الهاوية التي تصعد بنا! - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
اعترافاتٌ تُكتَبُ بِنارِ الرُّوحِ وقَبضَةِ القَمَرِ! (الكاتـب : جهاد غريب - آخر مشاركة : خالد صالح الحربي - مشاركات : 3 - )           »          حرف عقيم (الكاتـب : ضوء خافت - مشاركات : 24 - )           »          روض الأبعاد ... (الكاتـب : ضوء خافت - مشاركات : 79 - )           »          هشاشتُنا المُشتَعِلَةُ: رقصَةُ الأرواحِ العاريةِ فوقَ هاويةِ الوجود! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 0 - )           »          مُتنفس .. شِعري ! (الكاتـب : سعيد الموسى - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 825 - )           »          (( حِلم انساني .....!)) (الكاتـب : زايد الشليمي - مشاركات : 7 - )           »          فلسفة قلم .. بأقلامكم (الكاتـب : سيرين - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 3922 - )           »          (( شهد .. للحديث بقية ..)) (الكاتـب : زايد الشليمي - مشاركات : 10 - )           »          اقرأ الصورة بمِدادٍ من حبر (الكاتـب : نواف العطا - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 2922 - )           »          لَفَتات >> في آيات (الكاتـب : رشا عرابي - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 999 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد المقال

أبعاد المقال لِكُلّ مَقَالٍ مَقَامٌ وَ حِوَارْ .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-21-2025, 03:20 PM   #1
جهاد غريب
( شاعر )

افتراضي الهاوية التي تصعد بنا!


الهاوية التي تصعد بنا!

تترامى ظلال الأمس فوقنا، كأشرعة سفينة مثقلة بجراح الغرق، وحين تتهادى الروح نحو القاع، حيث لا صوت يُسمع سوى أصداء الوجع، نظنّ أننا بلغنا النهاية، وأن هذا القاع هو المنتهى. لكنّ الهاوية قد تكونُ بدايةَ صعودٍ لا يدركه إلا من عانقَ قاعَها بكلتا يديه، كما يلامس الفينيق رماده قبل أن ينهضَ من جديد.

في عتمة السقوط تتجلّى ملامح قوةٍ خفيّة، كالنبتة التي تشقّ التربةَ لتصل إلى الشمس، وكالضوء الذي لا يظهر إلا حين تخفت كل المصابيح. قوة ترتوي من مرارة الألم، وتورق أغصاناً جديدة، تمتدّ جذورها عميقاً في تربة التجربة. وكما قال نيتشه: "ما لا يقتلني يجعلني أقوى".

كم مرة حسبنا أنفسنا أسرى حفرة لا مخرج منها، وارتعدنا من الوحل الذي يلتف على أطرافنا؟ لكننا لم نكن نغرق، بل كنا نعود إلى رحم يعيد تشكيلنا، كالنحات الذي يضرب الصخر، لا لينكسر، بل ليظهر تحفةً مدهشة كانت مخفية داخله.

الألم هنا ليس عدواً، ولا سجّاناً، بل هو المايسترو الذي يقود أوركسترا وجودنا. هو النغمة التي تُضفي عمقًا على سيمفونية الحياة، وإزميل الفنان الذي لا يكلّ عن النحت فينا، صارخًا: "أنت أكثر من مجرد كتلة، أنت تحفةٌ قيد التشكيل!"

كل شرخ يتركه فينا ليس عيباً، بل نافذة. وكل ندبةٍ هي سطر في قصيدة وجودنا، علامة ترقيم في رواية أرواحنا، ودليل حيّ على أننا ما زلنا نحيا، ما زلنا ننبض، ونتشكل، ونزهر.

ها هو الألم يحوّل أعماقنا إلى ورشةٍ دائمة، تُصهر فيها التجارب القاسية لتصنع نسخاً منا أكثر نقاءً، أكثر صلابة، أكثر إشراقًا. فما أقسى الألم إلا برهانٌ على قدرتنا على الشعور، على الانتماء إلى الحياة، رغم ما تفعل بنا.

ليست المسألة في تجنب الهاوية، بل في تعلّم الرقص على حافّتها. في تحويل عويل الريح إلى لحن، وصدى الانكسار إلى نشيد. إن احتضان الشرخ في الروح لا يعني الخضوع، بل يعني الاعتراف به كمدخلٍ للنور، كنافذة نطلّ منها على اتساع كنا نجهله.

"ربما نحتاج إلى أن نغرق في القاع كي ندرك أن الألم هو مجرد نهر عابر، لا محيط أبدي". فكل دمعة تسقط، تُزرَع بذرة أمل، وكل تنهيدة ليست إلا زفرة حياة، وكل كسرة في القلب تصبح شرفة نطل منها على أفق جديد.

السقوط قدر لا خيار لنا فيه، أما الصعود فقرار. وليس الصعود انتصاراً على السقوط، بل هو السقوط ذاته حين يُحتضن بوعي، ليصبح جسراً نعبر فوقه إلى ذواتٍ أعلى، أكثر صلابةً واتساعاً. كل حجر نعثر به، كل وجعٍ نتكئ عليه، هو درجة في سلّمٍ مقلوبٍ نحو الأعالي.

وحين تدرك الروح أخيرًا أن هذه الهاوية التي ظنتها نهاية، لم تكن سوى معراجٍ خفي، تهتز الأرض طربًا، وتصفّق لها النجوم، لأنها أدركت أن الأجنحة لا تنبت إلا بعد السقوط.

فلا تطلب من الحياة أن تكون أقل عمقًا، بل اطلب من نفسك أن تكون أطول جناحًا، لأنّ أعمق الوديان تُنبت أعلى القمم، وأشد لحظات انكسارنا… هي بالذات لحظة الميلاد الحقيقي لأجنحتنا.

جهاد غريب
يوليو 2025

 

جهاد غريب غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أطيافُ الحبرِ والغياب! جهاد غريب أبعاد النثر الأدبي 2 07-11-2025 03:06 PM
حين يوقظ الضوء رعشة القلب! جهاد غريب أبعاد المقال 2 07-01-2025 11:21 PM
رواية قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل.كتارا إبراهيم امين مؤمن أبعاد القصة والرواية 54 06-04-2025 09:08 AM
متعة الحوار! ندى يزوغ أبعاد النثر الأدبي 1 04-27-2025 04:41 PM
أرملةُ الرُّصافي أم أرمل البارحةُ !! عيد الحواشيش أبعاد المقال 6 08-16-2006 01:51 AM


الساعة الآن 10:05 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.