعة ,,


تحاياي

سحر الناجي 05-09-2010 04:01 AM




كأنها .. أحرف تُينع في حوض الذاكرة بأزاهير الدهشة ..
رائحة المطر - بدقة الوصف - تبدو كرذاذ يندس إلى وعينا ويتلبد ..
والقطرات المتسربة من السقف أراها جلية السقوط في الذاكرة ..
رائعة .. شهية .. عذبة , تتخم الذائقة بتفاصيل بهية ..
كأني يقينا سأدعو لك بالبقاء راقيا على سفح الإبداع ..
تقديري سيدي

سعد العتيق 05-14-2010 08:29 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وديع الأحمدي (المشاركة 638592)
الجميل , سعد العتيق ,
تملك عدسة حرفية , تلتقط الدهشة ,
دمت بـ روعة ,,


تحاياي

ودام لنا مرورك الجميل,,

سعد العتيق 05-14-2010 08:33 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سحر الناجي (المشاركة 639303)


كأنها .. أحرف تُينع في حوض الذاكرة بأزاهير الدهشة ..
رائحة المطر - بدقة الوصف - تبدو كرذاذ يندس إلى وعينا ويتلبد ..
والقطرات المتسربة من السقف أراها جلية السقوط في الذاكرة ..
رائعة .. شهية .. عذبة , تتخم الذائقة بتفاصيل بهية ..
كأني يقينا سأدعو لك بالبقاء راقيا على سفح الإبداع ..

تقديري سيدي

وأدعو لكِ بالسعادة الدائمة, وقد أمطرتني بها كلماتك,,

مَنَالْ أحْمَد 05-16-2010 12:26 PM

:
لغتك في سكونها..
ممطرة وصاخبة تجعل الخيال يسافر بينها وكم يطيل البقاء..

رائع
وأكثر


الساعة الآن 04:32 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.