منذ أسابيع ووالدتي تسألني عن نتائج التحاليل، تلاحقني نظراتها القلقة في كل مرة أعود فيها للبيت.
أعلم أن سؤالها ليس مجرد فضول، هو قلق الأم الذي لا يخطئ، لكنني أتهرب من الإجابة.
كيف أقول لها إنني بالكاد أستوعب الأمر بنفسي؟ أكتفي بعبارات مطمئنة، ثم أغلق باب غرفتي، وأغرق في صمتي.
لا أحد يعلم سوى طبيبي، وهو الذي نصحني أن أبقى إيجابية، أن أبتعد عن الحزن، وأن أكتب.
قال لي :
"الكتابة ستكون علاجك. كل كلمة صادقة تكتبينها ستُشبه جرعة دواء. انسحبي من دوائر الحزن وامنحي نفسك فرصة للشفاء."
بدأت أكتب كل شيء. عن خوفي، عن ألمي، عن ذلك الغموض الذي يحاصرني.! شعرتُ أن الكلمات تخرج من أعماقي كأنها تطهرني. لكن الكتابة وحدها لم تكن كافية.
الطبيب أصر أن أغير حياتي بالكامل، أن أترك التدريس، وأسافر.
"طنجة ستكون مكانا مثاليًا لك. على شواطئها ستجدين نفسك يا أستاذة"
طنجة...! فكرة راودتني للحظة، لكنني لم أستطع الالتزام بها.
السفر وحدي إلى هناك بدا مرعبا، خاصة أنني أحتاج دعما معنويا.
قررت أن أتفق مع صديقاتي الثلاث على رحلة إلى مراكش أو مرزوكة أو ربما إفران. نحن نحب السفر معا، ونفهم بعضنا.
كنت أتمنى أن يأخذني قلبي إلى طنجة، حيث الهدوء والصخب في آن، ولكن عقلي اختار البقاء قريبا من الألفة والناس الذين يطمئنونني.
أردت اصطحاب جاد، طفلي الجميل، معي. رؤيته تملأني بالحياة، لكنه صغير، لا يتجاوز الرابعة، وأنا لا أستطيع أن أتحمل مسؤولية طفل وأنا بهذه الحالة.
في الليلة التي سبقت الرحلة، كنت أُحضر حقيبتي عندما رنّ هاتفي. رقم مجهول.!
أجبت، فسمعت صوتا هادئا يقول:
"لا تسافري غدا، حياتك معلّقة على هذا القرار."
تجمدت في مكاني. حاولت أن أستجمع أنفاسي، لكن يدي كانت ترتجف وهي تمسك الهاتف.
من هذا؟ وكيف عرف أنني مسافرة؟
وضعت الهاتف، وأقنعت نفسي أن الأمر ربما مزحة ثقيلة، أو خطأ ما....
سيتبع....